الصراع حول مدنية الدولة وأسلمتها يحول دون إقرار تعديلات المحكمة الاتحادية العراقية

اعتراضات شديدة على إقحام فقهاء الشريعة في تركيبة المحكمة.
الأربعاء 2021/03/17
جدال يؤجل حسم التعديلات

بغداد - أخفق البرلمان العراقي مساء الثلاثاء في إقرار تعديلات على قانون المحكمة الاتحادية العليا، في ظل خلافات مستمرة بين القوى السياسية حول ثلاث مواد أساسية، من بينها مادة ترسخ السمة الدينية للدولة العراقية وتبعدها عن المدنية وتفتح بابا آخر للتشدّد والطائفية، فضلا عن تكريس هيمنة مكوّن بعينه على باقي المكوّنات.

وهذه هي المرة الثانية التي يعجز فيها البرلمان عن إقرار تلك التعديلات، حيث رفض النواب التصويت عليها في جلسة 8 مارس الجاري.

وقال ظافر العاني عضو البرلمان عن كتلة تحالف القوى العراقية (40 نائبا من أصل 329) عبر تويتر، إن "البرلمان عجز عن إكمال النصاب القانوني بحضور ثلثي أعضاء البرلمان، لإقرار تعديلات قانون المحكمة الاتحادية".

ورفض نواب الحزب الديمقراطي الكردستاني التصويت على المواد الخلافية، وغادر بعضهم الجلسة ليضمنوا عدم تمريرها.

ومن المقرر أن يعقد البرلمان جلسة الخميس لاستكمال التصويت على التعديلات، التي يتطلب كل منها تأييد ثلثي الأعضاء لتمريرها.

ويتمحور الخلاف حول المادة الثانية التي تحدد تشكيلة أعضاء المحكمة الاتحادية ما بين خبراء القانون والقضاة وخبراء الفقه الإسلامي، والمادة الثالثة التي تختص بشرح طبيعة الترشيح والموافقة على المرشحين من قبل الرئاسات الأربع في البلاد، والمادة الـ12 التي تتعلق بالتئام المحكمة والتصويت بين الأعضاء فيها على أن تكون الأولوية لرأي خبراء الفقه الإسلامي، مقدمين على القضاة.

ويعني ترشيح رجال دين لعضوية الهيئة القضائية للمحكمة منح سلطة فعلية لهؤلاء في عملية صياغة القوانين ومطابقتها مع الشريعة الإسلامية، وفق قراءاتهم التي لا يمكن أن تكون إلاّ متأثرة بمشاربهم وانتماءاتهم بما في ذلك الطائفية منها.

ويرى محللون أن المتحمسين لمقترح إضافة رجلي دين شيعي وسني إلى فريق المحكمة الاتحادية على أساس أنه لا تتقاطع التشريعات مع ثوابت الدين الإسلامي، غاب عنهم أن القضاة العراقيين يمتلكون تكوينا في الفقه الإسلامي وتشريعاته، وبالتالي لن يسمحوا بمرور أي تشريع يتقاطع مع الشريعة الإسلامية.

ويؤكد هؤلاء أن مقترحات تعديل قانون المحكمة الاتحادية هي محاولة لتدمير الدولة المدنية وتحويلها إلى جمهورية إسلامية على غرار إيران وباكستان، وهو ما قد يضع بقية المكونات العراقية الأصيلة، وخصوصا المسيحيين، تحت ضغوط قد تجبرها على مغادرة بلدها.    

وتحاول بعض الأحزاب الإسلامية في البرلمان العراقي تمرير مادة توجب اشتراك فقهاء إسلاميين في هيئة المحكمة المكونة من 11 عضوا بشكل يسمح لهم بالتصويت على مشاريع القوانين.

ويواجه نواب آخرون في البرلمان تلك المحاولات بشراسة، مثل النائب في البرلمان العراقي أحمد الجبوري الذي قال في تغريدة مساء الثلاثاء "لم ندخل الجلسة لإكمال قانون المحكمة الاتحادية التي تؤسس لإدخال ممثلي الأحزاب في عضوية المحكمة تحت عنوان الفقهاء والخبراء، ونؤكد الإبقاء على القضاة فقط في تكوين المحكمة الاتحادية".

