الصدر يصر على عزوفه الانتخابي: لا أثر للمقاطعة دون تحديث

بغداد - يبدو أن زعيم التيار الوطني الشيعي مقتدى الصدر يمضي قدما في قرار مقاطعة الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في نوفمبر 2025، متجاهلا محاولات بعض الكتل السياسية لثنيه عن ذلك، إذ أصدر السبت، توجيها جديدا لأنصاره يؤكد فيه على ضرورة تحديث سجلاتهم الانتخابية، حتى مع استمرار قرار المقاطعة.
وأوضح مكتب الصدر في بيان أن الأخير اطلع على نشاطات "سرايا السلام" بشأن تحديث بطاقات الناخبين في عدد من المحافظات.
وشدد الصدر في معرض تعليقه على ضرورة التأكيد على التحديث حتى في حال المقاطعة قائلا "أكّدوا على ضرورة التحديث حتى في حال مقاطعة الانتخابات وعدم الاشتراك فيها.. فمن قاطع ولم يحدّث فلا أثر لمقاطعته".
يأتي هذا التوجيه بعد يومين من تحديد مجلس الوزراء العراقي يوم 11 نوفمبر 2025 موعدًا للانتخابات التشريعية، وسط انقسام داخل الإطار التنسيقي الحاكم حول تعديل قانون الانتخابات.
وفي خطوة مفاجئة، بادر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى تحديد موعد الانتخابات مبكرا جدًا، قبل سبعة أشهر من الموعد القانوني الذي ينص على تحديده قبل 90 يومًا.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة الاستباقية تهدف إلى قطع الطريق على أي محاولات لتأجيل الانتخابات أو المزايدات السياسية المحتملة، خاصة بعد تسرب مقترحات بتشكيل حكومة طوارئ وتأجيل الاقتراع، الأمر الذي أثار ردود فعل سياسية قوية واتهامات للحكومة بمحاولة إطالة أمد بقاء السوداني في منصبه.
وكانت تقارير إعلامية محلية قد أشارت إلى مساعٍ حثيثة من أغلب الكتل السياسية لإرسال ممثلين إلى النجف بهدف إقناع الصدر بالتراجع عن قرار المقاطعة، إلا أن توجيهه الأخير يبدو أنه يحسم هذا الجدل.
وقد فتح إعلان الصدر عدم المشاركة في الانتخابات المقبلة الباب واسعًا أمام منافسة جديدة بين القوى السياسية للاستحواذ على المقاعد الـ 73 التي كان يشغلها تياره. وتشير التوقعات إلى أن معظم الأصوات التي كانت ستذهب للصدريين ستتجه إما إلى تحالف رئيس الوزراء السوداني أو إلى قوى سياسية ناشئة. ويرى مختصون أن هذا السيناريو قد يحرم قوى شيعية بارزة مثل ائتلاف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي من تحقيق مكاسب انتخابية كبيرة أو حتى الحفاظ على مقاعدها الحالية.
وفي المقابل، تسعى العديد من القوى الشيعية إلى تشجيع مشاركة أوسع في الانتخابات، بينما لم يبد الأكراد والسنة حماسا كبيرا لتغيير قانون الانتخابات الحالي.
وكشفت لجنة الأقاليم والمحافظات النيابية، الخميس، عن تقديم مشروع قانون في البرلمان لتعديل قانون الانتخابات، تمت احالته الى اللجنة القانونية النيابية للنظر به.
وقال عضو اللجنة احمد البدري لوكالة "شفق نيوز" الكردية العراقية، إن "هناك مشروعا لتعديل قانون الانتخابات قدم من قبل اعضاء مجلس النواب، وتمت إحالته من قبل رئاسة المجلس إلى اللجنة القانونية للنظر بهذا الطلب".
