الضغوط تجر البرهان للانفتاح على قضايا السلام في السودان

الجيش السوداني يجد نفسه أمام خيار القبول بالمبادرات الهادفة لتحريك المفاوضات حتى وإن كان يرفضها أو يخطط لإفشالها، والهدف منع الظهور في صورة الطرف المعزول وتجنب انفتاح الدوائر الخارجية على مخرجات لقاء نيروبي الذي جمع خصوم البرهان وأسّس لمرحلة جديدة قد تنتهي بتشكيل حكومة موازية.
الخرطوم - أبدى قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان انفتاحا على جهود بريطانية قد تعزز الجهود الإنسانية وحماية المدنيين، في موقف مغاير لما عبّر عنه حينما تقدمت لندن بمشروع قرار إلى مجلس الأمن هدف إلى حماية المدنيين وجرت عرقلته بفيتو من روسيا، دعّمته الحكومة السودانية. ويشير ترحيب البرهان بعقد مؤتمر إنساني في لندن إلى أن توالي الضغوط السياسية التي تمارسها أطراف مختلفة لوقف الحرب يمكن أن تأتي بثمارها هذه المرة.
والتقى البرهان المدير العام لشؤون أفريقيا بوزارة الخارجية والتنمية البريطانية هارييت ماثيوز بحضور المبعوث الخاص للمملكة المتحدة إلى السودان ريتشارد كراودر، وناقش معهما جهود تهيئة الظروف اللازمة لتحقيق السلام وإنهاء الحرب، ومشاركة السودان في مؤتمر تستضيفه لندن منتصف أبريل المقبل لدعم إجراءات حماية المدنيين وإيصال المساعدات لمستحقيها.
ويعبر انفتاح البرهان على الجهود البريطانية أن الحكومة السودانية بدأت تستجيب لضغوط تمارس عليها، مع تعدد مبادرات وقف الحرب من قوى مدنية سودانية تقف على الحياد من الصراع الدائر بين قوات الجيش والدعم السريع، أو عبر الاتحاد الأفريقي الذي كثف جهوده في هذا الإطار، واستمرار استخدام سلاح العقوبات الذي استخدمته كندا أيضا بحق قائدي الجيش والدعم السريع وبعض القادة العسكريين.
وأوضح السفير نورالدائم عبدالقادر مدير الشؤون الأوروبية والأميركية بوزارة الخارجية السودانية أن النقاشات مع الوفد البريطاني تناولت تطورات الأوضاع في السودان، ومسار التحول الديمقراطي المدني، وتم إبلاغ الجانب البريطاني بشأن جهود الحكومة السودانية نحو تحقيق السلام ورؤيتها للمؤتمر الذي سيعقد في لندن حول قضايا السودان، مع التأكيد على أهمية توسيع نطاق مشاركة السودانيين فيه.
ويرتبط تغير الموقف السوداني بضغوط غير مباشرة تمارسها قوى وقّعت على ميثاق سياسي في نيروبي مؤخرا، وأعلنت عمّا أسمته بدستور البلاد وتنوي إعلان تشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة الدعم السريع. ويؤكد هذا التطور أن الحكومة السودانية التي تمارس مهام عملها من ولاية بورتسودان قد تجد نفسها محاصرة سياسيا من اتجاهات مختلفة، ما يدفعها نحو اتخاذ خطوات للوراء لتبدو أكثر قدرة على التعامل مع التحولات الجديدة.
واتخذت الحكومة السودانية مواقف متباعدة عن بريطانيا منذ اندلاع الحرب، وتروّج إلى أن لندن تشارك في ما يسمّى “مؤامرة” على السودان والوقوف إلى جانب قوات الدعم السريع في الصراع، والاتجاه لما هو أبعد عبر اتهامات وجّهها نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار لبريطانيا بالوقوف خلف جهود تشكيل حكومة موازية.
ويأتي تباين مواقف البرهان وفقا للسياق العسكري، حيث حقق الجيش نتائج ميدانية مع تقدمه في الخرطوم وبعض الولايات، وأن موقفه الجديد يعبّر عن حسن نوايا لما يمكن أن تقود إليه جهود الحضور السياسي للجيش بعد وقف الحرب، وثمة قناعة لدى دوائر سودانية أن المضي باتجاه الحسم العسكري وتجاهل ما يتم عرضه من مبادرات سوف يخدم الإسلاميين فقط.
