الصحافي "الوصفة السحرية" لكسر الجليد بين وسائل الإعلام والجمهور

نيويورك- “نؤمن بما نفعل، نحتاج فقط إلى معرفة كيفية شرح ذلك للقرّاء”، توضح هذه المقولة للصحافية الأميركية جوي ماير، أن الثقة أضحت واحدة من أكبر المشاكل التي تواجه المؤسسات الإخبارية، والتي تعي جيدا أن التحدي الحقيقي بالنسبة إليها اليوم يكمن في مقدرتها على إيجاد الجواب للسؤال الأهم: كيف يمكن لوكالات الأنباء بمختلف الأحجام والجماهير أن تصل إلى القراء، وأن تجعل نفسها مصدرًا موثوقًا للمعلومات؟ وماذا يمكن أن تفعل لاستعادة مجدها في عصر التضليل الحالي؟
تدرك وسائل الإعلام الأميركية أنه في الولايات المتحدة وحدها ثلث السكان بالكاد يثق بأن وسائل الإعلام تقدّم الحقيقة، ولهذا السبب أجرى معهد رينولدز للصحافة، دراسة حديثة تسعى إلى إيجاد أجوبة تساعد غرف الأخبار على الاقتراب أكثر من الجمهور ويمكن لنتائجها أن تخدم كمخطط لغرف التحرير في كل مكان، وفق ما ذكرت سام باركهيد في تقرير لشبكة الصحافيين الدوليين. أجرى الدراسة فريق من الطلاب الباحثين في كلية ميسوري للصحافة بالشراكة مع 14 غرفة أخبار حول العالم، وهدفت إلى إيجاد تقنية بناء ثقة ناجحة على فيسبوك.
وتقول جوي ماير قائدة مشروع الدراسة “نريد كصحافيين أن يكون العمل الذي نقوم به معروفا لدى الجمهور”، وشرحت ماير أن واحدة من أكبر المفاجآت التي شاهدتها خلال الدراسة هي كم أنه صعب على الصحافيين إخبار قصتهم أو الحديث عن أنفسهم. ومع ذلك وجدت الدراسة أن طريقة سرد القصة الإخبارية، كان سببا في تقييم عمل الصحافي أو تقييم غرفة التحرير الخاصة التي يعمل لديها، تبعا للقيم التي يتبناها الجمهور، ومن الضروري أن يكون الصحافي يقظا من هذه الناحية حتى لا يصدم القارئ.
وركزت الدراسة على ثلاث استراتيجيات، ووضعت لكل واحدة معايير لقياس نجاحها. وتمثلت الاستراتيجية الأولى بـ”أخبر بقصتك” وهي تهتم بشكل أساسي بمقاييس تعقب معدل التفاعلات، إذ يتدرب الصحافي على البقاء خارج القصة، ثم يكون التحدي بأن يقوم بالعكس. ووجدت الدراسة أن الصحافيين يمكنهم فعل ذلك بنجاح عبر مشاركة ملاحظات “ما وراء الكواليس” في قرارات أو مشاريع غرف التحرير بالغة الأهمية، فضلا عن تسليط الضوء على ما يجعل الموظفين ذوي مصداقية وأهلية.
|
واستطاعت المنشورات الناجحة التي لا تبدو مفتعلة أو قسرية، الجمع بشكل طبيعي بين معلومات ما وراء الكواليس والمواضيع ذات الاهتمام العالي لدى القرّاء. وفي الاستراتيجية الثانية “الانخراط الأصلي” يتم تقييم معدل النجاح عبر تحليل التعليق على الخبر أو القصة في مواقع التواصل الاجتماعي كمًا ونوعًا، وكذلك الرد على التفاعلات، وتستند الفكرة إلى أن أهم ما في بناء الثقة مع القراء هو الحوار المباشر. والمحادثات والتفاعل التي تشعر القراء بأنها طبيعية وإنسانية هي مفتاح تطوير العلاقة مع الجمهور، وفق ما اكتشفت الدراسة.
وهذا يمكن تحقيقه من خلال تثمين التعليقات المجدية وتحدي التعليقات غير الصحيحة والمؤذية، فضلا عن إضافة شعور ومنظور خاص بالصحافي على التعليقات. فإذا كان القرّاء متحفظين، يجب على الصحافي البدء بالحث على المواضيع الأكثر بحثا وجذبا، ومع مرور الوقت سيصبحون أكثر استعدادا لإضافة أفكار حول مواضيع مختلفة ومعقدة بعض الشيء.
وتركز الاستراتيجية الثالثة “نشر جماهيرك” على المشاركات والوسوم (الهاشتاغ). حيث تأمل كل غرفة تحرير أن تتم مشاركة محتواها على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، لكن هذا لن يحدث إذا لم تكن المواضيع من النوع الذي يريد القرّاء تشاركه. لهذا السبب بالذات فإن غرف الأخبار التي شجعت المشاركة لاقت نجاحا أكثر من تلك التي لم تفعل.
ولاحظت الدراسة أن منشورات وسائل التواصل الاجتماعي والتي لديها احتمال المشاركة تقدم بـ”جودة” عالية. إضافة إلى تشجيع القرّاء على مشاركة المنشورات التي كان لها وقع خفيف، بالإضافة إلى المقالات والقصص التي تحظى بزاوية اهتمام جماهيري قوية، تكون أكثر نجاحا.
ويعتبر عدد من خبراء الإعلام أنه مازال بإمكان وسائل الإعلام التفاؤل بخصوص المستخدمين الأوفياء، ويمكن للناشرين اكتشاف قيمة جمهورهم عبر التركيز على المستخدمين الأوفياء، وهذا ما ركّز عليه كينسي جونسون رئيس تحرير الابتكار والاستراتيجية في “تايمز” خلال الندوة الدولية حول الصحافة على الإنترنت التي جرت قبل أشهر قليلة، حيثُ ذكر أنّ 90 بالمئة من عائدات المنشورات الرقمية تأتي من 10 بالمئة من المستخدمين. بينما 1.5 بالمئة فقط من المستخدمين الرقميين لـ”نيويورك تايمز” مثلا، يدفعون كمشتركين، حيث يؤدون أكثر من نصف إيرادات المنشورات.
وهناك سبب آخر للاعتماد على ولاء المستخدمين بدلاً من الأرقام الكبيرة، لتمييز موقع ما في ظل فوضى المواقع الإخبارية ويتمثل في المصداقية ومسألة الثقة. وليس على المدى القصير، ولكن على المدى الطويل تتحقق النتيجة.
وكتب إيد ويليامز، المدير التنفيذي لشركة إيدلمان للتواصل والتسويق في المملكة المتحدة وأيرلندا، في تقرير لـ”رويترز” أنّ الأبحاث عن الثقة في بعض المواقع أظهرت أنّه عندما “يصدّق الناس الشركة، يشترون منتجاتها، ويدفعون ثمنًا مرتفعًا مقارنةً مع منتجات أخرى، ويوصون أصدقاءهم بها”. بتعبير آخر، إنّ عامل الثقة مهم جدًا بالرغم من كلّ الضجيج على الإنترنت. وذكرت تقارير صحافية أن ملايين النقرات أو الملايين من المستخدمين ليست مؤشرًا على الثقة بأخبار معيّنة أو ولاء لموقع محدّد.