وأضاف في تغريدة أخرى "أعضاء المحكمة الاتحادية الذين سيتم اختيارهم من مجلس القضاء هم من القضاة العراقيين الذين هم أصلا يمثلون أطياف الشعب العراقي كافة ومعلوماتهم في أديانهم ومذاهبهم لا تقل عن فقهاء الشريعة الذين سترشحهم الأحزاب. لذلك لا داعي لوجود فقهاء أصلا. فكيف يكون لهم حق التصويت!".

وأكد السياسي العراقي جاسم الحلفي لموقع "السومرية نيوز" ضرورة "أن تكون الدولة مدنية للجميع"، مبينا أن هذه الفقرة "لا تعزز التنوع الذي يريده الشعب ولا تؤمن المساواة، وإنما تؤكد الانقسام وهو أمر مرفوض".

وطالب عدد من النواب العراقيين المجتمع الدولي بالتدخل حفاظا على "مدنية القانون"، بما يمنع من تجاهل حقوق الكثير من الشرائح المجتمعية.

وقال خمسة نواب عراقيين في بيان مشترك إن "قانون المحكمة الاتحادية العليا أثار جدلا كبيرا في الأوساط البرلمانية والمدنية والحقوقية، وقد يؤدي تمريره إلى خلق إشكاليات جديدة تؤثر على التماسك المجتمعي في البلاد وتفرض إرادة الأغلبية على الآخرين".

وأوضح النواب الخمسة وهم أسوان الكلداني، هوشيار قرداخ، ريحانة حنا أيوب، بيدء السلمان ونوفل الناشئ، "لقد قدمنا اعتراضنا على تشريع هذا القانون كونه يؤسس لدولة دينية على حساب جميع أطياف العراق".

وتساءل النواب عن طريقة اختيار قضاة المحكمة قائلين "ألا يجب أن يكون اختيار قضاة المحكمة الاتحادية من الأشخاص الذين يمتلكون كافة مؤهلات النزاهة والمهنية والكفاءة، ويمثلون بذات الوقت كافة أطياف الشعب العراقي، وبما يراعي التعددية والتنوع الديني والقومي أم أن سياسة الإقصاء وتهميش الآخريـن لا تـزال موجـودة؟".

وطالب البيان البرلمان العراقي بعدم الموافقة على قانون المحكمة الاتحادية أو التصويت عليه، مشيرا إلى أن "بعض مواده تتنافى مع ما تضمنه الدستور العراقي في احترام التنوع الديني والقومي الموجود في البلاد".

ونظم محتجون من محافظة كربلاء الأحد وقفة احتجاجية ضد تمرير مشروع قانون المحكمة الاتحادية في البرلمان العراقي، معتبرين أن القانون يحتوي نصوصا "تضمن ترسيخ المحاصصة والطائفية".

والمحكمة الاتحادية العليا هي أعلى محكمة في العراق، تختص في الفصل في النزاعات الدستورية. وأنشئت بالقانون رقم 30 لعام 2005 وفق المادة الـ93 من الدستور. وتعد قراراتها ملزمة للسلطات كافة. وهي مستقلة بشكل كامل عن القضاء العادي ولا يوجد أي ارتباط بينهما، ومقرها في بغداد، وتتكوّن من رئيس وثمانية أعضاء.

ويهدف تعديل قانون المحكمة الاتحادية العليا إلى إكمال نصابها، بعد بلوغ أحد أعضائها السن القانونية للتقاعد قبل أكثر من عام ونصف العام.

ولا تكون نتائج الانتخابات قطعية ونهائية ما لم تصادق عليها هذه المحكمة بكامل هيئتها، وهو ما لا يمكن تحقيقه الآن وهي منقوصة العدد.
ومن المقرر أن يجري العراق انتخابات برلمانية مبكرة في 10 أكتوبر المقبل، وهي أحد مطالب احتجاجات شعبية مستمرة منذ الشهر نفسه عام 2019.