وأضاف ان "هناك انقساما داخل مجلس النواب بين الكتل السياسية، ولا سيما ان البعض مع الذهاب لتعديل قانون الانتخابات، وهناك كتل اخرى ترفض تعديل قانون الانتخابات والبقاء عليه كما هو".
وأشار الى ان "انتخابات مجلس النواب ستجرى في موعدها المحدد، كما تم تحديدها من قبل مجلس الوزراء"، مبينا ان "المفوضية العليا للانتخابات مستعدة لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد وفق القانون النافذ، وبذلك لن يكون هناك أي تعديل للقانون".
من جهته، شكك عضو تيار الحكمة فهد الجبوري في جدية مقاطعة الصدر، معتبرا أن "تغيرات سياسية كثيرة ستحصل خلال الفترة المقبلة، ولا يمكن الجزم من عدم مشاركة التيار الوطني الشيعي في الانتخابات المقبلة"، مؤكدًا على أهمية تمثيل التيار الصدري وقاعدته الجماهيرية في البرلمان والحكومة المقبلة.
ويرى مراقبون أن غياب التيار الصدري عن الانتخابات سيخلق فراغا سياسيا كبيرا داخل البيت الشيعي، مما يتيح لقوى أخرى فرصة لإعادة رسم خريطة التوازنات السياسية في العراق، خاصة في ظل التحديات الداخلية المعقدة التي يواجهها البلاد.
ويعتقد متابعون أن غياب التيار الصدري عن المنافسة الانتخابية القادمة، سيعيد تشكيل الخريطة السياسية في العراق على نحو غير مسبوق، لا سيما أن التيار كان يشكل ثقلاً نوعيًا داخل البرلمان، فضلاً عن تأثيره الشعبي والاجتماعي الواسع، ما سيمنح أطرافًا أخرى الفرصة لملء هذا الفراغ، خصوصًا تلك المتحالفة ضمن الإطار التنسيقي الذي يتطلع لتعزيز نفوذه.
يأتي هذا في ظل تزايد الحديث عن تأثير التحولات الإقليمية، خاصة استمرار الضغوط الأميركية على إيران، على المشهد السياسي العراقي. ويرجح العديد من المراقبين أن أي "هزة" في المؤسسة الحاكمة في إيران قد يكون لها تداعيات واضحة على التحالفات السياسية العراقية وربما على شكل النظام السياسي برمته.
وكان الأمين العام لحزب وطن يزن مشعان الجبوري قد كشف في وقت سابق عن عدم مشاركة الصدر في الانتخابات المقبلة، معتبرا إياه القوة الوحيدة القادرة على إسقاط النظام السياسي الحالي.
ويذكر أن الصدر، قد أصدر في 27 مارس الماضي، بيانا مكتوبا ضمن ردّ على سؤال أحد أتباعه في ما يتعلق بالانتخابات، قائلا "ليكن في علم الجميع، ما دام الفساد موجودا، فلن أشارك في أي عملية انتخابية عرجاء، لا هم لها إلا المصالح الطائفية والحزبية، بعيدة كل البعد عن معاناة الشعب وعما يدور في المنطقة من كوارث، كان سببها الرئيس هو زج العراق وشعبه في محارق لا ناقة له بها ولا جمل".
وأضاف "إنني ما زلت أعول على طاعة القواعد الشعبية لمحبي الصدريين في التيار الوطني الشيعي (التيار الصدري)، لذا فإني كما أمرتهم بالتصويت، فاليوم أنهاهم أجمع من التصويت والترشيح، ففيه إعانة على الإثم"، متسائلاً "أي فائدة ترجى من مشاركة الفاسدين والبعثيين والعراق يعيش أنفاسه الأخيرة، بعد هيمنة الخارج وقوى الدولة العميقة على كل مفاصله؟".
وتجري العملية الانتخابية في العراق وفق القانون الانتخابي النافذ، وهو قانون (انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018 المعدل)، والنظام الانتخابي المعتمد بموجب القانون المذكور ويتم بنظام التمثيل النسبي.