الضيافة في زمن الهجرات المتعاقبة

مجموعة من الباحثين تحت إشراف برتران بادي ودومونيك فيدال يقترحون قراءة تاريخية ومعاصرة لظاهرة الشعبوية وتحليلا لعودتها بعد سبات.
الأحد 2019/02/03
الضيافة قادرة على إزعاج المخيال الوطني

إن وضع الغريب مقبل على الانتشار. ولكن التنقل الذي يطيب لبعضهم تمجيده يصطدم بالحدود التي تقيمها الدول/ الأمم أمام المهاجرين، الذين لا يعامَلون كضيوف بل كأعداء، لا سيما في هذه المرحلة التي شهدت تفاقم الحروب وتزايد الهجرات هربا من ساحات المعارك، ما اضطر بعض الأهالي إلى التمرد على القوانين الجائرة التي تفرضها حكوماتهم، ومدّ يد المساعدة لغرباء لا سقف يؤويهم ولا طعام يغذيهم، فأيقظوا بذلك تقليدا أنثروبولوجيا قديما هو الضيافة.

بيد أن ذلك لا يكفي، فاستضافة غريب أو إطعامه وإسكانه كلها قطرة ماء في بحر التيه العام. في كتابه "الغريب الذي يأتي"، يعكف عالم الأنتروبولوجيا الفرنسي ميشيل أوجيي على إعادة استقراء مسألة الضيافة، من منظور الأنتروبولويجيا والفلسفة والتاريخ، ليبين قدرتها على إزعاج المخيال الوطني، لأن الغريب الذي يأتي هو في الواقع يطلب منا أن نفكر بشكل مغاير في موقع كل واحد وكل واحدة من العالم.

كيف تنشأ الشعبوية

من عبادة الزعيم إلى تقنيات الدعاية الديماغوجية
من عبادة الزعيم إلى تقنيات الدعاية الديماغوجية

خطاب الساسة والإعلاميين والمحللين والباحثين يكاد لا يخلو من عبارة "الشعبوية" في الأعوام الأخيرة، ورغم ذلك تبدو العبارة عصية على التفسير والتأويل، بل قد تحمل أحيانا معانيَ تنأى بها عن المراد.

في كتاب "عودة الشعبويات"، يقترح مجموعة من الباحثين تحت إشراف برتران بادي ودومونيك فيدال قراءة تاريخية ومعاصرة لهذه الظاهرة، وتحليلا لعودتها بعد سبات، وإذا كان المؤرخون يساعدوننا على معرفة كيف ولماذا تظهر الشعبوية وفق موجات متتالية منذ نهاية القرن التاسع عشر، فإن مقاربات أخرى سوسيولوجية وسياسية واقتصادية تكمل هذا المسعى، للوقوف على الملامح المشتركة في عدة تجارب متنوعة، وأعراضها – من عبادة الزعيم إلى تقنيات الدعاية الديماغوجية – وممارساتها المتكررة. آخرون يتساءلون ما إذا كانت ثمة سياسة أو سياسات شعبوية متناسقة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والخارجية، ويضربون أمثلة عن التجارب الشعبوية المعاصرة، من ترامب إلى بوتين، مرورا بشافيز وأردوغان.

الحس النقدي منذ الطفولة

"البيداغوجيات النقدية" عنوان كتاب جماعي صدر تحت إشراف الباحثتين المتخصصتين في علوم التربية لورانس دوكوك وإيرين بيريرا، يشكك في السياسات التربوية الفرنسية الحالية، ويرى أن الحكومات المتعاقبة لا ترى في التربية أكثر من مسار تأهيل شخصي، وأن البلاد نفسها لا تشجع على الأعمال المشتركة ولا تهتم بظروف تدريس المعارف. فقد خيرت تشجيع البيداغوجيات البديلة المستوحاة من رؤية منزوعة البعد السياسي، ومارستها في مدارس الأثرياء وحدها، وفق منطق فرداني.

 والكتاب يقترح بيداغوجيات انفتاح جماعي، تستثير في المتعلم حاسته النقدية وتدفعه إلى الوعي بعلاقات الهيمنة، كالعنصرية، والجنس، والطبقية، وسياسة الميز، لكي يعرف كيف يلغيها، والغاية هي خلق مجتمع لا يكون فيه الفرد هو ذاته برغم الآخرين، بل لوجود الآخرين أيضا. والنموذج الذي يدعو الكتاب إلى الاحتذاء بتجربته هو سيليستان فريني المعلم الفرنسي الذي أرسى قواعد بيداغوجيات نقدية في النصف الأول من القرن العشرين، ثم تبعه ابنه الروحي البرازيلي باولو فرير. هذه التجربة التي تطورت في القارة الأمريكية والعالم الأنكلوسكسوني منذ الثمانينات، وتجاهلها الفرنسيون. 

12