الصوت الفلسطيني مغيب في الإعلام الإسرائيلي دعما للمجهود الحربي

"هاآرتس" ذات التوجه اليساري وموقع 972 + ماغازين من بين وسائل الإعلام القليلة التي تجري تحقيقات حول غزة.
الخميس 2024/09/26
صوت معطل

تل أبيب – تحتلّ الحرب كل شاشات التلفزة الإسرائيلية، ويعلّق مقدّمو الأخبار والبرامج شريطا أصفر على ملابسهم يرمز إلى التضامن مع الرهائن في غزة. لكن يغيب تماما كل حديث عن مصير الفلسطينيين في القطاع المدمّر.

ويمكن للإسرائيليين أن يتابعوا كل مساء عبر شاشات التلفزيون مجريات العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش في قطاع غزة منذ الهجوم الدامي لحركة حماس داخل إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023.

ويقول عالم الاجتماع المتخصّص في وسائل الإعلام والأستاذ في جامعة تل أبيب جيروم بوردون إن الهجوم كان “مفاجأة بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي، وأعطت وسائل الإعلام الأولوية المطلقة لمعاناة إسرائيل وصدمتها التي لم تنته بعد”.

وتوجد أربع محطات تلفزيون ذات محتوى عام في إسرائيل، القناة 11 العامة والقناة 12 “الأكثر مشاهدة” والقناة 13 “الأكثر انتقادا” والقناة 14 التي تمثّل “أداة دعاية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو”، وفق الصحافي أورين بيريسكو الذي يعمل في موقع “العين السابعة” الاستقصائي المتخصّص في وسائل الإعلام.

جميع المحطات في إسرائيل من القناة 11 وحتى 14 لا تعرض صور المعاناة الإنسانية في غزة ويمكن لتلك المحطات أن تظهر صورا للأنقاض، أو لمبنى تعرّض للقصف، لكنها لا تعرض قصص الأفراد المتضررين

وبعد تحليل ساعات من نشرات الأخبار والبرامج الساخرة أو الحوارية، خلص صحافيو الموقع إلى أن “جميع المحطات في إسرائيل من القناة 11 وحتى 14 لا تعرض صور المعاناة الإنسانية في غزة”. ويمكن لتلك المحطات أن “تظهر صورا للأنقاض، أو لمبنى تعرّض للقصف، لكنها لا تعرض قصص الأفراد المتضررين”.

وحتى قبل السابع من أكتوبر، كان الصوت الفلسطيني “محجوبا” في وسائل الإعلام الإسرائيلية، ويبقى اليوم مغيّبا لدعم “المجهود الحربي”.

وتسبّب الهجوم الذي شنته حركة حماس بمقتل 1205 أشخاص في الجانب الإسرائيلي، معظمهم مدنيون، بحسب تعداد لوكالة فرانس برس يستند إلى بيانات رسمية إسرائيلية. ويشمل هذا العدد رهائن قضوا خلال احتجازهم في قطاع غزة. وخُطف خلال الهجوم 251 شخصا، لا يزال 97 منهم محتجزين، بينهم 33 يقول الجيش إنهم لقوا حتفهم.

ردّا على ذلك، يشنّ الجيش الإسرائيلي حملة قصف مكثفة على قطاع غزة وعمليات برية، ما تسبّب بمقتل 41495 شخصا، معظمهم من المدنيين، وفق بيانات لوزارة الصحة التابعة لحكومة حماس تعتبرها الأمم المتحدة موثوقة.

لكن “الإعلام الإسرائيلي لا يعتمد هذه” الحصيلة، كما يقول بيريسكو. وعلى الشريط الإخباري في أسفل شاشة القناة الـ14 ذات التوجه المحافظ المتطرف، وعلى موقعها الإلكتروني، يمكن قراءة العبارة التالية “القضاء على 40 ألف إرهابي”.

وتوضح الصحافية في القناة هاليل بيتون روزن لوكالة فرانس برس أن تغطية الحرب ترتكز على “دعم القوات المقاتلة التي تحمي البلاد والمواطنين من الإرهابيين الخبثاء الذين ارتكبوا المجزرة الرهيبة، ومن كل من يدعمهم”. ويعتقد عدد من الصحافيين الإسرائيليين أن وسائل الإعلام الدولية “منحازة” في تغطيتها للحرب إلى الجانب الفلسطيني.

في المقابل، تعد صحيفة “هارتس” اليومية ذات التوجه اليساري والموقع الإخباري +972 ماغازين من بين الوسائل القليلة في المشهد الإعلامي الإسرائيلي التي تجري تحقيقات حول قطاع غزة، بعضها يدين الجيش الإسرائيلي بتهم تعذيب المدنيين أو استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد وضرب الأهداف.

لكن جمهورها يبقى محصورا في أقلية من “المثقفين اليساريين”، وفق بوردون. ويقول الجيش الإسرائيلي إن قرابة 350 جنديا قتلوا منذ بدء العملية البرية في قطاع غزة في السابع والعشرين من أكتوبر. ويفيد بوردون بأنه عندما تخصّص المحطات الإسرائيلية مواضيع للفلسطينيين يكون هناك “اختلاف في زاوية المعالجة بالمقارنة مع وسائل الإعلام الأجنبية”.

oo

ويشير على سبيل المثال إلى تغطية الهجمات التي ينفذّها المستوطنون اليهود ضد قرى في الضفة الغربية المحتلة حيث تفاقمت أعمال العنف منذ السابع من أكتوبر. إذا يتناول الصحافيون الإسرائيليون الموضوع من زاوية أن “الجيش فشل في ثني المستوطنين” عن تنفيذ تلك الهجمات، بدل القول بأنه “فشل في حماية الفلسطينيين”.

وفي نهاية يوليو، أوقف جنود إسرائيليون في إطار التحقيق في سوء معاملة معتقلا فلسطينيا، بعد تسرّب مقطع فيديو تداولته وسائل إعلام محلية على نطاق واسع. لكن القناة الـ12 الأكثر متابعة مع حوالي 20 في المئة من نسبة المشاهدة في إسرائيل، طرحت نقاشا حول “ما إذا كان تعذيب الإرهابيين والاعتداء عليهم جنسيا أمرا مشروعا أم لا”.

ويكشف أحد الصحافيين النجوم في القناة مفضلا عدم ذكر اسمه، أن هناك تحوّلا وقع وسط هيئة تحريرها بين “ما قبل 7 أكتوبر وما بعده”. ويضيف معربا عن أسفه “هناك تركيز على الرعب الذي عشناه وليس على قصص الفلسطينيين”.

وأكّد صحافيون إسرائيليون أن غياب مواضيع تتناول أوضاع سكان غزة ليس ناجما عن “تعرضهم لضغوط”، بل لكونهم “لا يزالون تحت وقع الصدمة” منذ السابع من أكتوبر، أو لأنهم “لم يعودوا يثقون بالفلسطينيين”.

5