الصراعات الإثنية تعرقل مساعي الإصلاحات في إثيوبيا

عادت أعمال العنف العرقية لتلقي بظلالها على الاستقرار في إثيوبيا بعد فسحة من الأمل وهبها رئيس الوزراء الجديد أبي أحمد للإثيوبيين، غداة تسلمه السلطة في أبريل الماضي وإعلانه برامج إصلاحية وتنموية طموحة دعمتها دول خليجية وغربية، فيما مضى أبي بسرعة في توقيع اتفاق سلام تاريخي مع إريتريا سيكون له تأثير مباشر على استقرار الداخل
أديس أبابا – لا تزال الصراعات الإثنية تعصف باستقرار إثيوبيا وتقف عقبة أمام الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الجريئة التي أعلن عنها رئيس الوزراء الجديد أبي أحمد عقب تسلمه للسلطة، على رغم التأييد الشعبي لمساعيه، ففيما تبدو مساعي أبي الإصلاحية متعثرة إلا أن توصله لاتفاق سلام تاريخي مع إريتريا بشكل سريع قد يلقي بظلاله على تحديات الداخل.
وعندما تسلم رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد أبي أحمد السلطة في أبريل الماضي وعد الجميع بأيام أفضل، لكن أعمال العنف بين المجموعات الإثنية في هذا البلد تشكل تحديا كبيرا للإصلاحات التي يريد القيام بها.
ورقص بيداسو بورا في الشوارع مع جيرانه في منطقة جنوب إثيوبيا إثر تسلم أبي السلطة، لكنه اضطر بعد بضعة أسابيع إلى الهرب مع مئات الآلاف من أقلية الجيدو الإثنية أمام جيرانهم من الأورومو الذين طردوهم بوحشية من مزارعهم.
ويقول بيداسو الذي أُجبر على الفرار إلى مخيم في كيرشا، على بعد 400 كلم جنوب أديس أبابا “رأيت المنازل تحترق والناس يرشقون الحجارة”.
وأدت أسابيع من أعمال العنف بين إثنيتي الأورومو والجيدو بعد تنصيب أبي مباشرة، إلى النزوح القسري لقرابة مليون شخص ما أسفر عن حالة طوارئ إنسانية تبذل المنظمات غير الحكومية جهودا لتلبية احتياجاتها، ولم تنجح دعوات السلطات في إخمادها.
وإذا كانت طموحات أبي الإصلاحية تزيد من شعبيته، يعرب محللون عن الخشية إزاء أن تؤدي وتيرة التغيير إلى تفاقم العداوات الإثنية القديمة، على غرار ما يحدث بين الأورومو والجيدو.
ويقول المحلل السياسي الإثيوبي هللويا لولي إن “السرعة التي يحصل فيها التغيير في إثيوبيا ومدى نطاقه شبيهان بالثورة”، مضيفا “عندما يعتقد الناس أن هناك فراغا في السلطة، فإنهم يحاولون اغتنام الفرصة للدفاع عن مصالحهم، أعتقد أن هذا هو مصدر العنف”.
وبعد توليها السلطة في 1991، قسم ائتلاف الجبهة الثورية الشعبية الإثيوبية البلاد إلى تسع مناطق إدارية وفقا لنظام فيدرالية الإثنيات، حيث كانت الحدود خلال الأشهر الأخيرة في قلب النزاعات العنيفة على الأراضي.
وفي العام 2017، أدى التوتر المستمر حول ملكية الأراضي الصالحة للزراعة بين الأورومو وجيرانهم من إثنية الصومالي في الجنوب الشرقي إلى تصاعد أعمال العنف التي اوقعت المئات من القتلى وأسفرت عن نزوح نحو 1.1 مليون شخص.
وهناك احتكاكات مماثلة بين الأورومو المجموعة الإثنية الرئيسية في إثيوبيا ولديهم منطقتهم الخاصة، وشعب الجيدو الذي ينتمي إلى منطقة أمم وقوميات وشعوب الجنوب.
