الضغوط الأميركية والانقسامات الداخلية تجبر الإدارة الذاتية على التراجع خطوة إلى الوراء

أعلنت المفوضية العليا للانتخابات في إقليم شمال وشرق سوريا عن تأجيل الانتخابات البلدية، عازية ذلك إلى شكوى تقدمت بها بعض الأحزاب من ضيق الوقت المخصص للفترة الدعائية، وهو دافع لا يبدو مقنعا، وسط ترجيحات بأن يكون للقرار ارتباط بالموقف الأميركي.
الحسكة (سوريا)- اضطرت الإدارة الذاتية الكردية إلى تأجيل الانتخابات البلدية التي كانت تعتزم إجراءها في شمال وشرق سوريا الأسبوع المقبل إلى أغسطس المقبل.
وجاء القرار على إثر تهديدات تركية، وانقسامات داخلية، والأهم وجود تحفظات أميركية اعتبرت أنه ليس من المناسب إجراء الاستحقاق في الظروف الحالية، وأنه يستوجب قبل ذلك تحقق جملة من الشروط.
ويرى متابعون أن ضغوط الولايات المتحدة كان السبب الرئيسي على ما يبدو في تراجع الإدارة الكردية التي يقودها الاتحاد الديمقراطي “خطوة إلى الوراء”، حيث تدرك أن غياب الغطاء الأميركي ستكون له تبعات سلبية من ذلك المجازفة بعدم اعتراف دولي بالمسار الجاري العمل عليه. ويقول المتابعون إن من الشروط الأميركية توحيد القوى السياسية الكردية المنقسمة، وفسح المجال أمام الجميع للمشاركة في الاستحقاق.
وبدأت الولايات المتحدة مؤخرا تحركات عبر مبعوثها إلى سوريا من أجل استئناف المفاوضات بين تحالف الوحدة الوطنية الكردية الذي يقوده الاتحاد الديمقراطي، صاحب السيطرة الفعلية على الأرض، وبين المجلس الوطني الذي يضم أحزابا ليبرالية كردية لديها علاقات جيدة مع تركيا.
ولا يستبعد المراقبون في أن تكون الإدارة الأميركية طلبت التأني لفسح المجال للتفاوض مع القوى الكردية الرافضة الاعتراف بالسلطة القائمة للإدارة الذاتية، وهو ما يفسر أن التأجيل المعلن عنه محدد بفترة قصيرة لا تتجاوز بضعة أسابيع.
وتسعى الإدارة الذاتية الكردية إلى تأسيس واقع سياسي وتنظيمي جديد في المنطقة التي تبسط نفوذها عليها، وقد بدأت قبل فترة في إعادة هيكلة عبر إقرار دستور تحت عنوان العقد الاجتماعي وتركيز مؤسسات تابعة لها على غرار محكمة دستورية ومفوضية عليا للانتخابات. وتريد الإدارة تشكيل نموذج شبيه بإقليم كردستان في شمال العراق، وهذا الأمر يفرض عليها العمل على الحصول على دعم إقليمي ودولي ليس متوفرا حتى الآن.
وأعلنت المفوضية العليا للانتخابات في إقليم شمال وشرق سوريا، الخميس، تأجيل الانتخابات البلدية التي كان من المقرر إجراؤها في 11 يونيو إلى أغسطس المقبل. وأوضحت المفوضية في بيانها أنه “استجابة لمطالب الأحزاب والتحالفات السياسية المشاركة في العملية الانتخابية، وحرصا على تنفيذ العملية الانتخابية بشكل ديمقراطي. قررت المفوضية العليا للانتخابات في إقليم شمال وشرق سوريا تأجيل موعد الانتخابات إلى الشهر الثامن من العام الجاري”.
ووفق البيان فقد “جاء التأجيل على خلفية المطالب التي وردت من قبل الأحزاب والتحالفات السياسية المشاركة في الانتخابات بكتب رسمية، والتي نص مضمونها على مطالبة المفوضية العليا للانتخابات في شمال وشرق سوريا، بتأجيل الانتخابات لموعد آخر بشكل رسمي، معللة ذلك بضيق الوقت المخصص للفترة الدعائية التي ينبغي أن تكون كافية أمام جميع المرشحين الذين تم قبولهم لخوض العملية الانتخابية”.
ونفى صالح مسلم الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديموقراطي وجود دوافع غير تلك التي أعلنت عنها مفوضية الانتخابات لتأجيل الاستحقاق، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أنّ المفوضية “ربما أخذت الظروف السياسية بعين الاعتبار”.
