الضغوط المعيشية تغذي أزمة الفقر بين السوريين

87 في المئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر من بين 18.2 مليون نسمة، وفق تقديرات الأمم المتحدة.
السبت 2023/07/15
لا أحد بإمكانه الشراء

دمشق- واصلت الظروف المعيشية الصعبةُ الضغطَ على السوريين وجعلت خارطة الفقر بينهم تزداد اتساعا رغم الهدوء النسبي في ساحات المعارك واستعادة دمشق العلاقات مع الدول العربية.

ونجت نسمة ضاهر من سنوات الحرب التي شهدتها إحدى ضواحي دمشق والتي كانت تقع على الخطوط الأمامية للصراع في سوريا.

لكن بعد فترة طويلة من توقف القتال في منطقتها، ورغم خروج الدولة من العزلة الإقليمية، مازالت تشكو من أن الحياة تزداد صعوبة.

وتقول نسمة، وهي أرملة وأم لأربعة أطفال من بلدة دوما التي ظلت تحت سيطرة قوات المعارضة إلى أن استعادتها القوات الحكومية في 2018، لرويترز “أنا وأولادي نأكل وجبة واحدة في اليوم”.

وتعيش الأسرة على مساعدات نقدية تعادل سبعة دولارات شهريا من منظمات غير حكومية. وتوضح نسمة أن “الجمعية الخيرية تعطيني 50 ألف ليرة، وهذا الشهر منحتني 70 ألف ليرة، وهي غير كافية. إنه مبلغ لا ينجز شيئا”.

15

مليون شخص بحاجة إلى المساعدات في عموم سوريا، وهو رقم قياسي بحسب الأمم المتحدة

وانقطع أصغر أبنائها الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و16 عاما عن مزاولة الدراسة بسبب قلة الأموال، وهو الآن يبيع الكراتين لتأمين جزء من نفقات الأسرة التي تفتقد إلى الأب المتوفى، الأمر الذي زاد أوضاع الأسرة صعوبة.

وما تواجهه نسمة مجرد لمحة بسيطة عن الفقر الذي تعاني منه سوريا بعد أكثر من 12 عاما منذ اندلاع الصراع الذي بدأ باحتجاجات على حكم الرئيس بشار الأسد في عام 2011.

وتشير تقديرات لمنظمات ومؤسسات مالية دولية إلى أن 87 في المئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر من بين 18.2 مليون نسمة، كما تظهره إحصائيات عام 2021، فيما تقترب نسبة البطالة من 50 في المئة مرتفعة من 15 في المئة عام 2010.

ورغم أن الهدوء النسبي يسود الجبهات الرئيسية منذ سنوات تقريبا، إذ يسيطر الأسد على معظم البلاد، فإن الاحتياجات الإنسانية تشتد إليها الحاجة الآن أكثر من أي وقت مضى.

وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من 15 مليون شخص بحاجة إلى المساعدات في عموم سوريا، وهو رقم قياسي.

وبحسب البنك الدولي تراجع الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من النصف بين عامي 2010 و2020، وسط تدهور مستمر في قيمة الليرة يغذي التضخم.

وفي ظل حالات الطوارئ الدولية الأخرى تجد الأمم المتحدة صعوبة في تمويل المساعدات للسوريين. وفي يونيو الماضي قالت إنها لم تجمع سوى 11 في المئة من مبلغ 5.4 مليار دولار الذي طلبته لتمويل العمل الإنساني في سوريا هذا العام.

dd

وفاقم الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وجارتها تركيا في فبراير الماضي هذه المعاناة.

وبينما تبرعت دول عربية لجهود الإغاثة ورحبت بعودة الأسد إلى جامعة الدول العربية، لم يظهر أي مؤشر على الاستثمار العربي الذي كان يأمل فيه الكثيرون من سكان المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة في سوريا ليساعد على إنعاش الاقتصاد.

وتلقي الحكومة السورية باللوم على العقوبات الغربية. وقال مدين دياب مدير عام هيئة الاستثمار السورية إن “الكثير من الشركات الأجنبية والعربية زارت هيئة الاستثمار السورية ولديها رغبة في الاستثمار وقدمت أفكار مشاريع مهمة للقيام بها”.

ولكنه أكد أن العقوبات الاقتصادية عائق أساسي أمام هذه الشركات التي تخاف من أن تطالها العقوبات المفروضة على سوريا.

50

في المئة نسبة البطالة، حيث كانت لا تتجاوز 15 في المئة عام 2010

وقال الخبير السوري جهاد يازجي إن “السوريين أنفسهم، الذين لا تشكل العقوبات مصدر إزعاج لهم، لا يُقْدمون على الاستثمار بسبب مناخ الأعمال الصعب”، مشيرا إلى الفساد ونقص القوى العاملة ومستلزمات الإنتاج.

وأضاف “نجد أحيانا شركة أسسها مستثمرون من دول أجنبية، بما في ذلك الخليج أو حتى أوروبا، لكنها لا تحقق أي شيء تقريبا”. وتابع “يعود ذلك أساسا إلى العقوبات”.

وبموجب عقوبات “قيصر” الأميركية التي جرى تشديدها في 2020، يمكن تجميد أصول أي شخص يتعامل مع سوريا، بغض النظر عن جنسيته. وتقول الولايات المتحدة إنها تهدف إلى الضغط على دمشق للتوصل إلى حل سياسي.

ويعد البنك الدولي العقوبات ضمن ضربات عدة عصفت بالاقتصاد، إلى جانب الصراع المسلح والجفاف وتداعيات الأزمة المالية في لبنان المجاور.

وقال محيي الدين ملحان، وهو مسؤول محلي في دوما، إنهم توقعوا تحقيق انفراج كبير وخصوصا بعد دعوة الرئيس إلى قمة جدة حيث هناك بوادر عربية وأخوّة من شأنها أن تضيف شيئا إلى البلد.

وأضاف أنه على العكس من ذلك “زاد عدد العائلات المحتاجة التي تلجأ إلى بيع ما لديها من أثاث البيت حتى تستطيع العيش”.

أما عبيدة أبو محمد، وهو أب لطفلين ويدير متجرا لقطع غيار السيارات في دوما منذ 2019، فيقول إن “العمل صار أقل، لاسيما في الأشهر الستة الماضية”. وأضاف “صارت القطع غالية، صار الزبون يصلح القطع ولا يبدلها”.

وأوضح أنه لم يعد يكسب ما يكفي لدفع إيجار المحل أو إطعام أسرته. وقال إن “دخل الأسرة ما عاد يسمح بتوفير وجبات اليوم”.

10