الشلل السياسي يفتح الباب للعنف في لبنان

محتجون يحطمون واجهات مصارف لبنانية للمطالبة بودائعهم.
الجمعة 2023/02/17
غضب ينذر بانفجار اجتماعي وشيك

تتصاعد التحركات الاحتجاجية في لبنان وتتفاقم معها المخاوف من انفجار اجتماعي يعقبه انفلات أمني يجهز على ما تبقى من الخدمات. ورغم الاحتقان الاجتماعي فإن الساسة اللبنانيين لا يزالون منقسين بشأن استكمال إرساء المؤسسات الدستورية، ما يعمق الأزمة.

بيروت - حطم العشرات من المحتجين واجهات مصارف وأحرقوا إطارات الخميس في بيروت احتجاجا على عجزهم عن سحب ودائعهم، في وقت دفع فيه فساد النخبة السياسية والمالية في لبنان وشهوتهم إلى السلطة وعدم كفاءتهم البلد المضطرب إلى حافة الهاوية، بينما يواجه الفقراء والطبقة الوسطى انهيارا اقتصاديا وتلاشي الخدمات.

وتفرض المصارف اللبنانية منذ بدء الانهيار الاقتصادي في خريف 2019 قيودا مشددة على سحب الودائع تزايدت شيئا فشيئا، حتى بات من شبه المستحيل على المودعين التصرّف بأموالهم، خصوصا تلك المودعة بالدولار الأميركي أو تحويلها إلى الخارج.

وعلى وقع الأزمة التي صنّفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، خسرت الليرة نحو 95 في المئة من قيمتها

سعر صفيحة البنزين (20 لترا) بلغ مليونا وأربعمئة ألف ليرة (حوالي 19 دولارا)، أي ما يعادل قرابة ثلث راتب جندي

وفي شارع بدارو في بيروت، حطم نحو 50 شخصا واجهات أربعة مصارف على الأقل خلال تحرك دعت إليه جمعية صرخة المودعين، وهي مبادرة مدنية تعنى بحقوق المودعين وتواكب تحركاتهم. وأحرق المتظاهرون إطارات أمام المصارف التي استهدفوها.

وقال أحد المتظاهرين الطبيب باسكال الراسي “منذ ثلاث سنوات، خطفوا وحجزوا ونهبوا أموالنا، هناك أصحاب ملايين بالدولار بيننا ولكن ليس هناك حتى قرش في جيوبهم”. وأضاف “لم يعد هناك أي حل، سنصّعد حتى نستعيد حقوقنا”.

ومن بدارو، توجه المتظاهرون إلى منزل رئيس جمعية المصارف سليم صفير الواقع في الضاحية الشمالية الشرقية لبيروت، حيث أحرقوا الإطارات والأخشاب، وكتبوا شعارات على جدار المنزل بينها “حرامية” (لصوص). ورمى بعضهم الحجارة من فوق الجدران إلى داخل المنزل، المحاط بأسلاك شائكة.

ومنذ بدء الأزمة، شهدت المصارف إشكالات متكررة بين مواطنين غاضبين وموظفين ملتزمين بتعليمات إداراتهم، كما تعرضت لعدة عمليات اقتحام من مودعين يطالبون بأموالهم.

وأغلقت المصارف أبوابها مرات عدة، وقد أعلنت جمعية المصارف في السادس من الشهر الحالي إضرابا مفتوحا، معتبرة أن الأزمة الحالية ليست أزمة مصارف فقط، بل هي نظام مالي بأكمله.

ويزداد الوضع الاقتصادي سوءا في لبنان، حيث ضاقت سبل العيش بكثيرين. وخلال أسبوعين فقط، تراجع سعر صرف الليرة اللبنانية في السوق السوداء من 60 ألفا مقابل الدولار إلى أكثر من 80 ألفا الخميس.

وانعكس ذلك ارتفاعا في أسعار المحروقات والمواد الغذائية، فيما توقفت متاجر عدة عن تسعير بضائعها.

jj

وقد قارب سعر صفيحة البنزين (20 ليترا) مليونا وأربعمئة ألف ليرة (حوالي 19 دولارا)، أي ما يعادل قرابة ثلث راتب جندي، في بلد بات فيه 80 في المئة من السكان تحت خط الفقر.

وانهارت الخدمات العامة، ويمكن للأسر، من دون استئجار مولد خاص، أن تتوقع فقط ساعة أو نحو ذلك من الكهرباء في اليوم، وساهم نقص مياه الشرب في تفشي الأمراض، بما في ذلك حالات الكوليرا الأولى منذ عقود.

ومن المتوقع أن يزداد الضغط المعيشي على سكان البلاد نتيجة حزمة الضرائب التي تستعد السلطات لإقرارها، إذ بدأت من رفع تعرفة الاتصالات الخلوية، وستمتد إلى قطاع الكهرباء الذي لا يؤمن أكثر من تغذية ساعتين في اليوم، كما من المتوقع أن ترتفع أسعار السلع والمواد الغذائية والبضائع المستوردة ما بين 20 و50 في المئة خلال الأشهر المقبلة.

ويزيد الشلل السياسي الوضع سوءا، في ظل فراغ رئاسي منذ أشهر تدير خلاله البلاد حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية، بينها إصلاحات يشترطها المجتمع الدولي لتقديم الدعم من أجل وقف النزيف الحاصل.

المصارف شهدت منذ بدء الأزمة إشكالات متكررة بين مواطنين غاضبين وموظفين ملتزمين بتعليمات إداراتهم، كما تعرضت لعدة عمليات اقتحام

ومنذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في نهاية أكتوبر، فشل البرلمان اللبناني 11 مرة في انتخاب رئيس جراء انقسامات سياسية عميقة.

وبفعل تعقد الحسابات السياسية والطائفية في لبنان، فإن اختيار رئيس للبلاد، أو حتى تشكيل حكومة أو تكليفها، يستغرق في العادة أشهرا عديدة، وفي العام 2016، وبعد أكثر من عامين على الشغور في سدة الرئاسة، جاء انتخاب عون رئيسا للبلاد بعد 46 جلسة برلمانية بموجب تسوية سياسية بين الفرقاء السياسيين.

لكن الفراغ السياسي القائم في لبنان حاليا، يبدو مختلفا، في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة تعاني منها البلاد، وكذلك في ظل وجود حكومة تصريف أعمال تبدو عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية في ملفات ملحة، أهمها القيام بإصلاحات يضعها المجتمع الدولي شرطا لدعم لبنان.

وفشلت السلطات حتى الآن في تنفيذ إصلاحات يشترطها المجتمع الدولي لتقديم الدعم من أجل وقف النزيف الحاصل.

وأعلن صندوق النقد الدولي في أبريل العام الماضي توصله إلى اتفاق مبدئي مع لبنان على خطة مساعدة بقيمة ثلاثة مليارات دولار على أربع سنوات. لكن تطبيقها مرتبط أيضا بالتزام السلطات بتنفيذ إصلاحات مسبقة، من بينها توحيد أسعار الصرف.

وبفعل الاحتقان الآخذ في الازدياد، بات الانفجار الاجتماعي نتيجة تتوقعها أعلى المراجع الأمنية في البلاد، وتحذر منها التقارير الدولية التي ترصد أحوال لبنان، خاصة وأنه ما من إجراءات حكومية أو سياسية تتخذ في سبيل كبح الانهيار، فيما كل متطلبات الانفجار صارت متوفرة على الساحة اللبنانية.

2