الصين تضاعف جهودها في السباق إلى معادن أفريقيا

جوهانسبرغ - خلص تحليل حديث أجرته وكالة رويترز تناول بيانات للإقراض والاستثمار والتجارة إلى حدوث انتعاش في برنامج الصين للتعاون الاقتصادي بعد تراجعه خلال الجائحة، مع التركيز على أفريقيا.
ويشير مسؤولون صينيون إلى التجارة البينية غير المسبوقة والمليارات من الدولارات التي خصصت لمشاريع إنشاءات جديدة باعتبارها دلائل على التزامهم بدعم تطوير القارة وتعزيز التعاون “المربح للجانبين”.
لكن البيانات تكشف عن تعقيد أكبر في علاقة لا تزال تركز على الأنشطة الاستخراجية إلى حد كبير، ولم ترق حاليا إلى مستوى بعض أطروحات بكين حول مبادرة الحزام والطريق، وهي إستراتيجية الرئيس شي جينبينغ لبناء شبكة بنية تحتية تربط الصين بالعالم.
وبينما زادت الاستثمارات الصينية الجديدة في أفريقيا بنحو 114 في المئة العام الماضي، وفقا لمعهد جريفيث آسيا في جامعة جريفيث الأسترالية، ركزت تلك الاستثمارات على المعادن الضرورية لتحول الطاقة عالميا وخطط الصين لإنعاش اقتصادها المتعثر.
30
في المئة من الاحتياطيات المعدنية العالمية، مثل الكوبالت والنحاس، تملكها دول القارة
وتمتلك أفريقيا نحو 30 في المئة من الاحتياطيات المعدنية في العالم، ويُعَد العديد منها ضروريا للتقنيات المتقدمة ومنخفضة الكربون.
وفي السنوات الأخيرة برزت الكونغو الديمقراطية كأحد أهم اللاعبين، فهي تنتج ما يقدر بنحو 70 في المئة من احتياطات الكوبالت في العالم وبحصة تبلغ 41 في المئة مع إنتاج نحو 95 ألف طن سنويا، ولطالما وصفتها حكومتها بأنها “منظمة أوبك للكوبالت”.
وتعد الكونغو أكبر منتج للكوبالت في العالم، وتتنافس مع بيرو كثاني أكبر منتج لمعدن النحاس، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تكثيف الاستثمارات الصينية في السنوات الأخيرة.
وحظي هذا المعدن باهتمام كبير بعدما أعلن عملاق صناعة السيارات الألمانية بي.أم.دبليو في عام 2021 أنه سيشتريه مباشرة من المناجم في المغرب، التي تعد تاسع منتج في العالم.
وثمة كميات متزايدة من النحاس والكوبالت تصل قيمتها إلى 1.5 مليار دولار تقريبا، عالقة في الكونغو، وسط نزاع دائر حول مستقبل أحد أكبر مناجم التعدين التي تخدم صناعة البطاريات على مستوى العالم.
وهذه الكميات الهائلة من المعدنين، تمتلكها شركة كموك غروب الصينية، التي تخوض منذ مطلع 2023 نزاعا مع شريكتها الكونغولية المملوكة للحكومة، حول مدفوعات حقوق الامتياز في المنجم.
وهيمنت تلك المعادن، فضلا عن النفط على التجارة البينية، وتضخم العجز التجاري لأفريقيا مع الصين تزامنا مع تعثر الجهود الرامية إلى تعزيز الواردات الأخرى من القارة، ومنها المنتجات الزراعية والسلع المصنعة.
وتراجع الإقراض السيادي الصيني، الذي كان المصدر الرئيسي لتمويل البنية الأساسية في أفريقيا إلى أدنى مستوياته منذ عقدين، كما لم تزدهر الشراكات بين القطاعين العام والخاص، والتي دعت لها بكين باعتبارها الأداة الاستثمارية المفضلة الجديدة على مستوى العالم.
الكونغو تعد أكبر منتج للكوبالت في العالم، وتتنافس مع بيرو كثاني أكبر منتج لمعدن النحاس
والنتيجة هي علاقة تهيمن عليها واردات المواد الخام الأفريقية على نحو أكثر مما تطمح إليه الصين على حد قولها. ويقول محللون إنها تشبه العلاقات الاقتصادية بين أوروبا والقارة خلال حقبة الاستعمار.
وترفض الصين تلك التحليلات. وكتبت وزارة الخارجية الصينية ردا على أسئلة لرويترز “أفريقيا لديها الحق والقدرة ورجاحة العقل لتطوير علاقاتها الخارجية واختيار شركائها”.
وأضافت أن “الدعم العملي الذي تقدمه الصين لمسار التحديث في أفريقيا بما يتفق مع خصائصها الخاصة يحظى بترحيب عدد متزايد من الدول الأفريقية”.
ونمت استثمارات الصين في أفريقيا عبر مبادرة الحزام والطريق بسرعة في العقدين السابقين للجائحة. واتجهت شركات صينية لبناء موانئ ومحطات طاقة كهرومائية وسكك حديد في شتى أنحاء القارة بتمويل من خلال قروض سيادية.
وبلغت التزامات الإقراض السنوية ذروتها عند 28.4 مليار دولار في عام 2016، وفقا لمبادرة الصين العالمية في جامعة بوسطن.
لكن أثبتت العديد من المشاريع أنها غير مربحة. وخفضت الصين مخصصات الإقراض في وقت كانت تكافح فيه بعض الحكومات من أجل سداد القروض. ثم دفعت الجائحة الصين إلى الانغلاق مما أدى إلى تراجع مشاريع الإنشاءات الصينية في أفريقيا.
ومن غير المتوقع حدوث انتعاش في الإقراض السيادي. وبسؤالهم حول انخفاض حجم الإقراض المخصص للبنية التحتية الأفريقية أشار مسؤولون صينيون إلى أن التجارة التي تولدها مبادرة الحزام والطريق تعمل على تعزيز ثروة أفريقيا وتنميتها.
وبلغت التجارة البينية بين ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأفريقيا رقما قياسيا عند 282 مليار دولار العام الماضي، وفقا لبيانات الجمارك الصينية.
ولكن في الوقت نفسه، انخفضت قيمة صادرات أفريقيا إلى الصين بنحو سبعة في المئة، نتيجة انخفاض أسعار النفط كما اتسع عجزها التجاري بنحو 46 في المئة.
ويسعى مسؤولون صينيون إلى تهدئة مخاوف بعض الزعماء الأفارقة. وفي قمة عقدت في جوهانسبرغ في أغسطس الماضي قال الرئيس الصيني إن بلاده ستطلق مبادرات لدعم التصنيع والتحديث الزراعي في القارة.
وهذه القطاعات يعتبرها صناع السياسات الأفارقة أساسية لسد الفجوات التجارية وتنويع اقتصاداتهم وخلق فرص العمل. وتتعهد الصين بزيادة الواردات الزراعية من أفريقيا.