الصورة تنتصر لحماس في معركتها مع إسرائيل

تركيز الحركة على الجوانب الإنسانية مكنها من التفوق إعلاميا.
الخميس 2023/11/30
استعداد للمعركة الإعلامية

لعبت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، على الوتر الإنساني بقوة، وتمكنت من أن تصل رسالتها إلى وجدان قطاع كبير من الرأي العام الدولي.

القاهرة - يستطيع المراقب للحرب الإعلامية الخفية بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية أن يستشف بسهولة انتصار الثانية بعد أن نجحت في توظيف صور وفيديوهات بسيطة تفوقت على الآلة الجبارة التي تملكها إسرائيل وهي مدججة بآلة أخرى جبارة ممثلة في شريحة كبيرة من وسائل الإعلام الغربية المؤيدة لها.

زاد من تفوق حماس أنها منحت الأبعاد الإنسانية اهتماما عاليا، وأدركت أن أحد أهم أسلحة المعركة أن تكسب تعاطف فئة من الجمهور الإسرائيلي والغربي ثم العربي والفلسطيني، وظهرت معالم ذلك في روايات البعض من الأسرى والمحتجزين لدى حماس، وغالبيتهم من النساء والأطفال ممن أفرجت عنهم الحركة مبكرا بعد عمليتها في السابع من أكتوبر الماضي، أو عقب الاتفاق على عقد صفقة الأسرى بدءا من الجمعة الماضي لمدة أربعة أيام، وجرى تمديدها ليومين آخرين، أي حتى الأربعاء.

وعملت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، على تغيير صورة سلبية رسمتها إسرائيل عنها عندما دمغتها بالإرهاب بعد عملية طوفان الأقصى، وكان الاهتمام بمعاملة الأسرى هدفه تصدير صورة إيجابية لها.

الإعلام العسكري لحماس استفاد من الغموض الذي يكتنف الحركة وصعوبة اختراقها ومعرفة قياداتها وتحركات كوادرها

عاد نفر من الأسرى يتحاكون بإنسانية الحركة وطيبة كوادرها، وبدت الرسالة التي نشرت، الاثنين، لواحدة من المفرج عنهن حول لقاء لها مع قائد الحركة يحيى السنوار، ضربة قوية لإعلام إسرائيل الذي رسم له شكلا سوداويا مليئا بالعنف، بينما كلمات السيدة الإسرائيلية عاطفية وإنسانية بما يمحو عنه وصف “الشيطان الأكبر”.

كسبت حماس معركة الإعلام عند أول مقارنة يعقدها المشاهد بين بيانات الناطق باسم كتائب القسام “أبوعبيدة” الذي أصبح وجها مألوفا على الرغم من أنه كان يظهر في كل مرة ملثما، وبين المتحدثين العسكريين الإسرائيليين المعروفين، وقدم الأول صورا وفيديوهات تعزز خطابه، بينما جاءت المؤتمرات الصحفية لمتحدثي إسرائيل جافة وفقيرة وأحيانا مثيرة للسخرية، خاصة عندما جاؤوا على ذكر القاعدة العسكرية التي تملكها حماس أسفل مجمع الشفاء، وبعد اقتحامه قدمت صورا خالية منها.

لم تفطن إسرائيل جيدا لمعركة الصورة في هذه الحرب، واعتقدت أن تأييد الكثير من وسائل الإعلام الغربية يكفي لترويج سردياتها، بغض النظر عما تحمله من شائعات وأكاذيب تتعلق بالضحايا من المدنيين في غزة، وتفوقها العسكري وسيطرتها الميدانية، وإرهاب حماس، وغيرها من القصص التي تمت مراجعتها لاحقا، إذ تبيّن أن الكثير منها لم يكن دقيقا عند مقارنته بما يبثه إعلام كتائب القسام.

جاءت الضربة الإعلامية الأكثر قوة في مشاهد معاملة المفرج عنهم من حماس وإسرائيل، فالرقة التي عاملت بها الحركة أسرى الثانية قوبلت بقسوة كبيرة، وتكفي روايات المفرج عنهم من الفلسطينيين في سجونها لتأكيدها من خلال صور عديدة، منذ إبلاغهم بإطلاق سراحهم وحتى وصولهم إلى منازلهم التي منعت فيها شرطة الاحتلال التجمعات والاحتفالات بالمفرج عنهم، وكانت قصصهم كافية لهزيمة إسرائيل إعلاميا.

pp

يقول خبراء إعلام إن الحروب الحقيقية ليست في ميادين المعارك أو قاعات التفاوض فقط، لكن في مدى ما يمكله كل طرف من نجاح في جذب أو خداع الجمهور، فقد ظلت إسرائيل تتحدث عن أفراد حماس على أنهم “إرهابيون”، ووصف قادتها من الفلسطينيين في قطاع غزة بأنهم “حيوانات بشرية”، ومع ذلك صحا كثيرون على أن الحركة أكثر إنسانية من إسرائيل.

