الضغوط السياسية تهزّ مصداقية القضاء التونسي

المجلس الأعلى للقضاء يجمد عضوية رئيس محكمة التعقيب بعد اتهامه وكيل جمهورية سابق بالفساد.
الخميس 2020/12/17
استقلالية مهددة

تونس – قرر المجلس الأعلى للقضاء في تونس (مؤسسة دستورية مستقلة) تجميد عضوية رئيس محكمة التعقيب الطيب راشد، الذي يعدّ أعلى مركز قضائي في البلاد، بعد 3 أسابيع من رفع الحصانة عنه.

ويشهد القضاء التونسي جدلا واسعا على خلفية تبادل اتهامات سابقة بين الطيب راشد ووكيل الجمهورية السابق بالمحكمة الابتدائية البشير العكرمي تتعلق بفساد مالي وتعطيل قضية اغتيال المعارضين البارزين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.

وأوضح المجلس في بيان أنه عقد الأربعاء جلسة للنظر في عضوية راشد، وقرر تجميدها وفق القانون الأساسي للمجلس.

وأواخر نوفمبر، رفع المجلس الأعلى للقضاء الحصانة عن راشد بناء على طلب من النيابة العمومية للمحكمة الابتدائية بتونس.

وتطرق راشد في 23 نوفمبر الماضي، في حوار له على قناة “التاسعة” التونسية الخاصة، إلى ملف القضية التي أثارها ضدّ العكرمي الذي وجّه بدوره تقريرا لهيئة القضاة لرفع الحصانة عن راشد.

وأفاد بأنّ ما نشره رئيس النيابة العمومية ضدّه بخصوص الممتلكات العقارية مجانب للحقيقة، مشيرا إلى أنّه سنة 2001 امتلك عقارا فقط وتمّ بيعه سنة 2006 وليس العديد من العقارات ''هذا كلّه محاولة إساءة''.

وأكد أنّه كلّ سنة يقوم بالتصريح بأملاكه وبيّن أنّ مطالب رفع الحصانة عن شخصه حينها تابعة لمواضيع مزيّفة ''وملفّقة''.

وأعادت الخصومة بين القاضيين والتي كشفت المستور من التجاوزات في السلطة القضائية، مسألة استقلالية القضاء التي طالما طالب العديد من الحقوقيين والمجتمع المدني برفع اليد عنه وحمايته من التدخلات السياسية والحزبية، في إشارة إلى حركة النهضة الإسلامية التي كثيرا ما وجهت لها اتهامات بتدجين القضاء وتطويعه خدمة لمصالحها.

ويواصل قضاة تونس إضرابا منذ شهر، احتجاجا على أوضاعهم المهنية والمالية مما أدى إلى تعطيل عمل المحاكم.

وبدأت الخصومة بين القاضيين إثر توجيه مراسلات صادرة عن الطيب راشد رئيس محكمة التعقيب وهي أعلى وظيفة في سلك القضاء والبشير العكرمي النائب العام إلى التفقدية العامة بوزارة العدل وإلى وزير العدل وإلى المجلس الأعلى للقضاء، تضمنت اتهامات متبادلة بين الطرفين، كشفت تلاعبا بالملفات القضائية وسوء استخدام السلطة القضائية وتوظيفها لتحقيق إثراء غير مشروع.

واتهم الطيب راشد وكيل الجمهورية السابق بشير العكرمي بـ"التلاعب بملف اغتيال المعارضين السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي عام 2013".

وقال راشد "إنه اكتشف عند تكليفه من قبل وزير العدل بمراجعة ملفيهما، أن العكرمي لم يقم باعتماد شهادة الإرهابي عامر البلعزي الذي اعترف بإتلاف السلاحين الناريين اللذين تم استعمالهما في عمليتي الاغتيال كما تم إخفاء محاضر البحث المتعلقة به"، مضيفا أن "الأبحاث لم تتضمن ما يفيد بإجراء الاختبارات الفنية اللازمة بخصوص كمبيوترين تم حجزهما في علاقة بعمليتي الاغتيال".

وأكد "أن العكرمي استغل صفة الضابطة العدلية والقطب القضائي لمكافحة الإرهاب والقطب القضائي الاقتصادي والمالي بحكم إشرافه القانوني على تلك الهياكل لضرب كل من يصنفه عدوا له، والانحراف بهذه الهياكل في مهامها الأصلية في كشف الحقائق" واتهمه أيضا بـ"تلفيق التهم لخصومه، والتستر على الجرائم الإرهابية من خلال إغلاق الملفات رغم ثبوت الصبغة الإرهابية لبعض الأفعال".

وفي المقابل اتهم العكرمي، في مراسلته، الرئيس الأول لمحكمة التعقيب، بالتورط في شبهات فساد مالي والثراء غير المشروع، موضحا أنه "قام بشراء عدة عقارات وتعمّد التنصيص على أثمان غير حقيقية لها مع وجود شبهة قوية على استعماله شخصا كواجهة لشراء العقارات سنة 2019، الأوّل ثمنه مليون ألف دينار والثاني ثمنه 240 ألف دينار"، مشيرا إلى أنّ أحد العقارين تمّ إبرام عقد بيعه خلال نفس التاريخ ومن طرف نفس عدلي الإشهاد وبنفس مكان إبرام العقد.

وأثارت هذه التسريبات ردود فعل من قبل عدد من الهيئات المهنية والمتابعين للشأن القضائي والسياسي والرأي العام عموما، الذين طالبوا المجلس الأعلى للقضاء بالتدخل للبت في هذه المسألة والتحقيق في هذه الاتهامات المتبادلة.

ووصف القاضي السابق أحمد الصواب ما يحدث من تبادل للاتهامات بين وكيل الجمهورية السابق للمحكمة الابتدائية بتونس والرئيس الأول لمحكمة التعقيب بالكارثة.

وقال الصواب "إن القانون يخول للمجلس الأعلى للقضاء الإيقاف التحفظي للقضاة في صورة المس من شرف المهنة أو ارتكاب جناية"، مشددا على ضرورة تفعيل القانون واتخاذ قرار بالإيقاف التحفظي للقاضيين المعنيين.

وتتهم أحزاب العكرمي بالعمل لصالح حركة النهضة، إذ أكد حزب الديمقراطيين الوطنيين الموحد أن حركة النهضة الإسلامية سعت لمنع نقلة وكيل الجمهورية بشير العكرمي، وذلك من خلال أعضاء في المجلس الأعلى للقضاء موالين لها، في خطوة تثير تساؤلات عن رغبة الحركة الإسلامية في استمرار هيمنتها على الجهاز القضائي.

وكانت هيئة الدفاع عن الشهيدين بلعيد والبراهمي قد اتهمت في يوليو الماضي العكرمي بتعطيل قضية الاغتيالين للتغطية على الغنوشي وبعض المقربين منه باستعمال كل “الخزعبلات القانونية”.

وأثار تمسك النهضة ببقاء العكرمي وكيلا للجمهورية بمحكمة تونس الابتدائية 1 الكثير من التساؤلات حول استقلالية القضاء التونسي، خاصة أن العديد من الأطراف السياسية تدفع نحو القيام بمراجعات عميقة في هذا الصدد.

وتُتهم النهضة بالتلاعب بالترقيات والمناصب والانتدابات في القضاء، خاصة إبان الفترة التي تولت فيها قيادة وزارة العدل (2013 – 2014) حيث تولى القيادي في الحركة نورالدين البحيري آنذاك قيادة الوزارة ما مكن النهضة من الاستيلاء على الجهاز القضائي.