وكان من المفترض أن تشمل الانتخابات المقاطعات السبع الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية، حيث يقيم فيها أكراد وعشائر عربية.
وهددت تركيا في وقت سابق بالتحرك ضد ما أسمته “أفعال عدوانية”، ضدها “تحت ذريعة الانتخابات”.
ونقلت قناة “تي أر تي” التركية الحكومية عن مصدر أمني قوله الخميس إن “الموقف الذي أعربت عنه تركيا قد أتى ثماره”، في تعليق على تأجيل الانتخابات.
وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال مناورة عسكرية في إزمير نهاية الشهر الماضي “لن تسمح تركيا أبدا للمنظمة الانفصالية بإقامة دولة إرهابية” قرب حدود بلاده.
ولوّح إردوغان الذي شنّت قواته بين العام 2016 و2019 ثلاث هجمات واسعة في سوريا استهدفت المقاتلين الأكراد، “بالتصرف مجددا” في مواجهة محاولة “فرض أمر واقع”. وتعتبر أنقرة حزب الاتحاد الديموقراطي، الذي يتزعم الإدارة الذاتية، امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمردا ضدها منذ عقود، كما تُصنّف وحدات حماية الشعب، الذراع العسكرية للحزب، “منظمة إرهابية”. وخفّف مسلم في وقت سابق من أهمية التهديد التركي، معتبرا أن أنقرة “لا تحتاج لأسباب وحجج لمهاجمة مناطقنا”، وهو ما يؤكد ما ذهب إليه المتابعون في أن الموقف الأميركي كان حاسما لجهة التأجيل.
وقال نائب المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل في بيان الأسبوع الماضي “لا نعتقد أن الظروف الملائمة لمثل هذه الانتخابات في شمال شرق سوريا في الوقت الحاضر”.
وأوضح أن بلاده حثّت “الجهات الفاعلة في شمال شرق سوريا بما في ذلك الإدارة الذاتية (…) على عدم المضي قدماً في الانتخابات في الوقت الحالي”.
وفي حين لم يصدر عن دمشق التي تأخذ على الأكراد نزعتهم “الانفصالية” وتلقيهم دعماً أميركيا، أي موقف إزاء الانتخابات، إلا أن مكونات سورية عدة انتقدت ما وصفته بـ”التفرد بالقرار”، وهو اتهام يرفضه مسلم.
وعلى المستوى الداخلي، قاطع المجلس الوطني الكردي الذي يشوب التوتر علاقته مع أحزاب الإدارة الذاتية، الانتخابات، مطالبا بأن يكون له نصيب من إدارة الحكم في المنطقة.
ورأى عبدالله كدو، ممثل المجلس في الهيئة السياسية للائتلاف الوطني، أبرز تشكيلات المعارضة في المنفى، أن مشروع الانتخابات “يفتقر إلى الشفافية والتشاركية، مع عدم توفر البيئة الحيادية الآمنة اللازمة”.
واعتبر أن الانتخابات ليست “إلا حلقة جديدة من سلسلة السياسات الفردية الاقصائية التي تنفذها سلطات الإدارة الذاتية” في مجالات عدة لانتزاع “اعتراف بها، أي شرعية من الخارج”.
وليست هذه أول انتخابات للإدارة الذاتية خلال السنوات الماضية، لكنها الأولى التي كان ينبغي أن تشمل جميع مناطق سيطرتها. ففي العام 2015، اقتصرت انتخابات المجالس البلدية على مقاطعة الجزيرة، أي الحسكة. وفي عام 2017، على ثلاث مقاطعات فقط.
وكان يفترض أن يشارك أكثر من “5 آلاف مرشح” و”نحو مليوني ناخب”، وفق ما أكدت الرئيسة المشتركة للمفوضية العليا للانتخابات روكن ملا ابراهيم.
وقبل التأجيل، قال سلمان مصطفى بارافي المرشح للمرة الأولى عن تحالف الوحدة، أحد أحزاب الإدارة الذاتية، “هدفنا تحسين الخدمات اليومية”، موضحاً أنّ “البلديات هي من المؤسسات الرئيسية لأنها تجمع الخدمات كافة من نظافة وتوفير مياه وصيانة وتجديد الطرق”. ويعتقد مراقبون أن الإدارة الذاتية قد تكون أخطأت بتحديد موعد جديد قريب نسبيا، لأن اللاءات الموضوعة على الاستحقاق لا يمكن معالجتها في حيز زمني قصير، كما أن أي تأجيل آخر قد يظهر الإدارة الذاتية في موقف ضعف، وهو ما ليس من صالحها.