الصومال ينقل حربه على حركة الشباب إلى الفضاء الإلكتروني

حققت الحكومة الصومالية المدعومة من العشائر والقوات الأميركية والإقليمية انتصارات ميدانية على حركة الشباب الإسلامية واستطاعت استعادة مدن تسيطر عليها الحركة منذ عقد، إلا أن محللين يؤكدون أن المعركة لا تزال طويلة.
مقديشو - اتخذت الحكومة الصومالية مؤخرا خطوات جديدة في وتيرة حربها ضد حركة الشباب الصومالية المرتبطة بتنظيم القاعدة، من خلال حجب المئات من حساباتها بمختلف مواقع التواصل الاجتماعي، بما في ذلك فيسبوك وتويتر وتيلغرام، لحصار الحركة فكريا وتجميدها.
وتأتي هذه الخطوة بعد إطلاق الحكومة لقناة متخصصة في مكافحة الإرهاب، ونجاح القوات الحكومية في توجيه ضربات عسكرية للحركة، واستعادة بعض أهم المناطق والقواعد الإستراتيجية التي كانت تتمركز فيها، وتجفيف العديد من مواردها المالية. وتتبع مقديشو إستراتيجية الحرب الشاملة في مواجهة حركة الشباب من كافة الجوانب عسكريا واقتصاديا وفكريا.
ويصف الخبير في الشؤون الأفريقية مادي إبراهيم كانتي خطوات الحكومة الأخيرة في مواجهة نشاط الحركة إلكترونيا بتقيد وحجب كافة أو معظم المواقع والمنصات التابعة لها، بمثابة “الصفعة الموجعة، لأن الحركة تعتمد بشكل كبير على المَكنة الإعلامية في فرض سيطرتها ونفوذها، من خلال نشرها للإصدارات التي تنفذها بحق الأبرياء والأسرى، في سبيل ترهيب السكان لإخضاعهم، إلى جانب مقاطع من العمليات العسكرية التي تخوضها والاغتيالات والتفجيرات الإرهابية”، وبالتالي أصبح تأثير حركة الشباب هامشيا و قليل الأثر على الرأي العام، بعد أن ألغت الحكومة جميع المواقع أو معظم المواقع الصحفية التابعة لها.
حركة الشباب ضعُفت عسكريا واقتصاديا منذ بدء العمليات العسكرية التي أطلقها الرئيس الصومالي
ويقول كانتي “بانخراط الحركة في سلوكيات لا أخلاقية وممارسات مخالفة للأعراف وجرائم تستهدف الأبرياء والعلماء، إلى جانب انقلابها على المكونات السكانية التي كانت متعايشة مع وجودها في مناطقها في ظل غياب أجهزة الدولة المعنية بالأمن والعدالة، خسرت الحركة قاعدتها الشعبية”.
وبحسب كانتي ضعُفت حركة الشباب عسكريا وإعلاميا واقتصاديا منذ بدء العمليات العسكرية التي أطلقها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ضد المتطرفين.
ويقول مراقبون إن الحكومة الصومالية تتعامل بشكل صحيح مع زيادة الاحتجاجات الشعبية ضد الحركة المتطرفة، من خلال تكاتفها مع أهالي القبائل الذين يقدّمون لها الدعم الاستخباراتي واللوجيستي والمعرفة الدقيقة بأرض المنطقة، حيث توظف الحكومة ذلك بشكل إيجابي لردع نشاط “الحركة” فكريا واقتصاديا، بعد النجاح الواسع الذي حققته ضدها في الميدان العسكري.
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية الصومالية عن وزير الإعلام والثقافة والسياحة الصومالية عبدالرحمن يوسف العدالة قوله إنه “تقرر حجب أكثر من 600 صفحة إلكترونية لميليشيات حركة الشباب، من خلال تحرك من وزارات الإعلام، والاتصالات، والأمن الداخلي”.
ولم تكتف الحكومة الصومالية بالتحرك لغلق الحسابات ووسائل الإعلام الخاصة بالحركة، ولكن أطلقت قناة تلفزيونية لنشر الأفكار البعيدة عن الإرهاب.
وأثناء إطلاق القناة، صرّح الرئيس الصومالي بأن “إطلاق القناة يهدف إلى تقديم رؤية دينية معتدلة تحارب سوء تفسير التيارات الإرهابية للدين، وتعزز الوطنية والقيم النبيلة”. وتحمل القناة اسم “دلجر”، وتعني “حامي الوطن”، وتهتم كذلك بتغطية أخبار المعارك بين القوات الحكومية وعناصر حركة الشباب.

