الضغوط النيابية تجبر أعضاء الحكومة الكويتية على الاستقالة

الأزمة السياسية في الكويت تأخذ منعطفا جديدا بتقديم أعضاء حكومة الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح استقالاتهم، فيما يبدو أفق تجاوز حالة التوتّر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية غائما، في فترة لا تمتلك فيها الكويت التي تواجه أزمة اقتصادية حادّة ومصاعب مالية غير مسبوقة، ترف الانغماس في مثل تلك الصراعات التي لا تنفصل عن مآرب فئوية؛ حزبية وقَبلية وحتى شخصية.
الكويت – قدّم أعضاء الحكومة الكويتية، الثلاثاء، استقالاتهم إلى رئيس الوزراء الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح، وذلك قبل مضي أقل من شهر على تشكيل مجلس الوزراء الجديد إثر الانتخابات التي جرت في الخامس من ديسمبر الماضي وأفرزت برلمانا أغلب نوابه من المعارضة.
وكانت تلك الاستقالة متوقّعة منذ الأسبوع الماضي بعد أن قدم أعضاء من مجلس الأمّة استجوابا لرئيس مجلس الوزراء بشأن ارتكابه ما وصفوه بمخالفات دستورية، ومماطلة الحكومة في تقديم برنامج عملها، وهيمنة السلطة التنفيذية على البرلمان.
وتبدو قضية علاقة الحكومة بالبرلمان، أو ما يسميه عدد من النواب هيمنة حكومية على المجلس وتدخّلا في أعماله، أساسية في الأزمة المبكرة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
وأكّد مصدر سياسي كويتي أن مدار الإشكال الأصلي هو رئيس البرلمان مرزوق الغانم الذي لم يرغب كثير من النواب في عودته إلى نفس المنصب الذي كان يشغله في البرلمان السابق، وقد حاولوا بالفعل إزاحته والدفع بالنائب بدر الحميدي بدلا عنه.
وفيما بدا أنّهم بصدد النجاح في ذلك والحصول على أصوات كافية لإنجاح مرشّحهم، فوجئوا بحصول الغانم على أغلبية الأصوات في جلسة انتخاب الرئيس التي شهدت صخبا واحتجاجات من النواب على ما اعتبروه مخالفات إجرائية في إدارة الجلسة. وذهب البعض حدّ إثارة شبهة عقد صفقات سرية في آخر لحظة للدفع بالغانم مجدّدا إلى سدّة رئاسة مجلس الأمّة.
وقال المصدر الذي طلب عدم التصريح بهويته إنّ نوابا في البرلمان جاهروا بغضبهم من رئيس الوزراء متهمين إياه بحماية الغانم من أي مساءلة على مخالفات وشبهات فساد، وأن هؤلاء أصبحوا لا يجدون بدّا من إسقاط الحكومة حتى يتمكّنوا من الوصول إلى رئيس البرلمان الذي بدا طيلة السنوات الماضية عصيا عن المحاسبة بفعل قربه من الحكومات وشبكة علاقاته القوية داخل أروقة السلطة ومجتمع المال والأعمال وفي الأوساط الإعلامية.
للأزمة السياسية الحالية وقع خاص لتزامنها مع أزمة مالية حادة طُرحت بسببها إمكانية عجز الدولة عن دفع رواتب موظفيها
وعن المآلات المتوقّعة للأزمة الحالية، قال ذات المصدر إنّ أمام السلطة عددا من السيناريوهات للالتفاف عليها وتجاوزها بأخفّ الأضرار أبرزها إحالة الاستقالة الحكومية إلى أمير البلاد، دون قبولها بشكل فوري، والتريث لمدّة زمنية كافية تجرى خلالها اتصالات بالنواب ومحاولات لتبريد خلافهم مع الحكومة لقاء وعود بالمرونة إزاء مطالبهم الأخرى في ما يتعلّق مثلا بقضية العفو الشامل على جميع المحكومين في قضايا سياسية ومعالجة ملف عديمي الجنسية “البدون”، وغيرها من القضايا والملفات التي يقول النواب إنّها ستكون محور عملهم خلال الدورة البرلمانية الحالية.
