الشوق على بعد خطوتين

لمحيي الدين بن عربي المتصوف الأندلسي كتاب شعري بعنوان “ترجمان الأشواق” كتبه صاحب “الفتوحات المكية” تعبيرا عن شوقه إلى امرأة التقاها في مكة وصرعه جمالها. حدث ذلك قبل أن تقول أم كلثوم “غلبني الشوق”.
والشوق في اللغة نزوع النفس إلى الشيء وتعلقها به. والمسافة بين الشيء المشوق ومشقة العيش تبدو كبيرة غير أنها في الحب تقصر حتى تتلاشى. فالحب من غير مشقته هو صندوق من غير حمولة. يقول قيس بن الملوح “أعد الليالي ليلة بعد ليلة/ وقد عشت دهرا لا أعد اللياليا/ وأخرج من بين البيوت لعلني/ أحدث عنك النفس بالليل خاليا” وهو ما ذهبت إليه أم كلثوم وهي تقول “يا ترى يا وحشني بتفكر في مين/ عامل إيه الشوق معاك/ عامل إيه فيك الحنين” ويصل الشوق إلى مشقة غير محتملة حين تغص الكلمات بمعانيها “سهرت السهر في عنيا/ صحيت المواجع فيا” هنا يطوي الشوق أجنحته ليستسلم إلى المشقة.
شيء من ذلك يرد على لسان ابن بغداد أبونؤاس “إذا ما الشوق أقلقني إليه/ ولم أطمع بوصل من لديه/ خططت مثاله في بطن كفي/ وقلت لمقلتي فيضي عليه” أليس من حق محرم فؤاد أن يصرخ “يا وحشني رد عليا ازيك سلامات/ أنا احبك قد عنيا والعمر في حبك فات” ووحشني هو الإحساس بالوحشة بسبب الفراق.
تقول فيروز بأسى “بعدو الحبايب بيعدو بعدو الحبايب/ عا جبل عالي بيعدو والقلب ذايب”. يبدو المكان موحشا كما لو أنه صورة عن النفس الملتاعة بسبب الشوق.
ومن أجل اختراق المسافة يحتاج المرء إلى صوت عال مثل صوت وردة الجزائرية ليصرخ “وحشتوني” وللشاب الظريف الذي مات بدمشق في السابعة والعشرين من عمره قصيدة عن الفراق والأشواق تكاد تختصر كل معاني الحيرة التي تحيط بالعاشق بين بوح واعتراف وفقدان وشرود، يقول في مطلعها “لا تخف ما فعلت بك الأشواقُ/ واشرح هواك فكلنا عشاقُ” تهون على المرء عذاباته حين يشعر أن هناك شراكة تضمه إلى الآخرين.
وليس هناك أعظم من شراكة الحب الصافي الذي يصل إلى ذروته التي هي العشق حسب ابن حزم في كتابه “طوق الحمامة”. وليست للشوق مسافات فقد تشتاق للمرأة التي تُحب وهي بين يديك وهو ما أجادت أم كلثوم في التعبير عنه “كنت بشتاق لك وأنا وأنت هنا/ بيني وبينك خطوتين”.