الصحافة الدعائية تقوض قدرة الإعلام المصري على تفنيد شائعات البنوك

استمرت عدة جهات حكومية في اتباع سياسة نفي الأخبار المتداولة التي تروجها منصات إلكترونية إخوانية وغابت النقاشات الاقتصادية التي تقنع الجمهور بعدم صحة ما جرى تداوله على نطاق واسع وهيمنت الحملات الدعائية على الصفحات والبرامج المتخصصة، في حين كان من الممكن تقديم مواد إعلامية تفند الشائعات بدلاً من الإعلانات التي تموّل أغلبها البنوك الحكومية.
القاهرة - أثارت وسائل إعلام تابعة لتنظيم الإخوان ومنصات محسوبة على المعارضة جدلاً واسعًا مؤخرا بشأن أزمات السيولة المالية في البنوك المصرية، إلى حد أن البعض أشار إلى وجود عمليات سحب من أموال المودعين، وهو ما نفاه اتحاد بنوك مصر دون أن تهدأ وتيرة الغضب.
وأدان اتحاد بنوك مصر ما يتردد من شائعات قال إنها “كاذبة ومضللة” تدّعي أن القطاع المصرفي يعاني من مشاكل سيولة ما يعرّض أموال المودعين للخطر، مضيفا أن ما يحدث من لغط حول هذا الأمر “تضليل مقصود وموجه لمحاربة النجاحات الاقتصادية والمكتسبات التي حققتها عملية الإصلاح في القطاع المصرفي والاقتصاد المصري والتي كانت محل إشادات مؤسسات التمويل والتقييم الدولية”.
ورغم أن بيان الاتحاد أوضح الكثير من الحقائق بالأرقام -مثل تأكيده على ارتفاع السيولة المحلية إلى نحو 90 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في أكتوبر الماضي- رأى خبراء إعلام أن الاعتماد على البيانات الموجهة إلى كافة وسائل الإعلام لا يحقق الغرض منه مقارنة بالنقاشات المنطقية المطلوبة لشرح الأزمة، وأن الاستغراق في التأكيد على نجاحات تحققت لا يكفي لنفي وقائع مستجدة.

عمرو بدر: الثغرة التي تركتها أزمة غياب المعلومات أدت إلى انتشار الشائعات
وقال صحافي متخصص في الشأن الاقتصادي -شريطة عدم ذكر اسمه- إن “التعامل الإعلامي مع المعلومات المرتبطة بالجهاز المصرفي يخضع لعدة ضوابط وتتدخل جهات حكومية مختلفة في ظل الاستهداف المستمر للقطاع المصرفي منذ اتخاذ قرار تعويم الجنيه في نوفمبر عام 2016، ومن الصعب مناقشة ما يجري تداوله في منصات معارضة دون وجودمعلومات موثّقة من الجهات الرسمية”.
وأضاف في تصريح لـ“العرب” أن “غياب المعلومات وتأخر صدور بيان اتحاد بنوك مصر أتاحا فرصة انتشار الشائعات، بينما هناك مشكلة رئيسية تتعلق بتحول صفحات الاقتصاد إلى مادة إعلانية في ظل الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها الصحف ويصعب تقديم رؤى نقدية تتناسب مع توجهات المعلنين، وبات الجميع رهينة لما يصدر عن الجهات الرسمية”.
وقد وظفت وسائل إعلام معارضة موافقة البنك المركزي المصري على إصدار الإطار العام لتعليمات “السيولة الطارئة”، بهدف رفع جاهزية البنوك للتعامل مع أزمات السيولة المحتملة والحفاظ على القطاع المصرفي وثقة المتعاملين، في التأكيد على توقع حدوث أزمة مالية لدى البنوك قد تؤثر على أموال المودعين.
وجرى التعامل مع حالة التكدس التي شهدتها بعض البنوك الحكومية خلال نهاية يناير الماضي على أنها نتيجة مباشرة للأزمة، ولم يصدر عن البنوك الحكومية ما يوضح أسباب الزحام الذي جاء في توقيت يتردد فيه الكثير من المواطنين على البنوك لصرف رواتبهم أو إجراء عمليات تحويل وإيداع مرتبطة بتوفير سيولة مالية لديهم.
وحسب إحصاءات الحكومة المصرية فإن الشائعات تستهدف القطاع الاقتصادي بنسبة 27.1 في المئة من إجمالي الشائعات، وعادة ما تركز على أسعار السلع والعملات والأوضاع الاقتصادية والبورصة وأسواق المال وأسعار الأسهم والتصدير إلى الخارج وكذلك الاستثمار، وتعتبر المعلومات الخاطئة محاولة لإثارة البلبلة والرأي العام.
وقال مقرر لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة (حقوقية) بشير العدل إن الجانب الدعائي يطغى على الصحافة المتخصصة، وهناك اقتناع لدى القائمين عليها بأن عدم الحصول على نسبة 70 في المئة من قيمة المادة التحريرية مدفوعة الأجر يشكل خسارة للصحيفة، ما يجعل هناك أهداف رئيسية تتمثل في الحصول على التمويل للحفاظ على استمرار صدور الصحيفة بشكل منتظم.
وأكد في تصريح لـ“العرب” أن “تراجع أدوار الهيئات الإعلامية وعدم تقديمها الدعم المالي اللازم الذي تحتاج إليه الصحف الحكومية -في ظل أوضاعها الصعبة وتراجع نسب التوزيع- من العوامل التي تجعل الهدف الأساسي للصحيفة أو الموقع الإلكتروني هو الحصول على إعلانات من جانب جهات الصناعة والاستثمار والاقتصاد، وهي مؤسسات تملك قدرة على تمويل حملات إعلانية مدفوعة”.

