الصين شريك استراتيجي مستقبلي: العرب يبحثون عن دعم بلا شروط

دمشق - تحطمت محطات توليد الكهرباء وتحولت الشوارع إلى أنقاض ورماد، ودُمّرت العديد من المدن السورية بالكامل خلال أكثر من عشر سنوات من الحرب الأهلية، وانهار الاقتصاد السوري ويعيش الكثير من الناس حاليا في فقر مدقع.
وبينما تفتقر حكومة الرئيس بشار الأسد إلى الأموال اللازمة على سبيل المثال لإصلاح البنية التحتية المدمرة، يرفض الغرب حتى الآن المساعدة في إعادة الإعمار طالما لم يحدث تغيير سياسي جوهري في البلاد.
لذلك من المتوقع أن يأتي الدعم المالي الآن من الشرق الأقصى. هناك حددت سوريا مصدر أموال لا يتطلب إصلاحات مرهقة، ألا وهو الصين. وتسعى سوريا لتوسيع التعاون مع الدولة الاقتصادية القوية في شرق آسيا والانضمام أيضا إلى “طريق الحرير الجديد”، ووقعت الدولتان مؤخرا إعلان نوايا لهذا الغرض.
وبمبادرة “طريق الحرير الجديد” (الحزام والطريق) تدعم الصين مشاريع البنية التحتية في جميع أنحاء العالم. وفي السنوات الأخيرة أبرمت الصين اتفاقيات مع جميع الدول العربية تقريبا. ووفقا لمؤسسة “كونراد أديناور” الألمانية، تعتزم الصين استثمار ما يصل إلى 600 مليار دولار أميركي (527 مليار يورو) في المنطقة بحلول عام 2023.
وبدورها تحتاج الصين إلى شركائها العرب لشيء واحد على وجه الخصوص، ألا وهو تلبية احتياجاتها المتزايدة من الطاقة. فعلى سبيل المثال تعتمد ثاني أكبر دولة اقتصادية في العالم بشكل مُلحّ على واردات النفط من دول الخليج. وعلى الرغم من اهتمامها المتزايد بالمنطقة، لا ترغب الصين في التورط في الصراعات الدائرة هناك.

وتقول المديرة الإقليمية لمؤسسة “كونراد أديناور” في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كانان أتيلجان في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية “لدى الصين استراتيجية واضحة للغاية: عدم التدخل في الشؤون الداخلية”، لذلك فهي لا تربط مساعداتها بإصلاحات ديمقراطية أو مكافحة الفساد.
وتضيف أتيلجان “بالنسبة إلى العديد من البلدان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعتبر استراتيجية التنمية الصينية هذه بديلا مرحّبا به للغاية عن النموذج الأوروبي القائم على القيم”. وبذلك تستفيد أيضا من المشروع الصيني، الذي تبلغ تكلفته المليارات من الدولارات، خاصة الدول التي قد تجد صعوبة في الحصول على مساعدات دولية، مثل سوريا.
وتحتفي القيادة في سوريا بدعم الصين لإعادة الإعمار باعتباره “تجاوزا للعقوبات الإجبارية أحادية الجانب” المفروضة ضدها. والمقصود هنا عقوبات الغرب، حيث تسعى الولايات المتحدة وأوروبا من خلال هذه العقوبات لممارسة الضغط على الأسد.
وفي مقابل عدم تدخل الصين في الشؤون الداخلية، تتحفظ الدول العربية أيضا في توجيه أيّ انتقادات للصين، حتى في تعاملها مع أقلية الإيغور المسلمة في منطقة شينجيانج الواقعة شمال غرب البلاد. وتظهر استطلاعات الرأي أن الكثيرين في العالم العربي منفتحون على العلاقات مع الصين، بينما يتشككون في المقابل إلى حدّ مّا إزاء العلاقات مع الولايات المتحدة.
وفي مصر وحدها تستثمر الصين المليارات من الدولارات في مشاريع البنية التحتية والطاقة والاتصالات وقناة السويس. وزار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الصين ست مرات منذ العام 2014 ووقع ما لا يقل عن 25 اتفاقية ثنائية.

ويخشى منتقدون من أن اهتمام الصين بالمنطقة يمكن أن يعزز الدول التي تسير على نهجها على المدى الطويل. ومن المرجح أن تجد الموارد المكتسبة من المشاريع المشتركة طريقها إلى جيوب أصحاب النفوذ، وهو ما من شأنه ترسيخ عدم المساواة الاجتماعية، كما كتب مركز أبحاث “المجلس الأوروبي للشؤون الخارجية” (إي سي أف أر) على موقعه على الإنترنت. ورغم ذلك يرى المركز أن نفوذ الصين في المنطقة بعيد كل البعد عن أن يكون كبيرا.
وكلما زاد عدد الشركات الصينية النشطة في المنطقة، سيكون من الصعب على الصين الإبقاء على سياسة التحفظ التي تتبعها هناك، حيث يتعين على الدولة القوية اقتصاديا أن تحمي مصالحها الخاصة. لذلك يفترض مركز الأبحاث “إي سي أف أر” أن الصين ستتعاون بشكل وثيق مع أوروبا في المستقبل في تهدئة النزاعات في العالم العربي، ما يعني أنه سيكون هناك مجال لأوروبا للمضي قدما في تحقيق أهدافها الخاصة.
وهذا ما يريده الغرب. وباستثناء قضية الهجرة، فقد خرجت المنطقة الآن من بؤرة اهتمام أوروبا بحسب أتيلجان التي أضافت قائلة “لا توجد عروض مغرية للتعاون”، موضحة أنه إذا كانت الدول الأوروبية تريد المشاركة في تشكيل المستقبل فسيتعين عليها إنشاء سردية جديدة للمنطقة إلى جانب مبادرات متنوعة، مثل تبني “مشروع مضاد للصورة الحالية للعالم العربي الذي يعج بالعديد من المشكلات، بصفته منطقة عازلة أو حدودا”، مشيرة إلى أن دول المنطقة تريد أن يُنظر إليها على أنها ذات إمكانيات، وهو ما أدركته الصين.