الضغوط تجبر الأردن على تحريك ملف المعتقلين السياسيين

السلطات الأردنية تلجأ إلى إطلاق سراح بعض المعتقلين السياسيين كلما اشتدت الضغوط الاجتماعية والسياسية لتعود أدراجها بعد ذلك.
الخميس 2022/09/15
ملف يعكس أزمة الحكم في المملكة

عمّان – شككت مصادر أردنية في استجابة السلطات لمطالب شخصيات أردنية بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، مشيرة إلى أن السلطات دأبت على اتخاذ خطوات منقوصة لتخفيف التوتر كلما زادت الضغوط الشعبية للتراجع عنها بعد ذلك حين تهدأ الأمور.

وأفرجت محكمة أردنية الثلاثاء بكفالة عن كاتب سياسي معارض موقوف على خلفية انتقاده لرحلات العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إلى الخارج ورؤساء حكومات والمحسوبيات السياسية.

وقال المحامي عاصم العمري إن “محكمة صلح جزاء عمّان أفرجت اليوم (الثلاثاء) عن موكلي الكاتب عدنان الروسان (71 عاما) بكفالة عدلية قيمتها ألف دينار (حوالى 1400 دولار)”.

وبدأت محكمة أردنية في الثاني والعشرين من أغسطس محاكمة الروسان ووجهت له تهم “الحض على النزاع وبث الفرقة بين عناصر الأمة، وإذاعة أنباء كاذبة من شأنها أن تنال من هيبة الدولة ومكانتها، وذم هيئة رسمية، وتحقير موظف عام”.

ويحاكم الروسان، بحسب محاميه، على خلفية مقالين: الأول نشر في الثالث والعشرين من يوليو الماضي على صفحته على موقع فيسبوك بعنوان “كثير النط قليل الصيد.. اقعد في بلدك فالرطل بمحله قنطار”، وانتقد فيه رحلات الملك عبدالله الثاني إلى الخارج، قائلا إن “هذه النطنطة السياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي لا تفيد أحدا”.

مواصلة السلطات الأردنية اعتقال المعارضين السياسيين وسجن أصحاب الرأي المخالف تسلط الضوء على أزمة الحكم في المملكة

ونشر المقال الثاني في الثلاثين من يوليو بعنوان “عشائر أردنية تستعد لإعلان موقفها مما يجري في الوطن”. وانتقد فيه تعيين أبناء المسؤولين. وقال “من حقنا أن نطالب بحقوقنا، هاني الملقي وعمر الرزاز وعبدالله النسور وعلي أبو الراغب وعبدالسلام المجالي وممدوح العبادي وعبدالرؤوف الروابدة والعيسوي (رؤساء وزراء سابقون ومسؤولون) الى آخر منظومة المتكرشين وأبناؤهم وبناتهم ليسوا أحسن منا”.

وفي الفترة الأخيرة شنّت الأجهزة الأمنية الأردنية حملة اعتقالات سياسية شملت بعض الناشطين. أما السبب فهو إما مشاركتهم في مسيرات واعتصامات، أو انتقادهم للنظام السياسي ومطالبتهم بالإصلاح. وهو ما يحرج السلطات الأردنية التي تروج لحياة سياسية تعددية وضمانات لتفعيل المشاركة الحزبية.

وتكشف مواصلة السلطات الأردنية اعتقال المعارضين السياسيين وسجن أصحاب الرأي المخالف عن أزمة الحكم في المملكة، في وقت يستعد فيه الأردن لمرحلة سياسية تشاركية باعتماد نظام الحكومات البرلمانية وهو ما يمثل أحد أهم مطالب الأردنيين منذ عقود.

ويرى مراقبون أن مواصلة الاعتقالات السياسية على الرغم من انطلاق “قطار التغيير السياسي” من خلال اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، تشير إلى الشكوك الموجودة أصلا بشأن الغاية من التغيير، وهل أنها فعلية أم شكلية لتهدئة الرأي العام.

وحذرت أكثر من 100 شخصية أردنية في بيان مفتوح من استمرار الاعتقال السياسي، مطالبة السلطات بالعمل على إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين والحراكيين ومعتقلي الرأي.

الاعتقالات الأخيرة كانت بمثابة خيبة أمل لدى الناشطين الذين يرددون مقولة العاهل الأردني عام 2018 للشباب "إذا أردتم الإصلاح فارفعوا صوتكم ولا تصمتوا"

ودعت الشخصيات، وأغلبها من المعارضين، السلطات الأردنية إلى “وقف التغول على الحياة العامة، والاعتقال السياسي، والعمل بقانون الجرائم الإلكترونية، ومصادرة الحريات العامة وحرية الرأي والتعبير، ووقف تحويل النشطاء السياسيين والحزبيين والحراكيين إلى محكمة أمن الدولة”.

وقال البيان إن البلاد تشهد “أزمة شاملة وعميقة بفعل النهج السياسي والاقتصادي الذي فرضه الحكم وسارت عليه الحكومات المتعاقبة برسم سياساتها التي تتصادم مع الإرادة الشعبية، كما أنها أدخلت البلاد في اصطفافات وتحالفات سياسية تتعارض مع المصالح الوطنية بتوقيع الاتفاقية الأمنية مع الإدارة الأميركية، والمزيد من الاندفاع لتوقيع الاتفاقيات مع دولة الاحتلال، والانحياز لسياسة الخصخصة وتصفية القطاع العام، ورهن القرار الوطني بيد المؤسسات المالية الدولية”.

وأضاف “ترافق كل ذلك مع حالة غير مسبوقة من التغول على الحياة العامة بعزل وتشويه الحياة الحزبية بهدف ضرب التعددية الفكرية والسياسية وإعادة إنتاج أحزاب تخدم هذا النهج وسياساته يتحكم بمفاصلها رأس المال والطغمة المالية الحاكمة تحمل اسم أحزاب برامجية، ومصادرة دور النقابات المهنية الوطني تحت عنوان مهنة النقابات”.

وينشغل الأردن منذ الصيف الماضي بتوسيع المشاركة السياسية بما فيها من تعديلات دستورية وقانونية تحيطها مؤسسة الحكم بهالة من التفاؤل والانفتاح والضمانات، لكنها لا تتحمل تدوينات وتعليقات النشطاء على ما يجري في البلد.

ومنذ أن أقر مجلس النواب الأردني قانون الأحزاب الجديد، تنفس الناشطون السياسيون الصعداء على اعتبار أن القانون سيمثل انفراجاً للعمل الحزبي في البلاد، بعد أعوام من التضييق والملاحقات الأمنية ومحاولات التدخل الرسمي في عمل الأحزاب وتوجهاتها.

لكن الاعتقالات الأخيرة كانت بمثابة خيبة أمل لدى الناشطين الذين يرددون مقولة العاهل الأردني عام 2018 للشباب “إذا أردتم الإصلاح فارفعوا صوتكم ولا تصمتوا”.

2