الصديق الكبير يقاضي الرئاسي الليبي دون صدى للمبادرة الأممية

طرابلس - قرر محافظ المصرف المركزي الليبي المكلف من مجلس النواب الصديق الكبير مقاضاة رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي، على خلفية تغيير مجلس الإدارة، في وقت لا تزال مبادرة البعثة الأممية لإنهاء أزمة المصرف والتي انجر عنها غلق منشئات النفط تراوح مكانها.
ووصف الكبير في بلاغ قدمه للنائب العام الصديق الصور قرار المجلس الرئاسي الذي رفضه مجلس النواب والاعلى للدولة بأنه "سوء تصرف وإضرارًا بمصالح الإدارة العامة".
وحمّل الكبير، المجلس الرئاسي المسؤولية عما ترتب على قراري تعيين محافظ للمصرف المركزي وتغيير مجلس إدارة، معتبرا ذلك "جرائم ترقى إلى الجنايات"، جراء "اعتداء على موظفي المصرف بالخطف والتهديد بالإخفاء والمنع من السفر وبث الرعب والتزوير والاعتداء على النطاق الإلكتروني للمصرف وانتحال الصفات وإتلاف بعض محتويات المصرف".
وتعيش العاصمة طرابلس على صفيح ساخن مع ظهور نذر المواجهات المسلحة بين القوى الميدانية ذات الولاءات المتناقضة، بعد قرار المجلس الرئاسي الإطاحة بالكبير وتكليف محمد الشكري بدلا منه وهو ما رفضه مجلس النواب والاعلى للدولة.
واتسعت دائرة الأزمة بالإعلان عن قيام عناصر مسلحة مجهولة بخطف مدير مكتب محافظ مصرف ليبيا المركزي راسم النجار وثلاثة موظفين بالمصرف، وبظهور حالة احتقان بين الجماعات المسلحة في طرابلس ومصراتة والزاوية، واستمرار إغلاق معبر رأس جدير الحدودي مع تونس من قبل ميليشيات محلية.
وأشار الكبير في الشكوى إلى القرار رقم 147 لسنة 2011 الصادر عن المجلس الوطني الانتقالي الموقت، والذي كان يمثل السلطة التشريعية في ليبيا بموجب نص المادة 17 من الإعلان الدستوري، والمتعلق بتكليفه محافظا لمصرف ليبيا المركزي.
كما لفت إلى استمراره في مباشرة مهام عمله حتى صدور القرارين رقمي 22/21 لسنة 2024، الأول يتعلق بتسمية محمد الشكري محافظا لمصرف ليبيا المركزي، والثاني يتعلق بإعادة تشكيل مجلس إدارة المصرف، معتبرًا أن القرارين يمثلان "سابقة خطيرة وانتهاكاً صارخاً لأحكام القانون".
وأكد أن "مصرف ليبيا المركزي، وفق قانون المصارف، هو مؤسسة عامة تتبع السلطة التشريعية، وأن الاختصاص بتبعية محافظه ومجلس إدارته اختصاص أصيل للسلطة التشريعية".
وأوضح أن قراري الرئاسي الليبي يندرج تحت "جريمة استعمال سلطات الوظيفة لنفع الغير أو الإضرار به" منتقدا "دخول المصرف عنوة من قبل المكلفين بإدارة المصرف تحت مسمى لجنة التسليم والاستلام".
وقال إن تلك الخطوة أدت إلى "زعزعة الأمن والاستقرار، وبثت الرعب في نفوس الليبيين" مشددا على أن رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي "شركاء في كل الجرائم بالتحريض والاتفاق".
وأرسل الكبير نسخة من الشكوى إلى رؤساء مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة والمحكمة العليا والمجلس الأعلى للقضاء.
وجاء هذا البلاغ في وقت يتمدّد الشلل المصرفي مع استمرار غلق المنشآت النفطية، في ظل عمليات شد حبال بين المجلس الرئاسي ومن خلفه حكومة الوحدة الوطنية، وبين باقي الفرقاء الرافضين لقرار حل الإدارة الحالية للمصرف.
كما جاء أيضا في ظل عدم استجابة الأطراف الليبية الرئيسية المعنية بأزمة المصرف المركزي، لدعوة البعثة الأممية التي تضمّنت مطالبة بـ"تعليق العمل بكل القرارات الأحادية المتعلقة بمصرف ليبيا المركزي"، و"الرفع الفوري للقوة القاهرة عن حقول النفط والكفّ عن إقحام مصدر الدخل الرئيسي للبلاد في الصراعات السياسية".
