الصحافيون يحددون دليلهم الأخلاقي حسب النظم السياسية في بيئة العمل

كشفت دراسة حديثة أن مفاهيم الصحافة ومعايير العمل تختلف لدى الصحافيين بين بلد وآخر تبعا للسياق السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يعملون ضمنه، لكن بقيت العناصر الأساسية لأخلاقيات العمل متوافقة في أنحاء العالم.
واشنطن - قال توماس هانيتز المشرف على دراسة “عوالم الصحافة” إن الصحافيين الغربيين ينظرون إلى “الصحافة الحرة” ككيان مستقل وموضوعي يحاسب الأقوياء، إلا أن مثل هذه النظرة لا يشاركها بالضرورة الصحافيون في أجزاء أخرى من العالم.
وأضاف هانيتز، الذي يرأس قسم الإعلام والتواصل في جامعة لودفيغ ماكسيميليانس في ميونيخ بألمانيا، “يمكن أن تتخذ الصحافة أشكالا مختلفة جدا اعتمادا على السياق السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يعمل الصحافيون ضمنه”.
ويأتي حديث هانيتز تعليقا على دراسة حديثة عن “عوالم الصحافة” تناولت آراء الصحافيين بشأن مقدار الحرية التي يعتقدون أنهم يتمتعون بها في جميع أنحاء العالم والعوامل التي تؤثر على عملهم.
ولفت هانيتز إلى أن “فهم الصحافة غالبا ما يكون أساسا محليا ويرتبط بسياقات محددة”.
واستطلع الباحثون في الدراسة بين عامي 2012 و2016، آراء 27500 صحافي من 67 دولة، بما في ذلك روسيا والصين وتركيا، حيث يتعرض العاملون في وسائل الإعلام للهجوم أو الاعتداء. ووفق تقرير نشره موقع شبكة الصحافيين الدوليين، وصل “الجهد التعاوني غير المسبوق”، الذي بدأ لتقييم حالة الصحافة على نطاق عالمي، من كوسوفو الصغيرة وبوتان إلى المراكز الدولية الرئيسية، بما في ذلك إيطاليا وأستراليا والهند وكندا والولايات المتحدة.
ويقدّم تقرير نتائج الدراسة لمحة عن قلوب وعقول العاملين في وسائل الإعلام، ويوفر المواد لدراسات المقارنة في عصر التغيرات العميقة في عالم الأخبار. وعلقت ليزا تايلور على “دراسة عوالم الصحافة” في مؤتمر أخلاقيات الإعلام الذي عقد في يناير الماضي “يقدم التقرير نظرة ثاقبة في عالم الصحافة”، مضيفة أنّ “هذه هي الصورة الكمية الوحيدة التي لدينا عن الصحافيين الكنديين، من حيث التركيبة السكانية والعمالة”.
العناصر الرئيسية للأيديولوجيا الصحافية بما في ذلك المعايير الأخلاقية لا تزال سليمة رغم اختلاف مفاهيم الصحافيين
وأضافت تايلور التي تقود فريق “عوالم الصحافة” في كندا، ورئيسة برنامج الصحافة الجامعية في جامعة ريرسون في تورنتو، أنّ كل تقرير حول بلد معين يرسم صورة حية لما يراه الصحافيون دليلهم الأخلاقي، وما إذا كانوا يشعرون بأنهم ملتزمون أكثر بقواعد الأخلاقيات مقابل الأحكام الشخصية، وما هي أساليب إعداد التقارير المقبولة.
وظهرت بعض القواسم المشتركة بين المشاركين في الاستطلاع، ويميل الصحافيون إلى الاتفاق على مفاهيم عديدة، فعلى الرغم من التغيرات والتحولات الدراماتيكية في المهنة، فإنّ العناصر الرئيسية للأيديولوجيا الصحافية، بما في ذلك المعايير الأخلاقية، لا تزال سليمة.
وكانت من أهم المصادر لتغير آلية العمل في الصحافة هي البيئة التكنولوجية، وخصوصا وسائل التواصل الاجتماعي ومشاركة المستخدم وتم النظر إلى مهمة جمع الأخبار بأنها إعلام الجمهور ومراقبة من هم في السلطة ومحاسبتهم.
وأظهر الصحافيون ثقة ضئيلة في السياسيين والأحزاب السياسية، وأشار الصحافيون الروس إلى أنهم يثقون في الجيش أكثر من مسؤولي الدولة.
وشعر الكثيرون بأنه يُطلب منهم القيام بالكثير مقابل القليل مما يؤثر على جودة الأخبار التي ينتجونها.
وفي روسيا، على سبيل المثال، تبيّن أنّ “الصحافي النموذجي” أنثى وفي منتصف الثلاثينات من عمرها وحاصلة على شهادة جامعية في التواصل والصحافة، إذ تشكل النساء 64 بالمئة من الذين أجريت معهم مقابلات. كما وجدت الدراسة أن الصحافيين الروس لم يولوا أهمية كبيرة لدعم السياسات الحكومية ونقل الصور الإيجابية عن القيادة السياسية، إضافة إلى انخفاض مصداقية وسائل الإعلام عند الرأي العام.
وفي الوقت نفسه، فإن الصحافي الأميركي النموذجي هو رجل أبيض، تلقى تعليمه في الجامعة، يبلغ من العمر 47 عاما وتخصص في برنامج الصحافة الجامعية. والجدير ذكره أنّ 27 بالمئة فقط من الذين تمت مقابلتهم في أميركا كانوا من النساء، رغم أن النساء يشكلن غالبية تخصصات الصحافة اليوم.
ومثل نظرائهم الروس، لم يكن دعم السياسة الحكومية والقادة السياسيين على رأس القائمة، إذ نظر الأشخاص الذين تمت مقابلتهم إلى وسائل التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك وتويتر على أنها أكبر عامل للتغيير في الصحافة.
وفي الصين، كان هناك انقسام متساو، فالصحافي النموذجي يمكن أن يكون من أي من الجنسين، في أوائل الثلاثينات ومع شهادة جامعية في الصحافة. وشعر غالبية الصحافيين في الصين أنه من المهم “التأثير على الرأي العام ودعم سياسة الحكومة”.