الصحافة الإلكترونية في اليمن.. فوضى رقمية في خدمة الحرب

صنعاء- انعكست التحولات السياسية التي شهدها اليمن بصورة مباشرة على أداء المواقع الإخبارية اليمنية على الشبكة العنكبوتية والتي أخذ عددها في التصاعد باطراد مع الأحزاب السياسية والمنظمات الجماهيرية. ويرى الصحافي اليمني وعضو مجلس نقابة الصحافيين اليمنيين، نبيل الأسيدي، أن الإعلام الإلكتروني أضحى أكثر حضورا في اليمن خلال الفترة الأخيرة بسبب غياب الصحافة المكتوبة المتنوعة جراء الخراب والإغلاق والاقتحام والنهب والمصادرة التي تعرضت لها أغلب المؤسسات والصحف، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف إعداد وتحرير وطباعة وإصدار الصحافة الورقية في السابق مقارنة مع قلة تكاليف إنشاء موقع إخباري وتكاليف تشغيله.
وخلق التنافس الشديد بين الصحف الإلكترونية نقاطا إيجابيا تتمثل بالتعددية واتساع هامش الحرية الأكثر ضيقا في الإعلام التقليدي، إلا أن تعدد المنابر الإلكترونية، ترافق مع الكثير من الانعكاسات السلبية في هذا الجانب، ومن ذلك غياب المهنية والاحترافية وتراجع المعايير الصحافية، بحسب الأسيدي. ويضاف إلى ذلك استغلال أطراف الصراع للمواقع الإخبارية وتحويلها إلى مواقع شبيهة بالإعلام الحربي وإعلام إدارة الصراع وأصبحت العديد من المواقع تدار من قبل جهات أو ما يعرف بالمطابخ الإعلامية لإيصال رسائل معينة، في حين أن أغلب المواقع ليس لها كادر صحافي ومن يديرها أشخاص لا يمتون للعمل الصحافي بصلة مع وجود استثناءات.
من جهته يعتبر الصحافي والباحث اليمني، ثابت الأحمدي، أن الإعلام الإلكتروني في اليمن بشكله الحالي ينتمي بشكل كبير إلى مرحلة ما بعد الانقلاب، مضيفا أن الإعلام بشقيه العام والخاص في اليمن قد تلاشى بصورة نهائية بفعل التدمير الممنهج للدولة ومؤسساتها من قبل الانقلابيين، حيث لم يتبق من آثار المدارس الصحافية التي نشأت في اليمن منذ وقت مبكر إلا عدد قليل من الصحف التي سيطر عليها الحوثيون بعد سبتمبر 2014 وحولوها لخدمة أهدافهم.
|
ويشير الأحمدي إلى أن الإعلام الإلكتروني ينقصه الكثير وهو في بداياته الأولى قبيل الانقلاب الذي زاد من سوئه، وتحدث عن العوائق التي تحول دون نشوء صحافة إلكترونية مهنية في اليمن وقال “أغلب المواقع الإخبارية أعمالها مكتبية، تفتقد إلى المراسلين الميدانيين في كل محافظات اليمن، وعادة ما يتركز اهتمامها علی مناطق الصراع، وعادة ما تفتقد إلی المعلومة الرقمية التي يبحث عنها المتابع، وفي النهاية وضع الإعلام جزء من وضع الدولة ولا يمكن الحديث عن إعلام مكتمل في ظل دولة مشلولة تتحكم بها ميليشيا دينية وقبلية هدفها التحكم لا الحكم”.
ويبدو واقع الإعلام الإلكتروني في اليمن مقيدا ومحدود الأفق تارة ومشتتا ومرتبكا تارة أخرى. وفق الصحافي اليمني عبدالرحمن بن عطية. وقال بن عطية في تصريحات لـ”العرب”، إن أغلب المواقع اليمنية باتت مقيدة بسياسات معينة وتحتكم غالبا للجهات الداعمة لها وهي كثيرة؛ ونادرا ما نجد في الوقت الراهن مواقع مهنية بدرجة جيدة ملتزمة بأدبيات المهنة وشرفها.
وأضاف “في الوقت الذي انتشرت فيه مواقع التواصل الاجتماعي باتت المعلومة أكثر انتشارا يسهل الحصول عليها، بينما ظلت أغلب المواقع الإلكترونية وخاصة الحديثة منها تلتقط هذه الأخبار ‘كالمغناطيس” وتتنافس في نشرها بحجة ‘السبق الصحافي’، الأمر الذي انعكس سلبا على الرأي العام وعلى مفهومية الصحافة وكيفية التعامل مع الحدث والخبر. كما سهل نشر الشائعات وإثارة البلابل في بلد يغرق في أتون أزمة مستفحلة تتقاذفه الصراعات والفوضى من كل حدب وصوب”.
وعن الجانب الإيجابي في تجربة الإعلام الإلكتروني اليمني اعتبر بن عطية “أن إيجابيات المواقع الإلكترونية التي انتشرت مؤخرا بشكل هستيري رغم تعرض معظمها للحظر والحجب من قبل سلطات الأمر الواقع؛ الحوثيين وأنصارهم، تكمن في مساهمة بعضها بشكل محدود في نقل الأحداث والمعلومات المهمة واستعراض بعض الآراء والتحليلات النوعية وأعني هنا ‘المواقع المهنية’ المتجردة عن التبعية والتمويل أيا كان مصدره أو نوعه وهي قليلة العدد مقارنة بغيرها”.
بدوره يرى هزاع البيل، صحافي ورئيس تحرير موقع إخباري يمني، أن الصحافة الإلكترونية أصبحت تفرض نفسها بقوة، وأصبح لها جمهور كبير في اليمن بل إنها أوصلت الرسالة الإعلامية إلى شرائح أوسع، حيث أصبحت المعلومة الإخبارية، أو الفنية، أو الثقافية، أو الرياضية، تصل إلى من هم في المدن والأرياف على حد سواء، فيما كان من الصعب وصول هذا الكم الهائل من الأخبار المتنوعة والسريعة عبر الصحف الورقية إلى المناطق المعزولة عن الخدمات في اليمن.
وأضاف البيل “أصبح القارئ اليمني يتلقى المعلومة بصورة أسهل عبر الفضاء الإلكتروني وبشكل لحظي، ما جعل الإعلام الإلكتروني يغدو مؤثرا ومحركا للأحداث التي يمر بها اليمن، والتي تجلت بشكل أوضح منذ العام 2011، مما جعل المواقع عرضة للحجب والرقابة المستمرة من قبل السلطات التي اعتبرتها خطرا كبيرا في تحريك وتهييج الرأي العام، لا سيما وأنها تمتعت بسقف حرية أعلى مما كانت عليه وسائل الإعلام التقليدية”.
وأشار البيل إلى أن “المواقع الإلكترونية غدت بمثابة مرجعا مهما للصحافة في رصد الأحداث بمختلف مناطق البلاد مع تجاوز عددها حاجز الـ500 موقع متنوع ومتعدد الاتجاهات، إلا أن هذا الدور المهم انعكس سلبا على أثرها، إذ تم استغلالها وإنشاء العديد من المواقع الرديفة بهدف التشويش على الشارع مع غياب قانون منظم لعملها، ما جعلها عرضة للعديد من التيارات التي حاولت استغلالها لخدمة توجهاتها من خلال التأثير على بعض المواقع بدعمها ماديا أو إطلاق مواقع إلكترونية تتبعها ضمنيا”.