الصدر يقاطع الانتخابات البرلمانية بسبب الفساد والطائفية

مقتدى الصدر يتهم المنظومة الحالية بزج العراق وشعبه في محارق لا ناقة له فيها ولا جمل في إشارة للهيمنة الإيرانية على القرار الرسمي العراقي.
الجمعة 2025/03/28
الصدر يحذر من انهيار العراق

بغداد - أعلن زعيم التيار الوطني الشيعي مقتدى الصدر الخميس عن رفضه المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة مرجعا ذلك إلى تفشي الفساد في البلاد.
وأشار إلى أن العملية الانتخابية الحالية أصبحت مجرد "مسرحية" تهدف إلى تحقيق المصالح الطائفية والحزبية بعيدًا عن مصلحة الشعب العراقي محذرا من أن العراق "يعيش أنفاسه الأخيرة" نتيجة هيمنة القوى السياسية الفاسدة على مفاصل الدولة، خصوصاً تلك القوى التي تُتهم بالولاء لإيران.
وجاء قرار الصدر بالانسحاب من العملية الانتخابية في وقت حساس بالنسبة للعراق الذي يعاني من أزمة سياسية عميقة. فبالرغم من أن العراق شهد تحولات سياسية كبيرة منذ عام 2003، إلا أن الفساد المستشري في مختلف مؤسسات الدولة قد أصبح عقبة كبيرة أمام أي أمل في التغيير. ويأتي موقفه ليعكس حقيقة مريرة مفادها أن العملية السياسية في العراق لم تعد قادرة على تقديم حل جذري للمشكلات المزمنة، بل أصبحت أداة في يد القوى المتنفذة التي تهيمن على المشهد السياسي.
ويواصل مقتدى الصدر الذي سبق له أن أعلن في يونيو 2022 انسحابه من العملية السياسية ثم معارضته المطلقة لحكومة محمد شياع السوداني، تأكيد موقفه الرافض لمشاركة القوى السياسية المتهمة بالفساد في أي انتخابات جديدة. ففي تصريحه الأخير، أضاف الصدر أن العراق "يعيش أنفاسه الأخيرة" في ظل وجود "الدولة العميقة" وهيمنة قوى خارجية، في إشارة واضحة إلى النفوذ الإيراني في العراق.
وقال "ليكن في علم الجميع، ما دام الفساد موجودا فلن أشارك في أي عملية انتخابية عرجاء، لا هم لها إلا المصالح الطائفية والحزبية بعيدة كل البعد عن معاناة الشعب، وعما يدور في المنطقة من كوارث كان سببها الرئيس هو زج العراق وشعبه في محارق لا ناقة له بها ولا جمل".
وتابع "إنني ما زلت أعول على طاعة القواعد الشعبية لمحبين الصدرين في التيار الوطني الشيعي، ولذا فإني كما أمرتهم بالتصويت فاليوم أنهاهم اجمع من التصويت والترشيح ففيه إعانة على الإثم .. وسنبقى محبين للعراق ونفديه بالأرواح ولا نقصر في ذلك على الإطلاق".
وفي الواقع، فإن رفض مقتدى الصدر للمشاركة في الانتخابات القادمة يسلط الضوء على أزمة الثقة الكبيرة بين الشعب العراقي والطبقة السياسية الحاكمة. فبعد سنوات من الوعود بالإصلاحات ومحاربة الفساد، تبين أن معظم القوى السياسية الحاكمة في العراق، سواء كانت شيعية أو سنية أو كردية، قد فشلت في تلبية مطالب الشعب. بل إن الكثير من هذه القوى متهمة بتورطها في قضايا فساد ضخمة، فضلاً عن ارتباطاتها الوثيقة بالدول الأجنبية، وعلى رأسها إيران، مما يضعف من قدرة العراق على اتخاذ قراراته السيادية المستقلة.
وقد دعا زعيم التيار الصدري في أكثر من مناسبة إلى ضرورة "إصلاح" النظام السياسي، وأن يكون هناك تمثيل حقيقي للشارع العراقي بعيدا عن المصالح الحزبية والطائفية. إلا أن الرد من القوى السياسية كان دائمًا إما بالتجاهل أو بإجراءات سطحية لا تحقق تغييرًا حقيقيًا. فرفضه للانتخابات لا يمثل فقط موقفًا شخصيًا، بل هو تعبير عن إحباط العديد من العراقيين الذين فقدوا الأمل في النظام السياسي الحالي.
وموقف الصدر ليس بالأمر الجديد على الساحة العراقية، حيث كان قد قاد في وقت سابق العديد من الاحتجاجات الشعبية ضد الفساد والطائفية، ودعا إلى تشكيل حكومة تكنوقراط بعيدة عن الولاءات الحزبية والطائفية. ولكن قراره بالمقاطعة بعد فترة وصفت بالتردد والتلميح يتجاوز الجانب الشخصي ليتحول إلى رسالة قوية ضد النظام القائم.
من ناحية أخرى، فإن القرار يأتي أيضًا نتيجة للوضع الحالي في العراق، حيث تسيطر القوى السياسية الكبرى على البرلمان والحكومة، وهو ما يجعل من الصعب تحقيق أي تغيير حقيقي. فإصلاح النظام الانتخابي أو تحسين المؤسسات الحكومية يحتاج إلى تغيير جذري في القوى الحاكمة، وهو أمر يبدو بعيد المنال في ظل الوضع الراهن.
ويعد النفوذ الإيراني في العراق من العوامل الأساسية التي تؤثر على السياسة العراقية بشكل عام. منذ عام 2003، أصبحت إيران لاعبًا رئيسيًا في الشؤون العراقية، خاصة في مجال الأمن والسياسة. ويُتهم العديد من السياسيين العراقيين بالولاء لطهران، مما يعزز الانقسام الطائفي ويعيق أي محاولة حقيقية لتحقيق سيادة عراقية مستقلة.
ويعزز هذا النفوذ من ضعف العراق داخليًا، حيث تسيطر القوى السياسية المدعومة من إيران على العديد من القرارات السياسية والاقتصادية. ويعقد هذا الواقع المساعي لإجراء إصلاحات حقيقية في النظام السياسي العراقي، وهو ما يجعل موقف الصدر أكثر تعقيدًا، حيث يرى أن استمرار الوضع الراهن يعني استمرار الهيمنة الإيرانية على العراق.
ومع رفض مقتدى الصدر المشاركة في الانتخابات المقبلة، تزداد المخاوف من تفاقم الفراغ السياسي في العراق. الصدر، الذي كان في وقت سابق أحد اللاعبين الرئيسيين في السياسة العراقية، يضع الآن نفسه في معارضة مباشرة للنظام القائم. ويبدو أن العراقيين قد يجدون أنفسهم مرة أخرى في مواجهة مع القوى السياسية التي فقدت شرعيتها بسبب فسادها وعجزها عن معالجة المشاكل الأساسية.
إن ما يقدمه الصدر اليوم هو موقف يعكس عمق الأزمة السياسية في العراق، فرفضه المشاركة في الانتخابات يُظهر حالة من الجمود في العملية السياسية التي لا يبدو أنها ستتمكن من تقديم حلول فعالة للشعب العراقي في المستقبل القريب.