"الشمعة" تتجاوز الحدود اللغوية والجغرافية وتقدم المسرح العربي في منغوليا

أولان باتور- في حدث فني بارز يعكس التطور المستمر للمسرح الإماراتي والعربي، شاركت فرقة المسيلة في مهرجان سانت ميوز الدولي بجمهورية منغوليا، حيث قدّمت عرضها "الشمعة" ضمن مسابقة عروض المونودراما، لتكون أول عمل مسرحي حي يُعرض باللغة العربية في تاريخ المهرجان، وذلك على خشبة مسرح البلاك بوكس في العاصمة أولان باتور وسط حضور دولي لافت من النقاد والمسرحيين والمهتمين بالفنون الأدائية.
المسرحية، التي ألّفها وأخرجها الفنان أحمد عبدالله راشد، وبطولة الفنان عبدالله مسعود، قدّمت قصة تحمل أبعادا فلسفية وإنسانية عميقة، حيث تعكس صراع الإنسان الداخلي بين العتمة والنور، وبين اليأس والأمل، من خلال أداء درامي متمكن وإخراج مسرحي متقن، في عمل يجسد عمق التجربة الإنسانية.
تتحدث المسرحية عن كاتب ينتحب ماضٍ عاشه بتركه أعز إبداعاته، والتي تاهت منه في طيات الحياة وكان قد خسر حبيبته والتي تظهر فجأة في ليلة يحاول الكتابة والبوح فيها عن لواعجه. لا يقدم خطوة ولا يؤخر. يحاول الهروب من قرار الاعتراف المرير وترك إبداعاته وبعدها تنكشف معه أسرار تائهة، يتحاور مع شمعته التي بقيت معه كآخر جذوة أمل له. يشعر بالوحدة والعزلة وعواصف تجتاح مخيلته ويحاول الهروب منها.
وقد تمكن العمل من إحداث تأثير عاطفي قوي في نفوس المشاهدين، الذين وصفوه بأنه “قصيدة بصرية مفعمة بالشاعرية والصدق”، مشيرين إلى أن المسرح الإماراتي يشهد نضجًا فنّيًا يعكس ثراء التجربة الثقافية في الدولة.
وتقف وراء نجاح العرض، جهود فريق فني متكامل. فقد صنع هذا النجاح الاستثنائي للمسرحية، عمل فريق فني محترف لتقديم تجربة مسرحية متكاملة، وضم الفريق كلا من: د. خالد الظنحاني (في تنفيذ الإضاءة)، طلال العنتلي (تنفيذ الصوت)، عبدالله الخديم (إدارة الخشبة)، سليمان الشامسي (التنسيق الإعلامي)، محمد عبيد الهنداسي (الإشراف الإداري)،
كل فرد في هذا الفريق لعب دورًا محوريًا في إنجاح العمل المسرحي، حيث ساهم الإبداع التقني في تعزيز الأثر البصري والصوتي للمسرحية، مما جعلها تجربة متكاملة تضيف إلى رصيد المسرح العربي في المحافل الدولية.
لاقى عرض “الشمعة” تفاعلًا كبيرًا من الجمهور والنقاد، الذين أشادوا بقدرة المسرح الناطق بالعربية على تقديم أعمال ذات بعد عالمي، تُخاطب وجدان المشاهدين بأسلوب إبداعي وإنساني متفرّد.
وأكد عدد من النقاد الحاضرين أن المسرحية نجحت في كسر الحواجز اللغوية والتواصل مع الجمهور الدولي عبر الأداء القوي والتعبير الفني العميق الذي قدمه الممثل، رغم سقوطه من فوق الطاولة، وهو ما كان خللا فنيا إلا أنه أكمل العرض كأن شيئا لم يكن في ظاهرة مميزة تعكس احترافية الفنان عبدالله مسعود وإمكانياته للتعامل وفق الظروف المفاجأة.
من جانبه، أعرب الوفد الإماراتي عن بالغ شكره للقائمين على مهرجان سانت موست الدولي لما قدّموه من دعم فني وتقني ساهم في إنجاح هذا العرض الفريد، معبرين عن اعتزازهم بتمثيل المسرح الإماراتي والعربي في مثل هذه المحافل العالمية التي تجمع نخبة من المبدعين والمسرحيين من مختلف الثقافات.
تعد مشاركة فرقة المسيلة للإنتاج المسرحي في مهرجان سانت موست الدولي خطوة مهمة لتعزيز حضور المسرح العربي في الساحة العالمية، حيث تعكس هذه المشاركة قدرة الفنون الأدائية الناطقة بالعربية على مخاطبة الجمهور الدولي بأسلوب إبداعي وإنساني يُبرز الهوية الثقافية العربية في أرقى صورها. وتمثل المشاركة إضافة نوعية للمسرح العربي في المحافل الدولية.
يؤكد هذا الإنجاز أن المسرح الإماراتي ليس مجرد فن محلي، بل هو وسيلة للتواصل الثقافي، تعكس تجربة إنسانية شاملة قادرة على التأثير والإلهام عبر مختلف اللغات والثقافات.
ويعد مهرجان سانت موس الدولي واحدًا من أبرز المهرجانات المسرحية في منطقة آسيا، حيث يجمع نخبة من الفنانين وصنّاع المسرح من مختلف الدول، ويتيح فرصة لتقديم أعمال إبداعية تعكس تنوع التجارب الفنية حول العالم، ويعتبر هذا الحدث منصة عالمية للفن المسرحي. وتأتي مشاركة فرقة المسيلة كإضافة قيّمة للمهرجان، حيث تُسلط الضوء على المسرح الإماراتي الذي يشهد تطورًا مستمرًا في الإنتاج الفني والإخراجي.
بهذا الإنجاز، تكون “الشمعة” قد أضاءت دربًا جديدًا للمسرح العربي على المستوى الدولي، مؤكّدة أن الإبداع الفني قادر على تجاوز الحدود اللغوية والجغرافية، ليصبح جسرًا للتواصل والتفاعل الثقافي بين الشعوب.