كما أن الضغوط التي تمارس على الجيش وبينها ما يرتبط بالتخلي عن الإسلاميين الذين يتحالف معهم في الحرب، سوف تؤدي إلى مواجهة مأزق حول كيفية فك الارتباط معهم، وما يعكسه ذلك على الموقف العسكري.
وأكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة أفريقيا العالمية محمد خليفة صديق أن البرهان هدف إلى جسّ نبض الجانب البريطاني بشأن خطوات تقديم المساعدات الإنسانية، وما إذا كانت تستهدف حماية المدنيين أم أنها قد تصبّ في صالح قوات الدعم السريع. وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن التحول الحالي له علاقة برغبة الجيش في التعامل مع التطور السياسي الحاصل في نيروبي والاتجاه لتشكيل حكومة موازية، واستباق ذلك باتخاذ مواقف أكثر انفتاحا على المجتمع الدولي نحو جهوده لوقف الحرب.
ويعد موقف الجيش المرحب بمؤتمر لندن خطوة قد تترتب عليها خطوات جيدة بشأن انخراط السودان في نجاح ما سيخرج عنه من نتائج، وقد يتخذ موقفا إيجابيا حال وجد تطورات فنية تتماشى مع رغبته السيطرة على مسارات دخول المساعدات وتوجيهها دون أن تستفيد منها قوات الدعم السريع.
وأوضح محمد خليفة صديق لـ”العرب” أن السودان من المرجح أن يتفاعل مع جهود وقف الحرب الفترة المقبلة، بما في ذلك التحرك البريطاني، وأن الموقف العسكري سيجعل الجيش في وضعية جيدة على طاولة التفاوض، وأن العثرات العسكرية طيلة الأشهر الماضية كانت عاملا مهما في اتخاذ مواقف متشددة من السلام.
◙ تغير الموقف السوداني يرتبط بضغوط غير مباشرة تمارسها قوى وقّعت على ميثاق سياسي في نيروبي تمهيدا لتشكيل حكومة موازية
ولفت إلى أن الجيش يدرك أهمية القبض على زمام المبادرة واستباق الدعم السريع نحو تشكيل حكومة موازية، وحال نجحت الحكومة البريطانية في جمع كافة الأطراف على طاولة تفاوض واحدة وقدمت حلا مقبولا للسودان فحكومة البرهان ستكون حاضرة.
وأكدت المدير العام لشؤون أفريقيا بوزارة الخارجية والتنمية البريطانية هارييت ماثيوز على دعم بلادها للسلام في السودان، وأن بلادها ستساهم بشكل كبير في ضمان أي خطوات نحو تحقيق السلام، وعبّرت عن قلقها من تشكيل حكومة موازية، لأن تحقيق سلام دائم في السودان يجب أن يضمن الوحدة وسلامة الأراضي السودانية.
وتناول اجتماعها مع البرهان دور لندن في استضافة المجتمع الدولي للبحث في كيفية خلق بيئة للسلام في السودان وأهمية توفير الاحتياجات الإنسانية الأساسية للسودانيين. وجاءت زيارة ماثيوز إلى السودان بعد إعلان وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي عن جهود بلاده لعقد اجتماع وزاري موسع يضم دولا مجاورة للسودان وعددا من الدول الأخرى لحشد الجهود الدولية لإنهاء الصراع واستعادة العملية السياسية.
وتهدف الجهود البريطانية إلى تحقيق توافق في الآراء حول الطريقة التي يمكن للمجتمع الدولي أن يدعم بها جهود الوساطة التي تقوم بها بعض دول المنطقة، مع التركيز على آراء السودانيين.
وكانت بريطانيا قد تقدمت، بالتعاون مع سيراليون، بمشروع قرار لمجلس الأمن في 18 نوفمبر الماضي يهدف إلى تعزيز الإجراءات لحماية المدنيين، وطالبت في المشروع قوات الجيش والدعم السريع بالالتزام وتنفيذ ما جاء في “إعلان جدة” الإنساني، إلا أن روسيا استخدمت الفيتو ضده، واعتبرته “يقوض سيادة السودان”.