الصحافة في مصر ضيف دائم على مائدة الإصلاح لكن من دون نتائج

القاهرة- شغلت الصحافة وهمومها العديد من المشاركين في جلسات الحوار الوطني الذي دشنته الحكومة بين أحزاب وشخصيات محسوبة عليها وأخرى معارضة لها، وكانت الجلسة التي عقدت قبل أيام حول حاجتها إلى توسيع مساحة الحريات وتداول المعلومات والإفراج عن المعتقلين السياسيين من الجلسات العاصفة.
وشهدت الجلسة شدا وجذبا بين نقيب الصحافيين خالد البلشي ومن تصدوا للدفاع عن موقف النظام المصري الذي لا يزال متحفظا أو بطيئا في اتخاذ إجراءات عملية حيال مسألتي الحريات الخاصة بالإعلام وتداول المعلومات، كمحدّدين يعززان فكرة الإصلاحات السياسية التي يتم الترويج لها مع كل مائدة حوارية تعقد في مصر.
وقال البلشي إن حرية الرأي والتعبير جزء رئيسي وحقيقي في حرية الصحافة التي تتعرض لقيود كبيرة تحتاج إلى المراجعة، مؤكدا أن حرية الصحافة ليست منحة، بل ضمانة حقيقية لحرية المجتمع والتنوير والديمقراطية والاستحقاقات الدستورية، معتبرا أن دعم بيئة حرية الصحافة يأتي من ضرورة إطلاق سراح كل المحبوسين، ومنع ما يتم من حجب للمواقع، ومراجعة تشريعات الإعلام.
وتنتظر الصحافة المصرية فك قيودها التي تثار على فترات متباينة، لكن العاملين في بلاط صاحبة الجلالة، وهي العبارة التي يحلو لكثير من الصحافيين وصف حال مهنتهم بها منذ سنوات، يبدو أنهم قد ينتظرون كثيرا لتحقيق حلمهم في مساحة كبيرة وحقيقية من الحريات.
فما إن خرج ما قاله نقيبهم داخل جدران الحوار الوطني حول أهدافه وأمنياته للصحافة في مصر حتى انهالت عليه سيوف من يعتقدون أنهم يدافعون عن السلطة الحالية في مصر وخلطوا بين ما طرحه البلشي وبين ما يتم ترديده من شائعات على ألسنة وسائل إعلام ومواقع تواصل اجتماعي تابعة لجماعة الإخوان، وكادت القضية الرئيسية، وهي الحريات وتبادل المعلومات، أن تتيه في خضم تشويش متعمد انتقل إلى بعض القنوات الفضائية القريبة من الحكومة.
ونكأت مشاركة نقيب الصحافيين في الحوار الوطني وحديثه عما تحتاجه المهنة، الكثير من الجروح التي لم تندمل منذ أن سالت منها دماء كثيرة الفترة الماضية، حيث كانت الصحافة في مقدمة القطاعات التي جرى تضييق الخناق عليها، اعتقادا ممن قاموا بهذا التصرف أنها رأس الحربة في التغيير السياسي.
وقدم من عزفوا لحنا جنائزيا حول حال الصحافة أو شككوا في هدف الحريات المطلوبة خدمة كبيرة لمن يشغلهم ما جرى في حق صاحبة الجلالة، حيث سلطوا الأضواء على همومهم، وربما أحرجوا الحكومة التي لا تزال تتقدم خطوة وتتراجع أخرى في عملية الحريات العامة، في مقدمتها الإعلامية، فكل التفسيرات التي قدمت لتبرير خنق الصحافة لم تفلح في إقناع شريحة كبيرة من العاملين فيها بأن الحكومة تعتزم القيام بعملية إصلاحات جريئة لها.
قد تكون الرسالة وصلت إليهم بصورة عكسية، بمعنى أن هناك ارتياحا لما آلت إليه الصحافة من “موت سريري”، ويدرك من أوصلوا هذه الرسالة أن هذا الموت يمنح فرصة لمواقع التواصل الاجتماعي التي يعمل بها الكثير من الهواة والقليل من المحترفين، ما يشير إلى زيادة انتشار شائعات يتأذى من تبعاتها السياسية النظام المصري.