وبالتزامن مع إعلان الحكومة الحرب الفكرية ضد الحركة، تم الإعلان عن استسلام 4 من عناصرها، لقوات الجيش في ولاية هير شبيلي، منهم قائد ميليشياتها في المعارك التي دارت في محافظة شبيلي الوسطى، كما اعتقلت قوات الجيش 8 عناصر من الحركة، حاولوا الاختباء في الغابات بعد الهزائم التي تكبدوها.
ووفقا للوكالة الرسمية، استقبلت القوات الحكومية المستسلمين، مشيرة إلى التزام الحكومة برعاية المتخلّين عن أيديولوجيا وأفكار المتطرفين وأفعالهم المنحرفة، في إطار حربها ضد الإرهاب.
وكانت بدايات حركة الشباب الصومالية في العام 2006، حين ظهرت كذراع عسكرية لـ”اتحاد المحاكم الإسلامية”، لكنها سرعان ما أعلنت الانفصال عن “اتحاد المحاكم الإسلامية” عام 2007، بعد انضمام الأخيرة لتحالف المعارضة الصومالية.
ووفقا للأمم المتحدة “تعد الحركة أكبر تنظيم قاعدي وأكثر الجماعات الإرهابية دموية في قارة أفريقيا”، وعام 2008 بدأت الحركة عملياتها الإرهابية التي ركزت على مناطق في وسط وجنوب الصومال.
600
صفحة إلكترونية لميليشيات حركة الشباب تم حجبها، من خلال تحرك من وزارات الإعلام، والاتصالات، والأمن الداخلي
وتهدف الحركة إلى الإطاحة بالحكومة الصومالية، وإرساء حكمها القائم على أساس تفسيرات متشددة للشريعة الإسلامية، ويبلغ تعداد مقاتلي الحركة نحو 12 ألف مقاتل وتنفق 24 مليون دولار سنويا على الأسلحة والمتفجرات وعلى مرتبات المقاتلين. وخلال العام الجاري فقط، نفذت الحركة عمليات إرهابية تسببت في مقتل 613 مدنيا وأصيب 948 آخرون.
وبدأت الخطوات والإجراءات الحكومية ضد حركة الشباب تأتي أكلها، وقد ظهرت أولى هذه الخطوات في الميادين القتالية، حيث سيطرت القوات الحكومية خلال الأشهر القليلة الماضية على العديد من المدن والمناطق التي كانت تسيطر عليها الحركة، من بينها مدينة آدم يبال، المقر الرئيسي للحركة في إقليم شبيلي الوسطى بولاية هيرشبيلي وسط الصومال، مما يعني خسارتها لأحد مصادر تمويلها الرئيسية، إذ أن خسارتها الأخيرة لآدم يبال تؤثر سلبا على رصيدها الاقتصادي، كما أن حجب مواقعها الإلكترونية يعني تقييد تأثيرها على الرأي العام، ما يدل على أن الحكومة في طريقها لتحقيق أهدافها في القضاء على وجود الحركة بشكل نهائي.
وتعتزم أوغندا إرسال أكثر من 1500 من قواتها إلى الصومال، ليحلوا محل قوات أخرى عاملة في حفظ السلام هناك لمدة عام واحد، وتُعد أوغندا أول دولة أسهمت بقواتها في بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، حيث نشرت قواتها في مقديشو مطلع عام 2007؛ للمساعدة في إعادة الأمن والاستقرار.
وأعلنت القيادة الأميركية في أفريقيا “أفريكوم” مؤخرا أنها نفّذت ما وصفته بـ”ضربتين جماعيتين للدفاع عن النفس”، لدعم اشتباكات الجيش الصومالي ضد حركة الشباب.
ووقعت الضربة الأولى على مسافة 176 كيلومترا شمال شرقي مقديشو وأدت إلى مقتل 7 إرهابيين من الحركة، بينما الثانية على مسافة 220 كيلومترا تقريبا شمال شرقي مقديشو، وأسفرت عن مقتل 8 إرهابيين في حركة الشباب. وحسب “أفريكوم” تعتبر حركة الشباب الصومالية، أكبر شبكة لتنظيم القاعدة وأكثرها فتكا في العالم.
وقد أثبتت إرادتها وقدرتها على مهاجمة المدنيين الصوماليين وشرق أفريقيا وكذلك الأميركيين، حيث أكدت “أفريكوم” أن ما وصفته بالإجراءات الحركية الأميركية ضد حركة الشباب، تستهدف دعم حملة الحكومة الفيدرالية الصومالية المستمرة لتعطيل العمليات الإرهابية في بلادهم.