الطائرة ليست وطنا

لن يكون في إمكان المرء الذي يولد على سطح طائرة أن يدلي بمعلومات واضحة ومحددة عن مسقط رأسه. ليست الطائرة قرية أو مدينة أو دولة فهي إذن ليست وطنا.

ولا أعرف فيما إذا كانت الدول التي يولد ذلك المرء في فضائها تقبل أن يتمتع ذلك المرء بمواطنتها بعد أن تهبه أوراقا ثبوتية. بالرغم من أن تلك الدول تعتبر ذلك الفضاء جزءا من سيادتها حسب القانون الدولي.

ما ليس واقعيا أن يكون المرء مواطنا في بلد لم يولد فيه وهو وطن والديه اللذين لن يتمكنا من إثبات مكان ولادته المتحرك. فما هي الجهة التي ستصدر شهادة ميلاده؟

إنه مواطن كوني. يسهل قول ذلك. ولكن أين يقع ذلك الكون ليكون وطنا؟ ذلك سؤال وجودي تصعب الإجابة عليه.

يُقال إن المرء الذي يولد على سطح طائرة ينال طوال حياته تذكرة مجانية على كل الخطوط الجوية العالمية. سيعيش حياته مسافرا من غير أن يدفع فلسا واحدا. ينظر إليه الآخرون بحسد.

واقعيا فإن إنساناً، أيّ إنسان لا يرغب في أن يكون مسافرا دائما. هناك علاقة نفسية تربط الإنسان بالأرض إن لم يكن اسمها الوطن فإن اسمها هو العائلة.

يحتاج المرء إلى أن يقيم في مكان بعينه. أن يكون له عنوان ثابت يتلقى من خلاله رسائله. فما دام جالسا في طائرة فإن رسالة واحدة لن تصل إليه.

صحيح أن هناك بشرا يقيمون في الفنادق أكثر ممّا يقيمون في بيوتهم غير أنهم يملكون عناوين ثابتة يعودون إليها حين يتعبون من السفر.

أما حين يتقدم الإنسان في السن فإنه يحن إلى رؤية مسقط رأسه فيذهب إليه فلا يجده بسبب ما طرأ عليه من تغيرات على خلاف مَن يولد على سطح طائرة فإنه لا تمكنه العودة إلى مسقط رأسه أبدا.

سيسأل الخطوط الجوية التي سافرت عليها أمه يوم كانت حبلى فيُقال له إن تلك الطائرة قد أحيلت على التقاعد بسبب قدمها ولا أحد يعرف عن مصيرها بعد أن تحولت إلى ركام من الحديد. حينها يكون شيء من الماضي الشخصي قد جرى الاعتداء عليه ومحوه. يلتفت المرء إلى الوراء فلا يرى وطنه.

بالنسبة إلى الكثيرين فإن ذلك الشخص هو محظوظ أكثر منهم. ذلك لأن الحنين إلى مسقط الرأس لا يعذبه ولا يطارده مثل سؤال لا جواب له.