وقال رئيس لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة بشير العدل إن مطالب نقابة الصحافيين التي قدمت للحوار الوطني هي حقوق أصلية تعبر عنها النقابة في أي فعاليات تتعلق بالإصلاح السياسي، وتتوقف الاستجابة لها على جوانب تشريعية لا تحظى باهتمام جهات حكومية، أبرزها إقرار قانون حرية تداول المعلومات.
وأوضح العدل في تصريح لـ”العرب” أن حرية الصحافة ترتبط بقناعات دوائر رسمية بها لا بد أن يصل إليها ما تواجهه المهنة من أزمات وأن تُغير أفكارها في ظل تعاملها مع أي صوت معارض على أنه يسعى لهدم الدولة أو ينتمي إلى تنظيم الإخوان، وأن استمرار هذه المعتقدات يهدد عملية الإصلاح السياسي برمتها.
ولفت إلى أن وسائل الإعلام المصرية بعيدة عن نبض الشارع ولا تنقل متاعبه الحقيقية، والاستمرار في الاعتماد على الإعلام الدعائي القائم على الترويج لما تتخذه الحكومة من قرارات في غياب صوت المعارضة لن يحقق الحرية المطلوبة، كما أن الهيئات الإعلامية والنقابات المهنية عليها دور مهم لضبط الأداء الإعلامي، وأن عدم التطرق إلى طبيعة مهامها يعزز بقاء الحالة الراهنة.
وأكد العدل أن جزءا من المأزق الحالي في ظل صعوبة تحقيق مبادئ حرية الصحافة يتعلق بالممارسات المتاحة للصحافيين أنفسهم، في خضم عدم وجود كوادر مهنية مدربة بالشكل الكافي تجعلها على دراية بأبعاد القضايا التي يتم طرحها، كما أن الاستسهال السائد وغياب التدقيق المطلوب يضاعفان من هواجس السلطة الحالية.
في كل العصور المصرية، كانت الصحافة هدفا للسلطة الحاكمة، تمنح وتمنع، وتقدم وتؤخر، وتفسح وتضيّق، ويحاول كبار الصحافيين وصغارهم الحصول على مكتسبات من خلال التفاهمات مع الأنظمة الحاكمة كوسيلة مهمة لتحسين أوضاع المهنة وعدم الانزلاق إلى صدام مع السلطة، يعلم الصحافيون أنهم أول ضحاياه.
وأوضح نقيب الصحافيين الأسبق يحيى قلاش أن انتصار حرية الصحافة يرتبط بقيمة الحوار نفسه وما إذا كان يتسم بالجدية من عدمه، وحال توافرت الإرادة السياسية من المتوقع اتخاذ خطوات إيجابية تدعم الحريات العامة، فالصحافة ليست جزيرة منعزلة عما يدور حولها في الأجواء العامة، وتحقيق مكتسبات كان من المفترض أن يكون سابقًا على بدء الحوار الوطني.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن ملف حرية الصحافة تابع وليس رئيسيا أو مستقلا داخل الحوار الوطني ولا يحظى باهتمام لافت من السلطات الحاكمة، والمعارضة أيضا لم تضغط بالشكل الكافي لإتاحة هامش كبير من الحريات، عكس مواقف سابقة كانت فيها قائدة لمطالب الصحافيين واستقلالهم المهني.
وتحاول الجماعة الصحافية ممثلة في نقيبها إعادة إنتاج حلقات سابقة من المعارك مع السلطة بطريقة هادئة، تعتمد على أن هناك قواسم مشتركة يمكن بناء قاعدة على أساسها يستفيد منها الجميع، الصحافيون والمجتمع والسلطة أيضا، لكن لا تزال المناورات بين الجانبين مستمرة، على أمل التوصل إلى نقطة يحقق من خلالها كل طرف الحد الأدنى من مطالبه التي تفرضها مقتضيات مرحلة مصرية في غاية الحساسية السياسية.