ويضيف هؤلاء الخبراء أن حماس كانت منتبهة إلى أهمية هذه المعركة لتعويض فقدانها توزنات القوى العسكرية والدعم الغربي الكاسح، ومنحت الصورة تركيزا كبيرا ساعدها على التوصل إلى صيغة تؤلم بها إسرائيل منذ اليوم الأول للحرب، إذ مكنتها اللقطات التي بثتها من عدم ترك الميدان الإعلامي لرواية إسرائيل فقط.

جاءت الخطورة البالغة من التحول النسبي في خطاب بعض وسائل الإعلام في الغرب، والتي استيقظ عدد منها على معلومات جديدة تقدم لأول مرة حول جذور القضية الفلسطينية، والميل إلى نوع من العدالة والإنصاف في المعالجة، استمدا جزءا كبيرا من منطقهما بسبب تماسك روايات عربية وفلسطينية عدة، وغطرسة قيادات إسرائيلية تعمدت طمس الحقائق وتصوير ما جرى في غزة على أنه معركة بين العالم المتحضر ومجموعة من “المتخلفين”، وهو ما لم تعكسه الصور والواقع على الأرض.

أسهم استعداد حماس للمعركة الإعلامية في مفاجأة إسرائيل، وأسهمت بعض وسائل إعلامها في كشف معلومات أعادت جزءا من الاعتبار لمهنيتها، ولو صبت في صالح الحركة الفلسطينية، فقصف الطيران الإسرائيلي لتجمع مدني في غلاف غزة كُشف عن طريق إعلامها المحلي، والحديث عن خلافات داخل حكومة الحرب، وبين السياسيين والعسكريين، تم من خلاله أيضا.

استفاد الإعلام العسكري لحماس من الغموض الذي يكتنف الحركة وصعوبة اختراقها ومعرفة قياداتها وتحركات كوادرها، وحتى الغاضبون من سياساتها وحدتهم المجازر في غزة وارتفاع الضحايا من المدنيين، وصبوا غضبهم على إسرائيل التي لم تستطع تبرير هذه التصرفات، كما أن التشكيك فيها وتكذيب الأرقام التي أعلنها الجانب الفلسطيني لم يفد إعلام إسرائيل، وأفاد إعلام حماس.

oo

تجلى التفوق الإعلامي للحركة في نتائج بعض استطلاعات الرأي، والتي أشارت إلى تغير معادلة التعاطف مع إسرائيل لصالح الفلسطينيين، فمنذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر وحتى الثالث عشر منه كان الرأي العام الدولي يميل نحو إسرائيل بنسبة 65 في المئة، بعد ذلك انقلبت النتيجة إلى تعاطف نحو 95 في المئة مع الفلسطينيين.

تعكس هذه الأرقام عمليا التغير الحاصل في توجهات الرأي العام الدولي، والذي يرجع جزء كبير منه إلى تماسك إعلام حماس، مقارنة بتفكك إعلام إسرائيل الرسمي.

عقب انتهاء الهدنة، سواء تم تمديدها مرة أخرى أم لا، ففي كل الحالات يمكن أن يتغير أداء الإعلام العسكري لحماس الذي استمد تفوقه من حسن تعامله ما كان يجري في الميدان وإخفاق إسرائيل في التصدي له، فتمديد الهدنة والوصول إلى مرحلة وقف إطلاق النار يعني أن الحركة فقدت التعاطف المسبق معها الناجم عن الانتهاكات الإسرائيلية بحق المدنيين في غزة، ويعني أيضا أنها أمام استحقاق يفرض عليها تحديد موقفها من التعامل مع القطاع المرحلة المقبلة.

وإذا استؤنفت المعارك مرة أخرى قد تفاجأ حماس بأن إسرائيل سدت الكثير من الثغرات التي استفادت منها وجعلتها متفوقة، ولعل زيارة إيلون ماسك صاحب منصة إكس لإسرائيل أخيرا، وتأييده الواسع لخطاب رئيس الحكومة بنيامين نتيناهو، يحمل من الدلالات والمضامين ما يؤكد أن تل أبيب شعرت بالإخفاق وراجعت موقفها الإعلامي، لأن خسارتها الرأي العام ضربة قاسية لها تعزز صمود حماس.

5