الصدر يجهز الماكنة الانتخابية قبل إعلان عودته للمشهد السياسي العراقي

بغداد – يسعى رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الذي يبدو أنه لم يعد يتحمل البقاء على هامش العملية السياسية في العراق بعد إعلانه مقاطعتها، إلى العودة عبر الانتخابات البرلمانية المنتظرة سنة 2025، حيث بدأ يعد العدة لهذا الاستحقاق التشريعي الذي يعتزم من خلاله اكتساح الانتخابات.
وكشف قيادي بارز في التيار الوطني الشيعي، الذي يتزعمه الصدر، اليوم السبت، عن خارطة سياسية يعتمدها التيار تسبق استئناف نشاطه السياسي المعلن.
ونقل موقع وكالة شفق نيوز عن القيادي، الذي طلب عدم الإشارة إلى اسمه، قوله إن "الهيئة السياسية للتيار الوطني الشيعي، عقدت خلال اليومين الماضيين اجتماعات من أجل ترتيب الأوراق للعودة السياسية للتيار خلال المرحلة المقبلة، وترتيب الأوضاع الانتخابية للماكنة الانتخابية للتيار الوطني الشيعي، والذي سيكون مشارك وبقوة خلال انتخابات مجلس النواب المقبلة".
وأضاف أن "الصدر لا يريد إعلان العودة السياسية خلال الفترة الحالية، فهو يعمل على إعادة ترتيب الوضع السياسي والانتخابي الداخلي للتيار الوطني الشيعي، بعدها تكون العودة للنشاط السياسي عبر الجماهير، وبداية السنة المقبلة تكون هناك عودة سياسية معلنة للتيار الوطني الشيعي من خلال الترويج عن أهداف التيار المستقبلية على المستوى السياسي".
وكان الصدر، قد أخذ في إرسال رسائل مختلفة حول عودته إلى الساحة السياسية، من بوابة الانتخابات التي لا يزال الخلاف حولها دائراً في حال كانت ستُعقد مبكرة أم في موعدها، أو كانت ستجري وفق القانون السابق أو الحالي.
وأعلن الصدر في خطوة مفاجئة في 13 أبريل الماضي اسم "التيار الوطني الشيعي" بديلاً عن "التيار الصدري"، ما عدّ إشعارا مباشرا بعملية العودة. وبهذه الخطوة، فإن الصدر يوحد تياره من جديد بعد أن كان اتخذ سلسلة خطوات لتهيئة التيار داخليا لهذا الخيار، لكن ذلك في جانب آخر يأتي في ظرف لا يزال فيه الجدل حول الزعامة الشيعية سياسيا ودينيا غير محسوما، ما يضع الصدر أمام تحديات توسيع نطاق تحالفاته وضم بعض القوى الصغيرة، بالإضافة إلى الانفتاح على بعض القوى السياسية الشيعية التقليدية.
وكانت وكالة رويترز قد تحدث خلال هذا الشهر بشأن عودة الصدر مع أكثر من عشرين مصدرا، منها ساسة شيعة من التيار الصدري وفصائل منافسة ورجال دين وسياسيون في مدينة النجف المقدسة لدى الشيعة ومسؤولون حكوميون ومحللون.
وقال نائب سابق عن التيار الصدري "هذه المرة لدى التيار تصميم أقوى من ذي قبل على الفوز بعدد أكبر من المقاعد لتشكيل حكومة أغلبية"، رغم أن القرار النهائي للترشح لم يُتخذ رسميا.
ولم يسبق للتيار الصدري المشاركة في أي من الانتخابات السابقة تحت مسماه المعروف، وإنما شارك بأسماء كيانات مختلفة كانت تمثله، مثل "سائرون" و"الأحرار" وغيرها، ومن المتوقع أن يدخل التيار الانتخابات المقبلة، وفي حال قرر ذلك سيكون بمسمى مختلف عن التيار الوطني الشيعي.
وكان الصدر قد طرح مشروعه الذي وصف بـ "تحالف الأقوياء" عام 2021، وشكّل التحالف الثلاثي مع رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي ورئيس "الحزب الديمقراطي الكردستاني" مسعود بارزاني، مستنداً إلى مبدأ أن يكون كل من أطراف التحالف ممثّلا لطائفته أو زعيما لها.
وواقع الحال أن الصدر دخل حينها الانتخابات تحت عنوان "الكتلة الصدرية"، وحاز 73 مقعداً من مقاعد البرلمان البالغة 328 مقعداً، تمثل أقل من نصف مقاعد الشيعة في البرلمان البالغة نحو 180 مقعداً، ما سمح باندلاع سجال حول حق الصدر في تمثيل الشيعة، خصوصا أنه لم يحسم من حيث العدد الغالبية العددية للمقاعد الشيعية التي توزع نحو 107 منها على قوى الإطار التنسيقي والمستقلين، وكان هذا السجال من العوامل التي سرّعت اتخاذ الصدر قرار الانسحاب.
