الطاقة الشمسية ملاذ السوريين لتعويض انقطاع الكهرباء

محاولات مضنية لتشجيع القطاع الخاص المنهك للاستثمار في الاستدامة.
السبت 2022/12/17
كل هذه الألواح لا تكفي لإنارة حي واحد

وضعت معضلة انقطاع الكهرباء في سوريا وعدم القدرة على دفع تكاليف الاستهلاك المرتفعة الكثير من الناس أمام تحد كبير لا يمكن تخطيه إلا بالاستعانة بالطاقة الشمسية، في ظل محاولات شاقة من دمشق للاعتماد على هذا المجال رغم شح الأموال.

دمشق – يسعى العديد من السوريين لتبني استخدام المصادر المتجددة كأحد الحلول البديلة لتغطية النقص الكبير في إمدادات الكهرباء نتيجة ما خلفته الحرب من دمار في البنية التحتية وما نشأ عنها من أزمة مالية خانقة.

ولجأ طبيب الأسنان إبراهيم الأكزم إلى الطاقة الشمسية كي تستمر عيادته بدمشق في العمل في ظل انقطاع التيار الكهربائي مما يعكس تفاقم أزمة الطاقة في بلاده بعد 11 عاما من اندلاع الحرب.

وكانت هذه الخطوة درعا واقيا للأكزم لمواجهة الانقطاع المتواصل للطاقة بسبب تداعي الشبكة المحلية وارتفاع كلفة المازوت نتيجة ندرة كمياته لتشغيل مولد كهرباء خاص.

وقال الطبيب (41 عاما)، الذي أنفق ما يقرب من سبعة آلاف دولار على تركيب وحدة طاقة شمسية لوكالة رويترز إن “الانتقال إلى الطاقة البديلة هو أفضل حل حاليا”.

مدين ديار: منحنا 5 تراخيص حتى الآن لمشاريع ستنتج 200 ميغاواط
مدين ديار: منحنا 5 تراخيص حتى الآن لمشاريع ستنتج 200 ميغاواط

وهذا يجعل الأكزم واحدا من سعداء الحظ، إذ تضرر بشدة أولئك الذين ما زالوا يعتمدون على الشبكة الحكومية أو المولدات الخاصة في الأسابيع الماضية مع اضطرار الدولة إلى تقنين توزيع الوقود بسبب نقصه الحاد وقطع أبراج الاتصالات الدخول على الشبكة وتقليص المؤسسات العامة لفترات العمل.

وبرزت الطاقة المستدامة في سوريا كأحد الحلول الممكنة لدمشق لدعم شبكة الكهرباء المتضررة والمحافظة على تأمين الإمدادات في المناطق الخاضعة لسيطرتها وسط تذمر سكان البلد الذي يعاني من ويلات الحرب.

وتفاقمت أزمة الكهرباء بسبب الانهيار الاقتصادي الناجم عن الصراع والعقوبات الغربية وانهيار قيمة الليرة، وفقدان الحكومة السيطرة على أراضيها المنتجة للنفط في شمال شرق البلاد.

وفي أغسطس 2021، قدمت وزارة الكهرباء حصيلة خسائر القطاع بسبب الدمار الذي لحق بالشبكة ومحطات التوليد منذ بدء الأزمة وسط تشكيك في أن الخسائر المعلنة أكبر بكثير من ذلك.

وذكرت الوزارة حينها أن إجمالي الخسائر المباشرة وغير المباشرة لقطاع الطاقة الكهربائية جراء الحرب بلغ نحو 24.4 مليار دولار بعدما كانت الشبكة تغطي نحو 99 في المئة من مساحة البلد.

وجاء في التقرير أن الخسائر المباشرة للقطاع منذ 2011 وحتى نهاية 2020 قدرت بنحو 8.1 مليار دولار، فيما كانت حصيلة الخسائر غير المباشرة نحو 16.3 مليار دولار.

وظهرت الحاجة إلى الطاقة النظيفة بشكل ملح خلال السنوات الخمس الأخيرة، فقد شرعت الحكومة في تقديم تسهيلات للمستثمرين الذين يستوردون الألواح الشمسية وتركيبها في مناطق معينة قريبة من محطات الكهرباء.

كما سعت الحكومة لتشجيع المزيد من الاستثمارات في الطاقة المتجددة بتقديم حوافز تشمل إلغاء الجمارك على المعدات المستوردة اللازمة لإنتاجها.

ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية عن الرئيس بشار الأسد قوله في أثناء تفقده مشروعا لتوليد الطاقة الشمسية بمنطقة كسبة في ضواحي دمشق خلال سبتمبر الماضي إن بلاده “لا تزال تركز على الأشكال التقليدية لتوليد الطاقة”.

لكنه عبر عن دعمه لاستثمارات القطاع الخاص في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وأضاف أن “الدولة يمكن أن تعمل شريكا بشراء الكهرباء وبيعها للمستهلكين”.

وأدخل الأسد في الشهر التالي تعديلا على قانون الكهرباء يهدف إلى تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في كل من الطاقة التقليدية والمتجددة من خلال السماح للمنتجين لأول مرة ببيع الطاقة للمستهلكين مباشرة.

وقال مدين ديار مدير هيئة الاستثمارات السورية إنه “تم منح تراخيص لخمسة مشاريع في مجال الطاقة المتجددة حتى الآن ستنتج 200 ميغاواط في الساعة”.

لكن يظل هذا قطرة في محيط مقارنة بما يصل إلى 49 مليار كيلوواط من الكهرباء في الساعة كانت تنتجها سوريا قبل الحرب، وفقا لتقرير حكومي.

وكانت تمتلك فائضا تقوم بتصديره إلى دول الجوار، فيما انخفض الإنتاج حاليا إلى ما بين 1500 وألفي ميغاواط يوميا.

وتؤكد المؤسسة العامة لنقل الكهرباء الحكومية أن الاحتياج الفعلي للبلاد من الكهرباء يبلغ حوالي 5 آلاف ميغاواط يوميا لتغطية طلب المستهلكين دون أي تقنين.

وفي محاولة لتنمية قدرات إنتاج الكهرباء من المصادر المستدامة قرر مجلس النقد والتسليف التابع للمركزي في يناير الماضي السماح للقطاع المصرفي المتعثر أصلا بمنح تسهيلات ائتمانية لتمويل مشاريع الطاقة المتجددة دون التقيد بسقوف الإقراض المحددة.

وذكرت وسائل إعلام محلية حينها أن المجلس اتخذ الخطوة بهدف التشجيع على إنشاء مشاريع تنتج الكهرباء من طاقة الشمس والرياح لمواجهة تنامي الطلب المحلي.

ولا تأتي محاولات حكومة دمشق اللجوء إلى مصادر الطاقة البديلة للتغلب على مشكلة نقص الكهرباء من باب التحول إلى صداقة البيئة بقدر ما تفرضه الأزمة المالية الخانقة في ظل الحظر الأميركي الخانق وعراقيل التمويل الخارجي التي تقف حائلا دون تحقيق خططها.

5

آلاف ميغاواط الاحتياج الفعلي اليومي للكهرباء بينما انخفض الإنتاج إلى ألفي ميغاواط

وكانت مديرية تنظيم قطاع الكهرباء والاستثمار الخاص بوزارة الكهرباء قد قالت الصيف الماضي إنها منحت قرابة 157 رخصة لتوليد الطاقة من المصادر المتجددة منذ العام 2016 حيث يبلغ سقف الإنتاج لكل مشروع 10 ميغاواط.

ويعد براء شعيرة من محافظة حماة بوسط سوريا واحدا من رواد الأعمال الذين حصلوا على رخصة لإنشاء محطة طاقة شمسية.

ويبيع إنتاج محطته، التي شيدها عام 2020 بكلفة بلغت 800 ألف دولار وتبلغ طاقتها واحد ميغاواط، إلى شبكة الكهرباء الحكومية. وأحجم عن الكشف عن سعر البيع خلال حديثه مع رويترز.

واقترح شعيرة أن تضع الدولة “سعرا تفضيليا” للطاقة الشمسية لتعويض ارتفاع كلفة المعدات وتشجيع مستثمرين آخرين.

وقال “اليوم بدأنا بإنتاج واحد ميغاواط وبإمكاننا إنتاج 10 أو 20 ميغاواط عندما تدعمنا الدولة بمسألة التمويل وأيضا في مسألة الأسعار التفاضلية”.

وأصبح من الصعب استيراد المعدات بسبب العقوبات، كما أدى انهيار العملة المحلية، والفجوة المتزايدة بين سعر الصرف الرسمي ونظيره في السوق السوداء إلى تأجيل الاستثمارات المحتملة.

وأضاف شعيرة “القوة المحركة هي الكهرباء، وأكبر نقص ببلدنا بسبب الحصار والعقوبات هو الكهرباء، اليوم عندما نعيد بناء البلد واقتصاد البلد فإننا نحتاج إلى أن نبدأ بالكهرباء”.