الطريق إلى ما بعد الفشل في لبنان

لا شيء يبرر الآن البحث عمن يقف وراء الفوضى التي انتهت إليها الانتخابات النيابية اللبنانية. إنها تعبير صريح عن فشل استراتيجي تام.
هذا الفشل يحتاج الآن إلى من ينقذه هو من الورطة التي وقع فيها. على الأقل لكي لا يختلط حابل الحكم الذي جلب البلاء بنابل المعارضة التي لم تكسب الحرب ضده.
لقد دُفع سعد الحريري دفعا للخروج من الساحة السياسية. فضاع قطبٌ جامع. ولكن هذا لم يكن هو أصل الفشل. الأصل الحقيقي هو أن القوى المناهضة لتحالف الخراب، لم تتوافق على مشروع مشترك. ولا هي نجحت في تنظيم القوائم الانتخابية بحيث تستطيع أن تكسر القوالب الجامدة، ولا أن تحتوي مرشحي الانتفاضة. ودخل كل منها وهو يعتقد أنه هو أم العروس، أو صاحب الزفّة، ويقف خلفها من يظن أن قصص التغيير العظمى تُكتب بهذه الصورة العشوائية.
وببساطة لم يكن هناك طرف قائد. كان هناك طرف يلوح بالرغبات والتمنيات، إلا أنه لم يكن طرفا قادرا على القيادة. ولم يكن له نفوذ فعلي لبناء خارطة سياسية، أو حتى مجرد تصور عريض يمكن للأطراف المعارضة، والمتنازعة، أن تسير على هداه.
وبالنسبة إلى أناس يعتقدون أن الخراب في لبنان يجب أن يبلغ نهايته، فهذا الواقع مفيد. شكرا لمَنْ صنعه. إلا أن الذي صنعه كان يأمل بشيء آخر فلم يحصل عليه. لأنه لم يخطط، ولم يقرأ الواقع، وحَسبَ أن البدائية السياسية يمكنها أن تهزم الطائفية السياسية، أو تهز مواقعها، فهزمته النتائج.
لكي تهزم حزب الله، تحتاج إلى قوة أخرى، غير “القوات اللبنانية” لتضع رهاناتك عليها. لا بأس بهذا الحزب في بيئته. ولكنه لا يصلح لكي يكون بلدوزر التغيير في لبنان. صحيح أن خطابه بلدوزري يصبُّ مثل الماء البارد على القلب الحار، ولكنه خطابُ “بياع خواتم”، الذي يعد الحسناوات بكل الزيجات السعيدة، حتى تفاجئهن العنوسة.
لم يحدث، على الإطلاق، أن قامت انتخابات نيابية في لبنان على أوهام بقدر هذه الانتخابات. أوهام من كل مكان. وما من طرف إلا وزرع بستانا من التوقعات الزائفة. فجاء الحصاد مُرا، بينما البلاد في سكرات الموت الأخيرة
وردةُ التغيير يمكن أن تنبت بين أيدي أي أحد من القوى الناشئة غير التقليدية، الشباب الذين انتفضوا في أكتوبر 2019 خاصة، إلا أنها لا تنبت بين يدي سمير جعجع.
إنه، بالمناسبة، ورقة محروقة، بين الشيعة والسنة في لبنان على حد سواء. فهل عرفت لماذا فاز الثنائي الشيعي بكل مقاعد الطائفة؟
قل “شكرا” لسوء الفهم.
تحالف الخراب الذي يقوده حسن نصرالله، يملك الآن 62 مقعدا. بينما “الموزاييك” المضاد يملك أشتات أطراف لا يجمعها جامع. وهناك في الوسط بينهما مَنْ يمكن لتحالف الخراب أن يشتريه، فتنتهي القصة بأن يستعيد حزب الله وأقرانه الأغلبية من جديد. فكل ما بينهم وبين استعادتها ثلاثة مقاعد.
الفشل في مواجهة دولة الفشل، لا بد أن يكون أفشل من سواه لكي يبلغ هذه النتيجة. بكلام آخر: ماذا تريد أكثر من هذه المأساة التي يرزح تحتها اللبنانيون لكي تستقطب مشاعر الناس وأصواتهم؟
إيران كانت أكثر نجاحا في خوض هذه المعركة الانتخابية. على الأقل، لأن عملاءها حافظوا على مراكزهم حتى وهم يتربعون فوق جهنم. ولك أن تتخيل كم مقعدا كانوا سيكسبون لو جرت بين أيديهم سوائل المال؟
بالعقلية التي خاض بها المعارضون هذه الانتخابات، فمن الأفضل ألا تحسب. فقط اجلس على ناصية مقهى لكي تعد الهزائم.
