الصين تشكل إستراتيجيتها الإعلامية في العالم العربي بلمسة محلية

محتوى الإعلام الصيني يميل إلى لهجة أكثر ودية من الإعلام الغربي ليلامس القلوب قبل العقول.
السبت 2025/05/24
لهجة ودية

تعمل الصين على مد نفوذها الإعلامي في العالم العربي بناء على إستراتيجية مدروسة تُصوّرها كشريك ودي لا يتدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول، على عكس الإعلام الغربي الذي يحاول فرض قيمه في تناول المواضيع السياسية أو الثقافية الحساسة، والذي يشهد تراجعا بعد القرارات الأميركية الأخيرة.

بكين - مع اشتداد التنافس بين الولايات المتحدة والصين، يتجلى صراع النفوذ على شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء الشرق الأوسط. في أحدث حلقة من بودكاست “اختلافات” التابع لمركز المصلحة الوطنية، يقدم مراسل شبكة تلفزيون الصين الدولية المستقل عادل المحروقي وجهة نظر نادرة من داخل الصين حول كيفية تشكيل الصين لإستراتيجيتها الإعلامية في العالم العربي وخارجه.

ووفق تقرير لمجلة بلينكيست، فإنه على عكس الشبكات الغربية مثل “سي.أن.أن” أو قناة “الحرة” الأميركيتين لا تُرسل شبكة تلفزيون الصين الدولية “سي.جي.تي.أن” مراسلين أجانب بشكل غير قانوني، بل تعتمد بشكل كبير على الصحافيين المحليين لصياغة الرواية، وهو قرار مدروس يهدف إلى بناء الثقة وتجنب ردود الفعل الثقافية السلبية التي غالبًا ما تُوجه إلى وسائل الإعلام الغربية. ويقول المحروقي “إنهم يريدون استقطاب مواطنين محليين ينقلون قصصهم الخاصة، حتى يبدو كل شيء مألوفا، كل شيء يبدو مألوفا، هذا جانب بالغ الأهمية.”

وهذا ليس مجرد خيار شكلي، بل هو إستراتيجية مدروسة تُصوّر الصين كشريك لا يتدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول، على عكس رسائل الغرب التي تعتمد على القيم. ووفقا للمحروقي، تتجنب شبكة “سي.جي.تي.أن” بعناية تناول المواضيع السياسية أو الثقافية الحساسة، وتفضل بدلاً من ذلك تسليط الضوء على التعاون الاقتصادي وقصص النجاح التنموي، وهي روايات تلقى صدى في منطقة سئمت من المحاضرات الأجنبية.

الشبكة الصينية تعتمد على قصص النجاح التنموي وهي روايات تلقى صدى في منطقة سئمت من المحاضرات الأجنبية

ويوضح “يميل محتوى وسائل الإعلام الصينية إلى لهجة أكثر ودية. لن تجد الصين تُشير بأصابع الاتهام وتقول ‘مزيد من حقوق الإنسان، حقوق إنسان أقل، انفتاح تجاري أكبر’.”

وعملت الصين على توسيع أدواتها الإعلامية مثل شبكة “سي.جي.تي.أن” (الناطقة بعدة لغات منها العربية)، ووكالة شينخوا، لتعزيز رؤيتها ومواقفها في قضايا الشرق الأوسط.

ويبدو أن هذه الإستراتيجية تكتسب زخما. من القاهرة إلى بيروت، أصبحت شبكة تلفزيون الصين الدولية الآن معترفا بها على نطاق واسع، بل ومرحبا بها في المناطق التي تواجه فيها وسائل الإعلام الغربية أحيانا الريبة أو العداء. وعلى سبيل المثال، خلال الاضطرابات السياسية في مصر عام 2013، يروي المحروقي كيف أن ارتباطه بشبكة تلفزيون الصين منحه إمكانية الوصول إلى كلٍّ من المعسكرين المؤيد والمعارض للحكومة، بينما غالبًا ما كانت طواقم البث الغربية تجد صعوبة في الوصول.

ويثير انتشار البصمة الإعلامية لبكين بعض التساؤلات المزعجة لواشنطن. ماذا يعني أن تصبح وسيلة إعلامية صينية مملوكة للدولة مصدرا رئيسيا للأخبار لشرائح واسعة من العالم العربي؟ هل يُعد هذا انتصارا للصحافة المتوازنة، أم مجرد شكل أكثر سلاسة من الرسائل الرسمية؟

ومع تغير عادات الإعلام، وخاصة بين الشباب العربي الذين يزداد تعلقهم بالهواتف الذكية بدلًا من التلفزيون، يشير تحول شبكة تلفزيون الصين الدولية إلى وسائل التواصل الاجتماعي والتقارير المحلية الميدانية إلى نهج ذكي وحديث للقوة الناعمة.