ويستمر الغموض حول مصير إدارة المصرف المركزي وسط مؤشرات على أن الوضع ذاهب إلى المزيد من التصعيد، رغم الدعم الذي لقيته مبادرة الأممية من الولايات المتحدة ومجلس الأمن الدولي الذي دعا اليوم الخميس، جميع القادة والمؤسسات السياسية والاقتصادية والأمنية الليبية إلى "تهدئة التوترات، والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها أو أي تدابير اقتصادية تهدف إلى ممارسة الضغط"، والتوصل إلى "حل توافقي" للأزمة المتعلقة بالمصرف المركزي.
ويبدو أن الخوف من فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات على الأطراف الليبية دفعت المجلس الرئاسي يتخلى عن تعنته، ليعلن اليوم الخميس عن ترحيبه ببيان مجلس الأمن بشأن الوضع في ليبيا، وجدد دعوته لرئيس مجلس النواب لإعادة النظر في قراره بإيقاف العمل بالاتفاق السياسي من جانب واحد، ومعالجة الآثار المترتبة على ذلك.
وقال رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، في تغريدة على حسابه بمنصة إكس الخميس "في إطار حرصنا على الوفاق الوطني والمصلحة العليا نعرب عن قبولنا لدعوة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا للمشاركة في حوار وطني لمعالجة مسألة المصرف المركزي".
كما أيد المنفي مواصلة العمل على ما تم إنجازه من قبل لجنة 6+6، موضحا أن اللجوء إلى خيار استشارة الشعب بشأن المواد الخلافية المتبقية في قوانين الانتخابات يمثل وسيلة للوصول إلى توافق وطني.
وكان أعضاء مجلس الأمن أعربوا عن قلقهم إزاء التطورات والتوترات الأخيرة في ليبيا، ودعوا الأطراف الفاعلة والمؤسسات الليبية إلى الامتناع بشكل عاجل عن اتخاذ أي إجراءات أحادية الجانب من شأنها أن تزيد من التوترات وتقوض الثقة وتعزز الانقسامات المؤسسية والخلافات بين الليبيين.
وأكد الأعضاء دعمهم الكامل لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لمواصلة تنفيذ ولايتها، بما في ذلك ما تقوم به من عمل لتهدئة التوترات والحفاظ على الاستقرار وتعزيز الثقة بين الأطراف الرئيسية، وأكدوا دعمهم للأمين العام في تعيين ممثل خاص جديد لليبيا وضرورة القيام بذلك في أقرب وقت ممكن.
ولم يعلق مجلس النواب عن بيان مجلس الأمن الدولي، لكن رئيسه عقيلة صالح قال في وقت سابق في رد ضمني على دعوة البعثة لاجتماع حول أزمة المصرف، إن "أي تسوية سياسية لا تضمن حقوق الأقاليم في الثروة مرفوضة، للمحافظة على مسيرة الإعمار والتنمية، وتحقيق العدالة بين الليبيين".
وطالب النائب العام "بتحريك دعوى جنائية" ضد المجلس الرئاسي، متهما المجلس بارتكاب "فعل اقتحام المصرف المركزي".
ويرى مراقبون أن ظروف الصراع القائم بين الأطراف، لن تساعد البعثة الأممية على عقد لقاء قريب، مشيرين إلى أن البعثة نفسها تدرك ذلك، فصيغة الدعوة العمومية للاجتماع تعكس صعوبة تحديدها الأطراف المدعوة.
ويعتقد مراقبون أن عمومية الدعوة ستزيد من التعقيد، فلا ريب أن المعنيين بقضية المصرف هما مجلسا النواب والدولة، لكونهما من الجهات السيادية وفقا للاتفاق السياسي، وظاهر الدعوة يعني أن المجلس الرئاسي غير معني بها.
ويعتقد المراقبون أن جهود البعثة الأممية لن تكون كافية لإجبار جميع الأطراف على القبول بأي لقاء للتفاوض، مشيرين إلى ضرورة وجود ضغوط دولية مباشرة لإخضاع الأطراف لاستئناف الحوار، لكن تحرك المجتمع الدولي يرتبط عندما تصبح الأوضاع تهدد مصالحه، خصوصا أن توقف الإنتاج النفطي الليبي لن يهدّد استقرار سوق النفط العالمية فهو لا يمثل نسبة كبيرة.