أما السيناريو الثاني، بحسب نفس المصدر، فيتمثّل في تقديم رئيس الحكومة لاستقالته وقبولها من قبل أمير البلاد ومنحه صلاحية تصريف الأعمال، ريثما تتم إعادة تكليفه مجددا بتشكيل الحكومة بعد أن تكون الخلافات مع نواب البرلمان قد سوّيت.
وقال الناطق باسم الحكومة الكويتية، الثلاثاء، إن الوزراء قدموا استقالتهم لرئيس الحكومة الشيخ صباح الخالد ووضعوها تحت تصرفه. وذكر طارق المزرم في تغريدة على تويتر أن رئيس الوزراء استقبل، الثلاثاء، في قصر السيف نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع الشيخ حمد جابر العلي الصباح والوزراء حيث رفع له استقالة كل أعضاء الحكومة.
وجاءت هذه الخطوة بعد أن تقدم ثلاثة نواب في البرلمان بطلب استجواب لرئيس الحكومة يتهمونه فيه بعدم التعاون مع مجلس الأمّة.
وحظي الاستجواب الذي تقدم به النواب بدر الداهوم وثامر الظفيري وخالد العتيبي بدعم من نحو أربعة وثلاثين من النواب الآخرين الذين أعلنوا نيتهم تأييد الاستجواب، وهو ما يعني أن سبعة وثلاثين نائبا على الأقل من أصل خمسين يؤيدون استجواب رئيس الحكومة.
ولم تحضر الحكومة جلسة مجلس الأمّة التي تلت تقديم الاستجواب، وهو ما تسبب في تعطيل انعقاد الجلسة. وفي سوابق تاريخية كثيرة، أدى تواتر الخلاف بين الحكومة والبرلمان إلى تغيير حكومات متعاقبة وحل البرلمان ما عرقل مشاريع الإصلاح الاقتصادي والمالي التي تحتاجها البلاد كما أصاب الحياة السياسية بالجمود.
ويدور الاستجواب النيابي الجديد حول ثلاثة محاور أوّلها مخالفة صارخة لأحكام الدستور عند تشكيل الحكومة باختياره لعناصر تأزيمية في مجلس الوزراء، وعدم مراعاة اتجاهات المجلس الجديد الذي يغلب عليه نواب من أصحاب التوجهات المعارضة، وثانيها هيمنة السلطة التنفيذية على البرلمان من خلال دعم الحكومة لرئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم ليفوز بهذا المنصب من جديد، في حين صوت 28 من النواب للمرشح بدر الحميدي بالإضافة إلى التدخل السافر في تشكيل لجان المجلس من قبل الحكومة، وفقا لصحيفة الاستجواب.
أما المحور الثالث فيدور حول مماطلة الحكومة في تقديم برنامج عملها لهذا الفصل التشريعي، وهو ما اعتبره مقدمو الاستجواب إخلالا بالالتزام الدستوري الذي يفرض على مجلس الوزراء تقديم البرنامج فور تشكيله.
وتحمل الأزمة السياسية الحالية في الكويت وقعا خاصا، حيث تتزامن مع أزمة اقتصادية حادّة طُرحت بسببها إمكانية عجز الدولة الكويتية عن دفع رواتب موظفيها.
ووفقا لما قاله وزير المالية السابق براك الشيتان، يواجه الاقتصاد الكويتي، المعتمد بالأساس على مورد وحيد هو النفط، عجزا يبلغ 46 مليار دولار في السنة المالية الحالية التي تنتهي في مارس 2021، بسبب جائحة كورونا وهبوط أسعار الخام.
وللتغلب على هذه المعضلة تسعى الحكومة لتمرير مشروع قانون الدين العام الذي يسمح لها باقتراض 66 مليار دولار على مدى 20 عاما، وهو المشروع الذي رفضه البرلمان السابق، ويستبعد أن يقبل به البرلمان الحالي.