بشير العدل: عدم تقديم صحافة جادة يصعب إقناع المواطنين
ويشير خبراء الإعلام إلى أن تراجع معدلات التوزيع انعكس على العلاقة بين الجهات الاقتصادية المانحة للإعلانات والمؤسسات الصحافية، ما يؤكد على أن الصحافة ذات النزعة الدعائية لم يكن لها مردود إيجابي على مستوى الصحف والمعلنين، ما يحمل انعكاسات سلبية على مستوى قدرة الصحف على الصمود، لأن الحملات الإعلانية ترعاها جهات حكومية تستهدف تحسين أوضاع الصحف بشكل غير مباشر.
وذكر بشير العدل أن غياب قدرة وسائل الإعلام على تقديم صحافة جادة تجذب متلقي الرسالة الإعلامية، وتجاهل تسليط الضوء على أوجاع المواطنين ومشكلاتهم -وهم الذين من المفترض أن تنطلق منهم الرسالة وصولاً إلى السلطة- يسببان صعوبة في إقناع المواطنين بمصداقية الإعلام وإن كان المحتوى التحريري منطقيا ومهنيا.
وتسبب تجاهل وسائل الإعلام الرسمية لشائعات أزمات البنوك في انتقال النقاش حولها إلى منصات التواصل ولجوء العديد من الباحثين في الشأن الاقتصادي والصحافيين المهتمين بقطاع المال والأعمال إلى تقديم تفسيرات معلوماتية منطقية لما جاء في تقرير “غولدمان ساكس” (بنك استثمار رؤوس الأموال ويعمل في مجال الخدمات المصرفية الاستشارية).
وتعاملت وسائل الإعلام المصرية مع التقرير على أنه يعبر عن قوة ونجاح القطاع المصرفي وأبرزت تأكيدات المؤسسة الدولية على استمرار قوة وصمود الجنيه المصري أمام الدولار والعملات الرئيسية خلال العام الحالي.
ورأت منصات تابعة للمعارضة أن التقرير تضمّن منغصات حقيقية بتأكيده على أن الأشهر الستة الأخيرة من العام الماضي شهدت انخفاض استثمارات الأجانب في أدوات الدين بالعملة المصرية من 33 إلى 25 مليار دولار، واعتبرت أن ذلك يزيد من عجز الحساب الجاري ويضغط على الجنيه.
ولفت عضو مجلس نقابة الصحافيين السابق عمرو بدر إلى أن الاتجاه نحو تقديم صحافة العلاقات العامة -الأقرب إلى النشرات التي تصدرها الهيئات والوزارات لتعريف الجمهور بإنجازاتها- جعل المعلومات المتداولة بشأن مستقبل الاقتصاد في وسائل إعلام خارجية تحظى باهتمام واسع من قبل الجمهور إثر غياب النقاش محليا.
وأوضح في تصريح لـ“العرب” أن “الثغرة التي تركتها أزمة غياب المعلومات أدت إلى انتشار الشائعات، بالرغم من أن تجربة الصحافة في مصر تثبت إمكانية تقديم إعلام جاد وتحقيق مكاسب اقتصادية في الوقت ذاته، والدليل على ذلك هو انجذاب رجال الأعمال إلى سوق الإعلام في فترة سابقة، ما يبرهن على حجم الانتشار دون أن تكون هناك حاجة إلى تقديم صحافة دعائية أو الاعتماد على أموال المعلنين”.