الصادق بلعيد يتناسى دوره الاستشاري وينتقد دستور قيس سعيّد

تونس – وصفت أوساط سياسية توجيه رئيس لجنة الدستور في تونس الصادق بلعيد انتقادات حادة للدستور المقترح الذي عرض على المواطنين، بعد أيام على نشره في الجريدة الرسمية التونسية، بأن الرجل نسي أو تناسى أنه كان مستشارا لصياغة الدستور وليس مقررا له، وأن رفضه لتحويرات الرئيس قيس سعيّد يكشف عن نزعته الدكتاتورية.
واستغربت هذه الأوساط تغيير بلعيد موقفه من مشروع الدستور، بعد أن أكد في مناسبة سابقة أن الرئيس في الدستور الجديد سيكون أعلى من الهياكل الدستورية والحزبية، وأن البرلمان دوره تشريعي فحسب.
واعتبرت أن انحراف موقف بلعيد قد يعود إلى تأثره بموقف أمين محفوظ، أستاذ القانون الدستوري وعضو الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهوريّة جديدة، الذي قال في منشور عبر حسابه على فيسبوك إن "الدستور الجديد الذي نشره قيس سعيّد بالرائد الرسمي لا يُمثل النسخة التي أعدّتها اللجنة الاستشارية".
ونقلت صحيفة الصباح المحلية الأحد عن الصادق بلعيد أستاذ القانون الدستوري السابق، الذي عينه الرئيس سعيّد كمستشار "لصياغة دستور جديد للجمهورية الجديدة"، قوله إن الدستور الجديد لا يمت بصلة للمسودة الأولى ويتضمن مخاطر جسيمة تمهد لنظام دكتاتوري
وأضاف بلعيد أن النسخة التي نشرها سعيّد لا تشبه المسودة الأولى التي اقترحتها لجنة الدستور.
ولفت إلى أن الدستور النهائي الذي نشره الرئيس يحتوي على فصول يمكن أن تمهد الطريق "لنظام دكتاتوري مشين".
ونشر الرئيس التونسي في الجريدة الرسمية الخميس مشروع دستور جديد يمنح رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة، في تعارض واضح مع النظام البرلماني الذي ساد خلال عشر سنوات، وسيجري الاستفتاء عليه يوم الخامس والعشرين من يوليو الحالي.
وينصّ مشروع الدستور على أنّ "رئيس الجمهورية يمارس الوظيفة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة" يعيّنه الرئيس بنفسه.
وهذه الحكومة "مسؤولة عن تصرّفاتها أمام رئيس الجمهورية" وليست في حاجة إلى أن تحصل على ثقة البرلمان لتزاول مهامها. كما يمكن للرئيس أن ينهي مهام الحكومة أو مهام أيّ عضو منها تلقائيا، ما يعني أنّ البلاد ستنتقل إذا ما أقرّ هذا المشروع من النظام البرلماني الحالي إلى نظام رئاسي.
ويمنح مشروع الدستور رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة في ميادين شتّى، إذ أنّه "القائد الأعلى للقوات المسلّحة" و"يضبط السياسة العامة للدولة ويحدّد اختياراتها الأساسية" و"يسهر على تنفيذ القوانين ويمارس السلطة الترتيبية العامة" و"يُسند، باقتراح من رئيس الحكومة، الوظائف العليا المدنية والعسكرية"، ويتمتع بحقّ "عرض مشاريع القوانين" على البرلمان الذي يتعيّن عليه أن يوليها "أولوية النظر" فيها على سائر مشاريع القوانين.
وقال بلعيد إن أحد فصول دستور سعيّد يتضمن "الخطر الداهم الذي يسمح للرئيس بتمديد ولايته وتمهيد الطريق لدكتاتورية مشينة".
وأضاف أن الدستور تضمن نظاما محليا وإقليميا مبهما وغامضا ينذر بمفاجآت غير متوقعة.
وينص الدستور الجديد على إنشاء "مجلس أقاليم" جديد كغرفة ثانية للبرلمان، مما سيوسّع دائرة التشاور.
كما قال بلعيد إن حصر أعضاء المحكمة الدستورية في قضاة يقوض استقلاليتها. وبموجب الدستور الجديد يعين سعيّد القضاة.
ويرى مراقبون أن مشروع الدستور حيّد المحكمة الدستورية عن كل محاصصة وكل ما من شأنه تعطيل تشكيلها، حيث بالإمكان منذ صدور الدستور الجديد تشكيلها باعتبار أن الانضمام إلى تركيبتها يكون بصفاتهم، وهو ما يجعلها بعيدة عن كل ضغط وكل محاصصة بإمكانها تكبيل عملها.
واتهم بلعيد سعيّد بتشويه الهوية التونسية من خلال نسخة الدستور، لكن محللين يرون الرئيس سعيّد تجاوز بامتياز الجدل المثار حول مسألة الهوية والفصل الأول من الدستور، إضافة إلى التنصيص الواضح على مسألة السيادة في مشروع الدستور ومحافظته على كل المكتسبات المتعلقة بالحقوق والحريات التي راكمها التونسيون والتونسيات في السنوات الفارطة، وتم تضمينها في دستور 2014.
وفي الوقت الذي أظهر بلعيد انضمامه إلى قائمة الرافضين للدستور الجديد، أيدت عدة أحزاب تلك النسخة، معتبرة أنها أعادت تماسك الدولة.
ورأى حزب التحالف من أجل تونس أن الدستور المقترح أعاد للحكم نجاعته، وتماسك ووحدة الدولة. وأثنى على النظام الرئاسي الذي تضمنه، لاسيما أنه لا يخول الرئيس الترشح لأكثر من دورتين.
وأكد المتحدث باسم حزب التيار الشعبي محسن النابتي أن مشروع الدستور تضمن تحصينات لأي انحرافات ممكنة بالسلطة، من خلال التنصيص على إمكانية الترشح لمنصب رئيس الجمهورية لدورتين فقط، وأغلق الباب بهذا الفصل أمام تأبيد السلطة وأغلق الباب بالنظام الرئاسي أمام فوضى السلطة التي عاشتها البلاد بعد 2011.
وتتجه العديد من الأحزاب المؤيدة لإجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021 إلى المشاركة في الاستفتاء والتصويت بـ"نعم" على الدستور الجديد، على غرار حركة الشعب وحركة تونس إلى الأمام والتيار الشعبي والحركة المدنية لـ"مواطنون أنصار الوطن".
ويفترض أن يحل نص الدستور الجديد الذي يجعل نظام الحكم أقرب إلى النظام الرئاسي من البرلماني، محل دستور 2014 الذي أنشأ نظاما هجينا كان مصدر نزاعات متكرّرة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية خلال السنوات الماضية، وأغرق البلاد منذ العام الماضي بأزمة سياسية جمدت حركة السلطات الثلاث.