الشهرة تفتك بالحقيقة

طغت شهرة المكسيكية فريدا كاهلو على حقيقة مستواها الفني وقيمة أعمالها على مستوى التاريخ الفني. وصل بها الانبهار الشعبي إلى مستوى أنها تحوّلت فيه إلى أيقونة لا تُمس. بحيث يعدّ أي نوع من الحديث عن مساوئ فنها نوعا من تحريف الحقيقة. صارت الحقيقة تقف إلى جانبها دائما.
أما قيمة ما رسمته فلن تهم إلاّ القلة، وهي قلة كانت ولا تزال حذرة ومتحفظة في انتقادها.
كاهلو (1907 – 1954) تفوّقت أسطورتها الشخصية على المكانة التي تستحقّها في عالم الفن. بل أن تلك الأسطورة وقفت حائلا دون التعرّف على مكانتها على الأقل بين فنانات القرن الماضي اللواتي كان الكثير منهنّ أفضل أداء منها بكثير.
فهي على ذلك المستوى لا يمكن أن تُقارن بالألمانية إيفا هيسه أو الفرنسية الأميركية لويزا بورجوا أو الأميركية جورجيا أوكيف. وإذا كانت هيسه لم تعش طويلا وماتت وهي لا تزال شابة، فإن بورجوا وأوكيف كانتا قد عمّرتا حتى كادتا أن تصلا إلى المئة سنة. مئة سنة لم تتوقّفا فيها عن العمل الخلاّق.
صحيح أنهما حصدتا الشهرة وصارت أعمالهما تُباع بأسعار باهظة في حياتيهما، غير أنهما لم تتحوّلا مثل كاهلو إلى أيقونتين بالرغم من أنهما مارستا تأثيرا لافتا على أساليب وطرق التفكير في الرسم في عصرنا.
ذاع صيتهما بين الأوساط الثقافية وأقيمت لهما المئات من المعارض حول العالم وكُتبت عن تجربتيهما الآلاف من الكتب، غير أنهما لم تتحوّلا إلى نجمتين شعبيتين تُقام لملابسهما المعارض وتُصنع الأفلام لتصوّر مقاطع من حياتيهما، لا لأنهما لم ترغبا في ذلك بل لأنهما لا تشكلان عنصر جذب للجمهور العام.
أما كاهلو فقد صارت أشبه بـ”موناليزا” حية. لا يلتفت الجمهور إلى المئات من الروائع في الطريق إلى رؤيتها. هناك عمى خيالي تسبّبه الشهرة. ذلك العمى، مَن يصاب به يكون عاجزا عن رؤية الحقيقة حتى لو اصطدم بها. نموذج كاهلو ليس فريدا في تاريخ الفن. هناك دائما فنانون وهبتهم الشهرة مكانة لا يستحقونها.