ومهما كان قانون الانتخابات المقبلة، فإن ترشح الصدر تحت عنوان "الكتلة الصدرية" وحصوله على 73 مقعداً أو أقل سيُعدّ خسارة للتيار، ولهذا كان مبررا من حيث المبدأ أن يُعيد التيار الصدري تمركزه ضمن عنوان جديد لا تُقارَن نتائجه بنتائج الكتلة الصدرية.
لكن هذا الدافع لا يُعد جوهريا مقارنة بالسعي إلى حسم الصراع حول زعامة الطائفة الشيعية سياسيا واجتماعيا ودينيا أيضا، خصوصا أن العنوان الجديد يفتح الباب لتحالفات مع قوى شيعية أخرى تسبق الانتخابات أو تعقبها، ما ظهر أكثر وضوحا في التقارب غير المتوقع بين الصدر نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الأسبق الذي كان من أوائل من أعلنوا عن إمكانية عودة زعيم التيار الصدري عن قرار مقاطعة الانتخابات.
وقال المالكي، الذي يرأس حزب الدعوة الإسلامية ويقود ائتلافا برلمانيا تحت مسمّى ائتلاف دولة القانون، في حديث لوكالة الأنباء العراقية إنّ هناك معلومات عن توجهات لدى التيار الصدري للمشاركة في الانتخابات القادمة سواء تمت في موعدها أو أجريت بشكل مبكّر. وأشار إلى أنّ الصدريين هم الأكثر مطالبة بإجراء انتخابات مبكّرة.
وعدم نفي التيار حدوث اتصالات لترطيب الأجواء بين الجانبين يعدّ مؤشرا لاحتمال أن يكون زعيم دولة القانون بصدد التهيئة لإبرام اتفاق سياسي مع غريمه القديم الصدر لمواجهة قوى شيعية أخرى صاعدة بشكل لافت من خلال الإطار التنسيقي المشكّل للحكومة الحالية، مع تزايد التكهنات بوجود ما يشبه عملية مبرمجة يقودها زعيم "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، الذي أصبح الرجل الأقوى في "الإطار التنسيقي"، والمتحالف الأكبر مع رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، لعزل المالكي وتفكيك كتلته "دولة القانون".
ولكن سيستمر السؤال معلقا في حال كان الصدر قد حسم مرشحه لرئاسة الحكومة للمرحلة المقبلة من عدمه، أو إن كان سيقبل بالترتيبات التي سيتم توفيرها لإجراء الانتخابات وقانونها وموعدها.
والأقرب للواقع أن الصدر لن يخوض الانتخابات قبل حسم مرشحه لرئاسة الحكومة، وتسويق هذا المرشح داخل التيار وخارجه. وعلى الرغم من احتفاظ جعفر الصدر، بحكم مكانته في عائلة الصدر، بموقع أساسي ضمن قائمة المرشحين، فإنه لا يُستبعد أن تُرشَّح أسماء أخرى من داخل التيار.
وفاز التيار الصدري في الانتخابات البرلمانية عام 2021 لكن الصدر أمر نوابه بالاستقالة، ثم أعلن في العام التالي الانسحاب بشكل نهائي من العملية السياسية في البلاد بعد أن أحبطت أحزاب شيعية منافسة محاولته تشكيل حكومة أغلبية مع الأحزاب الكردية والسنية فقط.
ويندد الصدر، وهو شخصية بارزة في العراق منذ الغزو الذي قادته واشنطن عام 2003، بنفوذ كل من إيران والولايات المتحدة في العراق.
وتوقع أن تكون إيران من بين أكثر المرحبين بعودة الصدر، وأنها ستحاول في المرحلة المقبلة إعادة التوازنات معه حتى لو كان ذلك على حساب بعض أنصارها، مع ضمان الاحتفاظ بفصائل ما يسمى "محور المقاومة"، فإن واشنطن ستُحافظ على الأرجح، من جهتها، على مقاربتها الحالية إزاء الوضع السياسي العراقي ودعم جهود التهدئة هناك عموماً، وهو وضعٌ سمح لها بفرض اشتراطات على الحكومة العراقية، ومن المتوقع أنها لن تتخذ موقفاً أكثر تشدداً في حال نجح الصدر في تشكيل تحالف حكومي بعد الانتخابات المقبلة.