الصين تكافح لإقناع سكانها بزيادة الاستهلاك

كثفت الصين محاولاتها لمواجهة تداعيات ركود التجارة العالمية بتشجيع الصينيين على زيادة الاستهلاك، وهي مهمة تبدو شاقة بسبب رسوخ ثقافة الادخار، التي تتزايد في أوقات الأزمات وفي ظل عدم وجود نظام فعال للضمان الاجتماعي.
بكين - قال مساعد وزير التجارة الصيني رن هونغ بين، الجمعة، إن بكين سوف تشجع بيع سلع التصدير في الأسواق المحلية في وقت تواجه فيه التجارة الخارجية تحديات غير مسبوقة بسبب تداعيات تفشي فايروس كورونا المستجد.
وفي ظل انتشار الوباء في كافة شركاء الصين التجاريين تقريبا، فإن ثاني أكبر اقتصاد في العالم يتجه لدخول نفق طويل بسبب انهيار الطلب على منتجات المصانع الصينية.
وتشير تقديرات النمو خلال العام الحالي إلى ترجيح تسجيل أبطأ وتيرة نمو منذ انتهاء الثورة الثقافية في عام 1976. ويواجه قطاع التصدير خسارة الملايين من الوظائف وإغلاق مصانع.
ويرى محللون أن تشجيع الصينيين على زيادة الاستهلاك يبدو مهمة شاقة بسبب رسوخ الميل إلى الادخار، الذي يعد من الفضائل الأساسية في الثقافة الصينية.
وكانت بكين قد حاولت مرارا تشجيع الاستهلاك المحلي خلال السنوات الماضية لمواجهة تباطؤ النمو الاقتصادي ومن أجل زيادة الدخل وتعزيز الرفاهية الاجتماعية، لكنها لم تحقق نتائج تذكر خاصة مع كبار السن.
وإذا كانت المهمة صعبة في الظروف العادية فإن الميل إلى الادخار يتزايد عادة في أوقات الأزمات الكبرى، مثل أزمة انتشار الفايروس حاليا وغموض مستقل المداخيل، خاصة في ظل عدم وجود نظام فعال للضمان الاجتماعي.
وقال مساعد وزير التجارة الصيني، الجمعة، إنه “بسبب الانتشار السريع للوباء في العالم، انخفض الطلب الخارجي على سلع التصدير الصينية والتحدي الأكبر الذي يواجه شركات التجارة الأجنبية هو تراجع الطلبيات”.
وأضاف أن معظم الشركات الأجنبية في شتى القطاعات قامت إما بإلغاء طلبياتها وإما بتأجيلها في وقت أصبح فيه “إبرام صفقات جديدة في غاية الصعوبة”.
وأشار إلى أن “الغموض المحيط بمستقبل السيطرة على فايروس كورونا يعرقل إمكانية تنمية التجارة الخارجية”.
وتشير جهات تضع توقعات إلى أن نمو الصين في العام الحالي قد يقترب من اثنين في المئة، وهو أدنى مستوى في 40 عاما بسبب التأثير الشامل لتفشي الوباء في الداخل والخارج. وتعد تلك النسبة ضئيلة ونما الاقتصاد 6.1 في المئة في العام الماضي.
وانخفضت صادرات الصين 17.2 في المئة في شهري يناير وفبراير، مقارنة مع نفس الفترة قبل عام، مما يمثل أكبر تراجع منذ فبراير 2019. وانخفضت الواردات أربعة في المئة مقارنة مع مستواها قبل عام.
وقال رن إن التدابير الحكومية لدعم القطاع تشمل تسريع الصين جهودا لتنظيم معارض تجارة إلكترونية وتوجيه المصدرين للعمل مع شركات البيع بالتجزئة الإلكترونية بشأن البيع في الأسواق المحلية، وتنسيق بكين مع شركائها التجاريين لتحقيق استقرار في سلاسل الإمداد.
وأضاف أن الصين ترغب في تعزيز العلاقات التجارية مع دول أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، في ظل الأوضاع الجديدة، مؤكدا أن بكين تأمل في العمل سويا مع واشنطن لتعزيز التجارة الثنائية.
وانخرط البلدان في حرب تجارة استمرت على مدى عامين مع فرض كل منهما رسوما تجارية على سلع الأخرى، قبل أن يدعو المفاوضون إلى هدنة مع إبرام اتفاق تجارة مؤقت في يناير الماضي.
يرى خبراء الاقتصاد في الصين ووسائل الإعلام الرسمية أن مستقبل النمو الاقتصادي للبلاد يتوقف على إعادة توجيه الاقتصاد نحو الاستهلاك المحلي وتنمية المناطق
الداخلية.
ويطيل المسؤولون الحكوميون والصحف الرسمية الحديث عن ضرورة زيادة الاستهلاك، لكنهم يستخدمون لغة دبلوماسية لا تسمي الأشياء بمسمياتها بسبب حساسية موضوع تشجيع الاستهلاك في الثقافة الصينية، التي تعلي من شأن التعفف وعدم الانغماس في الملذات.
وكانت خطط الحكومة لزيادة الطلب المحلي تركز على تنمية المناطق الداخلية الأشد فقرا، مدعومة ببرنامج الحزب الشيوعي لتنمية المناطق الريفية وتمدينها.
كما تركز على توجيه الشركات الصناعية لتقلل من اعتمادها على التصدير، ولكن الكثير من الخبراء يؤكدون صعوبة نجاح هذه الجهود في الأوضاع الاستثنائية الحالية.
وتحتاج الصين بشدة عودة أسواق العالم إلى وضعها السابق لتصرف صادراتها، لكن ذلك يبدو مستبعدا في المنظور القريب على الأقل.
وقالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا الخميس إن العواقب الاقتصادية الناجمة عن الوباء ستكون “الأسوأ منذ الكساد الكبير” عام 1929.
وتوقعت أن يسجل أكثر من 170 دولة من أصل 189 دولة عضواً في الصندوق انكماشا في دخل الفرد هذا العام وأن يكون النمو العالمي سلبيا.
وذكرت أن الدول تواجه “وضعاً استثنائياً من انعدام اليقين بشأن عمق هذه الأزمة ومدتها”.
ويتوقع صندوق النقد في أحسن الأحوال “تعافياً جزئياً” للاقتصاد في عام 2021 شريطة أن يتم احتواء الوباء في النصف الثاني من هذا العام، وأن يكون بالإمكان رفع تدابير العزل للسماح بإعادة فتح المتاجر والمطاعم وانتعاش السياحة والاستهلاك.
وفي حال لم يحدث ذلك، قد يكون عام 2021 “أسوأ” من عام 2020 إذا استمر انتشار الوباء.