ويمارس العديد من إثنية الجيدو زراعة القهوة في منطقة الأورومو، في أماكن مثل كيرشا، ويقولون إنهم ضحايا التمييز من قبل سلطات الأورومو، حيث أثارت مسألة قيام اتنية الجيدو برفع رسالة شكوى تتعلق بمسألة الأراضي إلى الإدارة الإقليمية أعمال العنف.
وهاجم ناس مسلحون بالحجارة والمناجل شيفيراو جيديشو، وهو مزارع قهوة من إثنية جيدو قرب كيرشا، بعد مهاجمة قريته وأبلغوه “إنها ليست منطقتك، هذا ليس بلدك، يجب أن تغادر”، وردا على ذلك استهدف مجموعة من الجيدو الأورومو.
ويقول لوشو بيداشو، وهو من الأورومو فر إلى مخيم للنازحين بعد مقتل ابن أخيه البالغ من العمر 21 عاما لدى عودته من المدرسة “ليست لدينا مشكلة مع الجيدو، لكنهم وصلوا لمهاجمتنا وقتلوا أبناءنا وبناتنا”، حيث تقدر المنظمة الدولية للهجرة أن عدد النازحين في منطقة اتنية الجيدو بلغ 820 ألفا و150 ألفا في منطقة غوجي الغربية، في منطقة الأورومو.
وخلال الأشهر الأربعة الأولى من توليه السلطة، نال أبي، وهو من الأورومو، ثقة الإثيوبيين عبر جولاته في البلاد لتعزيز الوحدة وانتقاده الأساليب الوحشية في تطبيق القانون في الكثير من الأحيان، لكن خطاب التهدئة هذا لم يمنع اندلاع أعمال العنف بين الإثنيات في البلاد.
وإذا كانت الأزمة الأخطر هي بين مجموعتي الجيدو والأورومو، فإن اشتباكات أخرى اندلعت بين المجموعات في الأسابيع الأخيرة في مدينة أسوسا، غربا، وعاصمة منطقة الصومال جيغيغا شرقا.
واتهم رئيس الوزراء الإثيوبي من وصفهم بالأطراف القديمة بالوقوف وراء موجة العنف التي تشهدها البلاد قائلا “هناك جهات مازالت لم تتغير وتسعى إلى إشعال وتوسيع دائرة النزاعات القبلية في أقاليم أروميا وأمهرا وجنوب إثيوبيا والصومال الإثيوبي”.
ووصل أبي إلى السلطة بعد عامين من الاحتجاجات المناهضة للحكومة، ومنذ ذلك الوقت بدأ التواصل مع المحتجين، فيما أعرب دبلوماسي غربي في أديس أبابا عن اعتقاده أن لياقة رئيس الوزراء ربما تشجع البعض على تسوية حساباتهم بطريقة عنيفة.
ورغم وتيرة النمو الاقتصادي المتسارعة في إثيوبيا إلا أنها لا تزال فقيرة جدا ولا تزال نسبة البطالة فيها مرتفعة، حيث وعد أبي بإصلاحات جذرية وأنجز حقائق على الأرض بالفعل حيث أمر بالإفراج عن المئات من المعتقلين السياسيين وأنهى حالة الطوارئ وأعلن بيع أجزاء من شركات مملوكة للدولة وأبرم سلاما تاريخيا مع الجارة إريتريا، العدو اللدود.
ويرى محللون أن الانفتاح الإثيوبي على إريتريا أحد أهم الإصلاحات التي وعد بها أبي والتي سيكون لها انعكاس في القريب العاجل على الداخل الإثيوبي والمنطقة بأسرها.
ويقول برون واين بروتون من مركز أتلانتيك للدراسات السياسية إن إبرام السلام مع إريتريا يمثل خطوة رائعة لتحسين صورته حيث استطاع من خلالها تعزيز درجة شعبيته ومركزه، غير أن الهجوم الذي تعرض له تجمع لمؤيدي أبي قبل شهر يدل على أنه ليس كل الإثيوبيين يؤيدون سياسته وتوجهاته، خاصة الحرس القديم الذي فقد قدرا من سلطته.