كما يظهر مصطلح “الغرب الأوسط” الصيني منافسا لمصطلح “الشرق الأوسط”، وله أهداف ومطامع تشابه المطامع الأوروبية القديمة والحديثة والآنية، فالصين المنافس بين دفتي أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.

ويستخدم الإعلام الصيني مصطلح “الغرب الأوسط”، واصفا طول المنطقة الجغرافية العربية وامتداداتها، التي سبق للنطاقات الغربية أن أطلقت عليها “الشرق الأوسط” من قبل، مما يشير إلى أن الجانب الصيني وفي مقاربته وخطابه الإعلامي الموجه بات يربط هذه المقاربة الجديدة مع إعادة تعريف مصالح بكين الكبرى في الشرق الأوسط وخارجه.

وهاتان الجهتان المتنافستان المتصارعتان تطلقان على القارئ العربي هذا المصطلح، ولعله لا يعرف إن كان شرق أوسطي أو غرب أوسطي مع من يقف؟ ولماذا؟ وإلى متى؟ ولعل كل قارئ ينحاز لجهة ما من هاتين الجهتين، بالتالي فإن أي هيمنة تفرض لها ما يغذيها من الأهداف والأطماع والنوايا.

وخلال الفترة الأخيرة كان لافتا أن الصين وروسيا تتبنيان استخدام المفاهيم ذات الدلالات السياسية والجيوإستراتيجية، بخاصة المتعلقة بدوائر التحرك والنفوذ السياسي ومناطق التحرك الراهن في إطار إستراتيجي، وليس مجرد طرح مصطلحات أو مفاهيم استثمار للمصالح الواردة في الحالة الصينية، ارتكانا إلى ما طرح في المؤتمر الشيوعي الأخير، إذ كان التركيز على إستراتيجية الوجود، وإعادة تعريف مناطق السياسات والنفوذ، بخاصة أن ما حاق بما يعرف بمبادرة الحزام والطريق من تطورات كان أمرا مهما، ويأتي في سياق التخطيط المنظم، أو ما سمته الصين أخيرا الاتجاه إلى إعادة الطرح، أو المراجعة.

ويمكن القول إن الإعلام الصيني حاول استغلال تراجع النفوذ الإعلامي الأميركي في الشرق الأوسط، خصوصا خلال فترة إدارة الرئيس دونالد ترامب، وذلك من خلال تعزيز حضوره وروايته في المنطقة.

وملأ الفراغ الإعلامي الأميركي برواية بديلة تركّز على التنمية وعدم التدخل. ومع ذلك، لا يزال تأثيره محدودا مقارنة بالإعلام الغربي من حيث الشعبية والتأثير على الرأي العام، لكنه آخذ في التوسع.

الصين تعمل على توسيع أدواتها الإعلامية بعدة لغات منها العربية، ووكالة شينخوا لتعزيز رؤيتها ومواقفها في قضايا الشرق الأوسط

والصين لم تكتفِ ببث رسائلها عبر قنواتها فقط، بل دعمت التعاون مع وسائل إعلام محلية، وقدمت تدريبات للصحافيين، ووقّعت اتفاقيات شراكة إعلامية مع العديد من الدول العربية. وهذا ساعد في نشر وجهات نظر موالية أو متعاطفة مع الصين في الإعلام العربي.

ويركز الإعلام الصيني على إبراز مشاريع مبادرة “الحزام والطريق”، والعلاقات الاقتصادية، وانتقد ما وصفه بـ”النفاق الغربي” في قضايا مثل حقوق الإنسان.

كما استغل الانتقادات الموجهة للولايات المتحدة، مثل فشلها في العراق أو أفغانستان، والانقسامات الداخلية، لتقديم الصين كبديل أكثر استقرارا وموثوقية.

لكن في الواقع لا تزال هناك تحديات كثيرة أمام الصين ليكون نفوذها الإعلامي مؤثرا في الشرق الأوسط، فالشارع العربي لا يثق تماما في الإعلام الصيني، لكنه أيضا فقد الثقة جزئيا في الإعلام الأميركي بسبب الانحياز والازدواجية.

والصين تبني حضورها الإعلامي بهدوء، دون استفزاز، لكنها لم تصل بعد إلى التأثير العميق. وفي القضايا الكبرى مثل فلسطين، لا يزال الإعلام العربي أكثر تأثيرا من الأميركي أو الصيني، لأنه يعكس نبض الشعوب مباشرة.

كما أن الإعلام الصيني يواجه انتقادات لكونه دعاية حكومية أكثر من كونه إعلاما حرا، مما يجعله أقل مصداقية لدى المتابعين المهتمين بحرية التعبير.

5