"الضوء الأسود".. صورة من الخفايا السرية لدهاليز أجهزة الأمن

لنتأمل في ذلك العالم المخفي في دهاليز أجهزة المباحث السرية الأميركية وكيف تقوم بمهامها وأعمالها التي منها ما ينتمي إلى الأعمال القذرة والأشد سرية بما في ذلك تنفيذ عمليات القتل خارج القانون. هذه الملفات الخفية والغامضة للأجهزة البوليسية كانت ولا تزال موضوعا أثيرا ومفضلا في العديد من أفلام الحركة والأفلام البوليسية فضلا عن أفلام الجريمة. وهي ما يتناوله فيلم “الضوء الأسود”.
في فيلم “الضوء الأسود” تكتسب الأسرار الخفية لأجهزة المباحث السرية الأميركية طابعا مصيريا محمّلة بالمزيد من الخوف والغوص في المناطق الأشد خطورة، وغالبا ما تكون مقترنة بمفاجآت غير متوقعة وهي التي تشد الجمهور إلى الأحداث.
في هذا الفيلم للمخرج وكاتب السيناريو مارك ويليامس سوف نعيش مع شخصياته في أجواء الترقب والإثارة في إطار فيلم بوليسي يؤدي الدور الرئيسي فيه الممثل البريطاني المخضرم ليام نيسون في أحد آخر أدواره وقد ارتبط طويلا بهذا النوع من الأفلام.
شخصيات وتحولات
نيسون في دور الضابط ترافيس بلوك هو عميل لمكتب التحقيقات الفيدرالي قادم من إرث قديم يعود إلى كونه محاربا من معارك فيتنام بكل آثامها وجرائمها ومآسيها، وهو متورط في إحداها، وأما مهمته في هذا الجهاز الأمني فهي تعقب العملاء السريين للوكالة من الذين ينحرفون عن المسار أو يحاولون الإخلال بمهامهم، وهو يتولى إعادتهم إلى الطريق القويم.
☚ الفيلم يفضح ما يمكن أن نسميه الدولة العميقة التي تقوم بعمليات سرية لا يعلم عن أسرارها الناس
المتابعون لهذا الممثل غزير الإنتاج الذي زاد عدد أفلامه على خمسين فيلما يشاهدونه وقد دخل السبعين من العمر وبدأت أدوار الحركة والعنف والمطاردات تثقل عليه بحكم تقدمه في السن، وهو ما بدا واضحا في هذا الفيلم.
في كل الأحوال تتجاذب ترافيس قوتان كل منهما تجره باتجاه، الأولى هي مهامه الوظيفية والتي يعتمد فيها عليه بشكل شخصي مدير المباحث الفيدرالية غابرييل روبنسون (الممثل إيدان كوين) وهو زميله في حرب فيتنام أيضا وله أفضال عليه في تصويب سلوكه المهني.
ومن جهة أخرى هنالك ابنته أماندا (الممثلة كلير فان دير بوم) التي تحمل في داخلها آثام والدها وإهماله لها وأنه لم يكن قط أبا صالحا، ولكن ها هو يحاول إصلاح ما يمكن إصلاحه وإغداق المزيد من الرعاية والحنان على حفيدته وابنته، ولهذا يسعى إلى تقاعد لن يحصل عليه لغرض التفرغ لهما.
يشكل داستي كرين (الممثل نايلور سميث) محور الأحداث في ما يمكن أن تعده عميلا سريا منشقا وغير مستقر وأن على ترافيس إصلاح أوضاعه بعد فهم الظروف التي يمر بها.
لكننا سوف ننطلق من ذروة خطيرة وتحول استثنائي وذلك عندما نشاهد الناشطة السياسية الأميركية صوفيا فلوريس وهي تلقي خطابها وسط حشد من مناصريها وهي الداعية إلى تطبيق أسس المساواة في المجتمع الأميركي وبما في ذلك الحفاظ على حقوق المرأة.
هنا يكون الوكيل داستي أحد الحاضرين، لكن ما يلي ذلك الخطاب سوف يكون هو التحول الاستثنائي عندما يتم اغتيال صوفيا في حادث سيارة نرى بوضوح من ارتكبه، وهما اثنان من منفذي الأعمال القذرة لصالح مكتب التحقيقات الفيدرالي، وهو ما سوف يدفع العميل داستي إلى التمرد وإلى محاولة الوصول إلى الصحافة لإيصال الحقيقة إلى الرأي العام وأن هنالك ما يمكن أن نسميه الدولة العميقة التي تقوم بعمليات سرية لا يعلم عن أسرارها الناس ويعدون بعض حوادث القتل على أنها وقعت قضاء وقدرا.
فيلم بوليسي
الحبكة البوليسية سوف تتشابك، فمن جهة هنالك ترافيس الذي يريد الوصول إلى داستي لإصلاحه ومن جهة أخرى هنالك الصحافية ميرا جونز (الممثلة إيمي لامبمان) التي دخلت على الخط وبدأت في جمع خيوط أسرار اغتيال الصحافية صوفيا وغيرها من الحوادث المماثلة، وهي حبكة تم الاشتغال عليها ببث حبكات ثانوية ومنها اغتيال رئيس تحرير الصحيفة ومنها أيضا ملاحقة ترافيس لاغتيال وتهديده بورقة ضغط تتمثل في ابنته وحفيدته.
هذه المسارات المتعددة في هذه الدراما البوليسية تمنح هذا الفيلم صفة فيلم حركة ومن الأفلام البوليسية المعتادة، كما أنه لا يضيف كثيرا إلى رصيد ليام نيسون سوى تشبث جمهوره والمعجبين بأدائه لا بدوره هذا، بل بانعكاسات أدواره العديدة السابقة التي تألق فيها، أما هنا فيكفي مشهد العراك بينه وبين الشاب مفتول العضلات والمنشق داستي، فهو من مشاهد العراك الفردي غير المقنعة إذ بدا ترافيس متهالكا وغير مهيأ لأي نزالات ملاكمة وركل، ولكن المخرج رأف به وراح يعطيه الفرصة لتسديد لكمات هو الآخر.
المسارات المتعددة في هذه الدراما البوليسية تمنح هذا الفيلم صفة فيلم حركة ومن الأفلام البوليسية المعتادة
وما عدا ذلك فهنالك الكثير من المشاهد العائلية التي تم فيها التركيز على تلك الطفلة الذكية حفيدة ترافيس، والتي صار يجد في براءتها والقصص التي ترويها له وهي تقتفي أثره في اتباع التعليمات الأمنية، يجد في كل ذلك بديلا عن بشاعة المهام التي كان يقوم بها من دون أن يدري.
هذا الأمر هو الذي سوف يدفعه إلى التمرّد وخاصة بعد أن اكتشف أن رئيسه في العمل وصديقه المقرب غابرييل وراء مقتل السياسية صوفيا وعلى يد المباحث الفيدرالية، وما إلى ذلك من تفاصيل صادمة توصل إليها لتفتضح القصة كلها أمام الرأي العام، فيما يكون ترافيس في خريفه الأخير لينال تقاعده الجميل بصحبة ابنته وحفيدته.