الصدر يعتزل الناس احتجاجا على محاولة أتباعه إثارة فتنة في العراق

بغداد - قرر زعيم التيار الوطني الشيعي مقتدى الصدر، اليوم الثلاثاء اعتزال الناس احتجاجا على تصرفات عناصر في سرايا السلام الجناح العسكري لتياره لإثارة الفتنة في العراق، إثر تعمدهم تخريب وتمزيق جدارية لصور قادة ما يسمى "بمحور المقاومة" عقب الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد.
وقال مهند الاسدي، المقرب من الصدر في منشور على حسابه على فيسبوك إن "الصدر، قرر الاعتزال عن الناس بسبب حدث يوم أمس (الاثنين) وأشباهه".
وأضاف ان "دوافع هذا القرار جاءت بسبب شعور سماحته بأن الناس لا تزال إلى هذه اللحظة تنجر خلف مخططات الغرب والفاسدين بعيدةً عن ذوقـه وتوّجهاته وتعليماته المباركة".
والاثنين، طردت سرايا السلام ستة من منتسبيها لـ"مخالفتهم التعليمات"، فيما أعلنت تسليمهم فيما بعد إلى القوات الأمنية، بعد أن قاموا بتمزيق وتخريب جدارية تحمل صور أبومهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، وحسن نصرالله الأمين العام السابق لحزب الله اللبناني، وقاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني في مدينة الشعلة ببغداد.
وكان صالح محمد العراقي وزير زعيم التيار الوطني الشيعي قد حذر من محاولات لنشر الفتنة في العراق، فيما شدد على ضرورة الحفاظ على البلد وسمعته.
وقال العراقي في منشور على منصة إكس الاثنين إن "في العراق من سيحاول نشر الفتنة وزعزعة الأمن وفق أهوائه وشهواته ومصالحه من الداخل والخارج على حدّ سواء"، لافتاً إلى أنهم "من داخل التيار الوطني الشيعي، وممن اندسّوا فيه زورا وبهتانا ومن خارجه بطريق أولى".
وشدد على ضرورة الحفاظ على العراق ومقدساته وسمعته، مردفاً "هناك من يتربص بعراقنا السوء فلا تعينوه على ذلك لا بقول ولا بفعل ولا أي شيء على الإطلاق".
وتابع "وكل من يفعل ذلك فأنا منه براء بل وكل العراقيين منه براء"، داعياً إلى "الاستغفار والصيام وتعزيز العلاقات الاجتماعية لا السياسية مع كل طوائف الشعب وكل فئاته مما يرضي الله ورسله وأهل بيته وضمن نطاق ثوابتنا الإصلاحية".
وليست هذه المرة الأولى التي يظهر فيها الصدر غاضبا من أتباعه، فقد سبق أن تبرأ في بيان نشره صالح محمد العراقي في أكتوبر الماضي "من كل من يستخدم السلاح ضد العراقيين" إثر هجوم مسلح على منزل إمام جمعة النجف الشيخ صدرالدين القبانجي تسبب إصابة أحد حراسه.
كما دعا أتباعه وأنصاره في مايو الماضي إلى عدم الاعتداء واستخدام العنف في الرد على من يسيء إليه وإلى والده المرجع الديني محمد صادق الصدر، متوعدا باستخدام القانون والأعراف العشائرية والتصعيد الإعلامي ضد من يمسه أو يمس تياره، بعد مقتل اثنين من سرايا السلام وإصابة 7 أشخاص، بينهم شرطي، خلال اشتباكات مسلحة شهدتها منطقة العبيدي شرقي العاصمة بغداد على خلفية تعليق نشره عضو بحركة "أنصار الله الأوفياء" على منصة فيسبوك اعتبره الصدريون مسيئا للصدر ووالده.
وقرار الصدر اعتزال الناس سبقه اعتزال السياسة في العام 2022 إثر الاشتباكات على أبواب المنطقة الخضراء، بعد أن فشلت مساعيه مع حلفاءه في "تشكيل حكومة أغلبية".
لكن الصدر بدأ منذ فترة ليست بالقصيرة بالتمهيد لعودته إلى المشهد السياسي، كانت آخرها الأحد حيث دعا السوريين إلى إجراء حوار وطني شامل يفضي لتشكيل حكومة ديمقراطية.
وقال الصدر في بيان على منصة إكس، أنه "بعد سقوط حكم دام أكثر من خمسين عاما على يد الشعب بكل طوائفه في سوريا الحبيبة، فإننا اليوم نترقب لحوار وطني شامل لتشكيل حكومة ديمقراطية تجمع كل طوائف الشعب بلا تشدّد أو حكم العسكر أو إقصاء، لتعيش الجارة سوريا بأمن وأمان بعيدة عن كل إرهاب داعشي أو دكتاتورية بغيضة أو تدخل خارجي أميركي أو إسرائيلي أو غيره. ونحن في العراق شعباً".
وأضاف الصدر "نأمل ونتطلع لعلاقات متوازنة بين الشعبين الشقيقين تحت عنوان الإسلام والعروبة والإنسانية فمصيرنا واحد ولن نسمح للعدو بتفرقتنا بعنوان الطائفية أو الخلافات السياسية أو القومية".
وكان الصدر قد دعا الخميس إلى عدم التدخّل في الأحداث الجارية بسوريا ما يكشف عن تكتيك سياسي ذو علاقة بعملية التسويق لصورته لا كزعيم ديني فحسب، ولكن كرجل دولة مؤهّل للحلول محلّ كبار قادة الأحزاب والفصائل الشيعية المسلّحة الذين يدرك الصدر نقمة جزء كبير من الرأي العام عليهم وعلى حليفتهم إيران.
ويجمع بين الزعامة الدينية وقيادة ميليشيا تحمل اسم سرايا السلام، في مظهر رجل الدولة العقلاني، ما يجعل دعوته موجهة أيضا إلى الخارج فضلا عن توجهها إلى رأي عام عراقي، وشيعي تحديدا، ويعرف زعيم التيار مدى نقمته على إيران وأتباعها من قادة أحزاب وميليشيات وسبق أن عبّر عنها المتظاهرون في الشوارع خلال انتفاضة أكتوبر التي اندلعت قبل نحو خمس سنوات في معاقل شيعة العراق بوسط البلاد وجنوبها ورُفعت خلالها شعارات من قبيل "بغداد حرّة إيران على برّة".
ويرى الصدر في الناقمين على إيران وسياساتها في العراق والمتضرّرين بشدّة من تجربة الحكم التي تصدرها أتباعها، قاعدَتَه الجماهيرية وخزّانه الانتخابي الذي يمكن أن يرفعه إلى سدّة الحكم خلال الانتخابات البرلمانية القادمة المقررة لسنة 2025 والتي يبدو أنّه شرع في التحضير للمشاركة فيها والتراجع عن قرار مقاطعته الحياة السياسية الذي سبق أن اتّخذه بعد أن حُرم على يد الأحزاب والميليشيات المنضوية ضمن الإطار التنسيقي الشيعي من امتياز تشكيل الحكومة بعد أن حققت الكتلة الصدرية نتائج تؤهّلها لقيادة السلطة التنفيذية خلال الانتخابات البرلمانية التي أجريت سنة 2021.