الصوت الجريح

هناك أصوات فريدة لا تتكرر، ليس هناك من يرث موهبتها، وليس من السهل تقليدها، لها بصمات ساحرة لا تنسى، وعندما ترحل تترك وراءها فراغا غير قابل للملء، ومنها المطرب الكويتي عبدالكريم عبدالقادر أو الصوت الجريح كما يسمّى لدى عشاقه ومحبيه، الذي تم الإعلان عن وفاته أول أمس الجمعة.
تزامن رحيل الفنان الكبير مع الذكرى الستين لبداية نشاطه الفني والتي كانت في العام 1963 من خلال الموشحات الدينية مع الملحن عبدالرحمن البعيجان. ثم من خلال عدد من الأغاني التي تعامل فيها مع كبار شعراء المنطقة وملحنيها، والتي أشرعت أمامه أبواب الشهرة سواء في الكويت أوفي الخليج، لاسيما بعد إصداره ألبومه الأول في العام 1968 .
بدأ عبدالكريم عبدالقادر حياته العملية موظفا بوزارة الداخلية الكويتية، لكن عشقه للفن وتعلقه بالغناء جعلاه ينتقل إلى العمل في وزارة الإعلام حيث انتمى إلى قسم الموسيقى بالإذاعة، في الوقت الذي كانت فيه كل الإذاعات العربية تقريبا تمتلك فرقا موسيقية تتكون من عازفين ومرددين، وتتعامل مع الشعراء والملحنين والمطربين والمطربات في تسجيل الأغاني والقصائد التراثية والحديثة بما يساعدها على تغطية مساحات البث اليومي وفق الأغراض المتعددة والمتنوعة سواء كانت وطنية أو دينية أو اجتماعية أو صباحية أو غيرها، وقد كانت إذاعة الكويت من أبرز تلك الإذاعات ما جعلها تمتلك رصيدا كبيرا من الأعمال الغنائية.
وتميزت تجربة عبدالقادر بالثراء والاتساع من حيث المضامين والألوان الموسيقية والشعرية، وذلك نتيجة تعاونه مع شعراء وملحنين من مختلف الأجيال والتجارب والمدارس الفنية، ووجد حظوة مهمة لدى صانعي الأغنية السعودية وخاصة الشعراء خالد الفيصل وفهد بن خالد وسعود البندر وفيصل بن سلطان والملحنين كعبدالرب إدريس وطلال مداح، ليصبح بذلك أحد علامات الطرب الأصيل وعناوينه في الجزيرة العربية.
في العام 1988 صدرت أغنية "أجرّ الصوت" كلمات عبداللطيف البناي وألحان أنور عبدالله ضمن ألبوم تحول اسمه وهو "الصوت الجريح" إلى لقب فني لصاحبه، فبات اسم عبدالكريم عبدالقادر مرتبطا بالصوت الجريح، وكذلك بعدد من المميزات التي جعلته حالة مختلفة في الغناء الخليجي، ومنها ميله إلى التصوير الغنائي للمعنى من خلال قدراته الصوتية الواسعة، وتركيزه على الأداء الفني دون ركض خلف النجومية حتى أنها كانت تطرق بابه دون أن يسعى إليها، وكذلك من حيث زهده في الحفلات الفنية واكتفائه في أغلب الأحيان بتسجيلات الأستوديو، كما كان بعيدا عن ضوضاء المعارك الفنية وجلبتها والحملات الإعلامية وعن ضجيج المهرجانات والجلسات الغنائية، حتى أنه مطرب الهدوء الذي يلجأ إليه الباحثون عن السكينة وأصحاب الذوق الرفيع والمقامات العالية إنسانيا وثقافيا واجتماعيا.
رحل عبدالكريم عبدالقادر عن دنيانا.. وسيبقى للصوت الجريح صداه في أركان الحياة والوجود عنوانا للبقاء ورمزا للخلود.