حتى ما قبل الانتخابات، فقد كان يمكن تحميل مسؤولية الفشل إلى الطرف الذي قاد البلاد إليه. الآن “ضاعت الطاسة”. هذا فشل آخر في الواقع. فقد صار بوسع تحالف الخراب أن يلقي باللائمة على “عدم تعاون” الجماعات الأخرى، بل وربما على كل الذين يراهنون على “حزب القوات اللبنانية”، ليكون الفشل في معالجة الفشل مسؤوليتهم هم، وليكونوا مسؤولين أيضا عن كل الصدامات التي تعرقل تشكيل الحكومة، أو انتخاب الرئيس أو تنفيذ الإصلاحات، أو بقاء الأزمة، أو تعرض الملايين للمزيد من الجوع.
ولك، على سبيل التيقن، أن تلاحظ أن “الثنائي الشيعي” سوف يتبنى لغة تصالحية تدعو إلى التعاون، لإنقاذ البلاد.
تحتاج أن تنظر في قاع “التقيّة” لكي تفهم هذه اللغة. إنها لغة تبرؤ من الجريمة. وهي لغة تمهيد لوضعها على أكتاف الذين “لا يتعاونون” مع “أهل الخير” الذين هم، احزر مَنْ؟ حسن نصرالله وجبران باسيل!
إذا لم تجد أحدا تراهن عليه غير سمير جعجع لكي يقود التغيير، فمبروك عليك ما حصل. فهذا رهان يمكن وقفه عند كونه قراءة خاطئة
ولا يجب أن تستغرب ذلك أبدا.
ولكن بما أنك حققت فشلا مدويا في مواجهة الفشل، فمن الخير أن تستكمله على الأقل، بدلا من أن تحمل الشماعة على ظهرك، وتتحمل معها الملامات، بينما تحالف الخراب يصدح بالرغبة بالتعاون.
الشيء الوحيد الصحيح، هو أن تشجع الذين يقفون في الوسط، بين تحالف الخراب وبين شتات المعارضة، وهم نحو سبعة مقاعد، بأن يلتحقوا بهذا التحالف، ويعيدوا أغلبيته المفقودة إليه. ويتركوه يواصل مسيرته المظفرة في قيادة البلاد إلى جهنم.
هذا هو الشيء الوحيد الصحيح. لا تتشاطر بأي شيء آخر. فطالما أنك فشلت، فمن الخير أن تقبل النتيجة. جدير بك أن تسأل نفسك: لماذا يتعين عليّ أن أفشل في تحدي الفشل وأن أحمل أوزاره أيضا؟
لا تراهن حتى على سعد الحريري. لم يعد من مصلحة هذا الرجل أن يعود ليلعب دورا. لقد قتلناه، وعرضنا جثته على الملأ. ومن الخير له أن ينأى بنفسه عن الفوضى المقبلة.
رد السلطة والأغلبية إلى حزب الله هو الخيار الأمثل. ليس من أجل جولة انتخابية مقبلة، قد لا تأتي أصلا. ولكن من أجل أن يبقى شتات المعارضة يسكر على أنغام المأساة، بدلا من أن يعزفها بنفسه.
وطالما أنك لا تستطيع إنقاذ لبنان، كما ثبت من نتائج الانتخابات، فلماذا تتورط بفائض الفشل وفوضاه؟
لم يحدث، على الإطلاق، أن قامت انتخابات نيابية في لبنان على أوهام بقدر هذه الانتخابات. أوهام من كل مكان. وما من طرف إلا وزرع بستانا من التوقعات الزائفة. فجاء الحصاد مُرا، بينما البلاد في سكرات الموت الأخيرة.
لا يوجد منطق في أن تكون مسؤولا عن الدفن أيضا، وأن تُتهم بأنك أنت من قتل الضحية، بينما كان حسن نصرالله يدعو الى التعاون لإنقاذها، بل ويعد الخطط لبيع النفط والغاز بما يكفل أن يعيد لها شبابها أيضا.
فاتركوه يشكل الحكومة على هواه. لتكسبوا مواصلة انتقاد الفشل، بدلا من التورط به.
إذا لم تجد أحدا تراهن عليه غير سمير جعجع لكي يقود التغيير، فمبروك عليك ما حصل. فهذا رهان يمكن وقفه عند كونه قراءة خاطئة. ولكن، إذا لم تعرف كيف تهزم الفشل، فعلى الأقل، لا تحمل أوزاره.