الشكوك تتزايد حول جدوى أساليب مكافحة الفقر بالسودان

فرضت قضية الأمن الغذائي في السودان نفسها بقوة هذه الفترة بالنظر إلى استمرار الوباء الممزوج بقسوة الإصلاحات الاقتصادية التي تنفذها الحكومة الانتقالية، في ظل تحذير الخبراء من أن البرامج المعتمدة لمساعدة الفقراء قد تأتي بنتائج عكسية جراء الارتفاع الجنوني للأسعار وانهيار العملة المحلية مما يشكل تحديا أكبر للسلطات.
الخرطوم - تزايدت شكوك المتابعين للشأن الاقتصادي السوداني حول إمكانية نجاح المبادرات التي تتبناها الحكومة الانتقالية بمساعدة المانحين الدوليين للسيطرة على اتساع خارطة الفقر ببلد يحاول الابتعاد بشق الأنفس عن الخطوط الحمر لأزماته المزمنة.
وبات السودانيون أمام حقيقة مواجهة شبح انعدام الأمن الغذائي في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار أمام العملة المحلية وارتفاع التضخم بشكل غير مسبوق ما تسبب في تدهور قدرتهم الشرائية مما يزيد من مخاطر الجوع وسوء التغذية.
وتبذل الحكومة محاولات مضنية للتخفيف من حدة الإجراءات الاقتصادية التي أقرتها خلال الفترة الماضية لإصلاح الوضع المعيشي المتأزم في البلاد.
ولكن مع مرور الوقت وجدت نفسها في موقف محرج من أجل المضي قدما في برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي وكبار المانحين الدوليين بسبب المؤشرات السلبية.

هيثم محمد فتحي: عدم وجود قاعدة بيانات للمستحقين يفتح مجالا للفساد
وباتفاق مسبق مع البنك الدولي والدول المانحة، قرر السودان تطبيق برنامج “ثمرات” المخصص لدعم الأسر السودانية، كأحد الجهود المبذولة لتخفيف حدة القرارات الاقتصادية.
إلا أن برنامج دعم الأسر السودانية يواجه عددا من العقبات الفنية، وفي مقدمها المشكلات التقنية للخدمات، كالهاتف النقال والخدمات المصرفية في بعض المناطق البعيدة التي لا تصلها خدمات شبكة الإنترنت.
ومن المؤكد أن محنة صنّاع السياسات المالية السودانية تتفاقم كل يوم بين مواجهة ارتفاع التضخم ولهيب الأسعار وبين حماية النمو الاقتصادي الهش، في ظل تباين الآراء حول نجاح برنامج الإصلاحات القاسية، والتي سيكون الفقراء أول من يدفع الثمن الباهظ لها.
وأقر وزير المال جبريل إبراهيم بوجود مشكلات فنية تتعلق بعملية تحويل الأموال إلى المستهدفين في بعض المناطق، غير أنه قال في تصريحات نقلتها الصحافة المحلية إنه على الرغم من ذلك، فإن البرنامج يحرز تقدما مستمرا.
ويلزم البرنامج، الذي تصل مخصصاته إلى 1.8 مليار دولار كتمويل من شركاء السودان، الحكومة بدفع ألفي جنيه (نحو 5 دولارات) لكل فرد من الأسر المستهدفة، أي نحو 32 مليون سوداني من جملة سكان البلاد البالغ عددهم 44 مليونا تقريبا.
وإضافة إلى المبلغ الكلّي المخصص لكل أسرة، يخصص برنامج ثمرات نسبة زيادة تقدر بواقع 3.5 في المئة عن المبلغ الإجمالي المخصص، ستذهب إلى الوكلاء ونقاط البيع لضمان عدم خصم أي مبالغ من الأسر مقابل خدمة السحب.
وبحسب تقديرات برنامج الأغذية العالمي، يعاني 9.8 مليون شخص في السودان أو 21 في المئة من البلاد من الجوع الحاد. وقال في تقرير نشر قبل شهرين إن “سوء التغذية يمثل حالة طارئة ومشاكل هيكلية في السودان”.
ويأتي العمل بهذا البرنامج المثير للجدل بعد أن طبقت الحكومة الانتقالية سياسة التعويم الجزئي للجنيه مقابل الدولار خلال فبراير الماضي، في محاولة للقضاء على الاختلالات الاقتصادية والنقدية. وفي وقت لاحق أعلنت السلطات إلغاء الدولار الجمركي مما أثار حفيظة أوساط المستوردين والتجار.
وفي يونيو الماضي أعلن السودان تحرير أسعار الوقود بشكل كامل، وترك أمر الاستيراد لشركات القطاع الخاص من دون تدخل الدولة.
وساهمت هذه القرارات في ارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير حيث تظهر الإحصائيات الرسمية أنه يبلغ وسجل معدل التضخم أكثر من 422 في المئة للمرة الأولى الاثنين، مقارنة بحوالي 160 في المئة بنهاية العام الماضي.
وحتى تخفف من تلك المعضلة أطلقت وزارة التجارة خلال الأسابيع الماضية حملة لتنظيم الأسواق للسيطرة على انفلات الأسعار بعد وصول التضخم إلى مستويات قياسية حيث تستهدف الحملة ملاحقة المحتكرين والمضاربين للتحكم في سعر صرف الجنيه المتهاوي.
ويرى الخبير الاقتصادي هيثم محمد فتحي أن الإجراءات الاقتصادية الأخيرة أدت إلى ارتفاع نسبة التضخم وانخفاض القوة الشرائية، ما استدعى اتخاذ خطوات، من بينها برنامج “ثمرات”.
وفي وقت سابق، كشف البنك الدولي أن السودان تلقى 820 مليون دولار منه ومن دول مانحة، لتمويل أول مرحلتين من البرنامج، اللتين تستهدفان 24 مليون نسمة في 12 محافظة لمدة ستة أشهر.
وأوضح فتحي أن الارتفاع في أسعار السلع الاستهلاكية له بالغ الأثر على الفقراء وذوي الدخل المحدود، والذين تقدر نسبتهم بنحو 80 في المئة من السكان تقريبا.
ونسبت وكالة الأناضول إلى فتحي قوله إن “برنامج ثمرات يهدف إلى رفع كفاءة الدعم الحكومي من خلال إعادة توجيهه ليركز على الفئات الأكثر استحقاقا، عن طريق تقليل الهدر ورفع كفاءة الاستهلاك”.
لكن الخبير يؤكد أن “عدم وجود قاعدة بيانات واضحة لمعرفة المستحقين، يفتح مجالا للفساد في عمل هذا النظام، ما يجعله يشكل عبئا على الاقتصاد السوداني ويمنع الأسر المستحقة من الحصول على الدعم بشكل منتظم”.
وقال “لم يساعد البرنامج في التغلب على الارتفاع الكبير في أسعار المنتجات المدعومة سابقا وفشل في دعم القدرة الشرائية للمواطنين، فضلا عن أنه لم يحد من نسبة انتشار الفقر والعوز”.
ويستهدف البرنامج في مرحلته الأولى 4 محافظات، هي الخرطوم والبحر الأحمر وجنوب دارفور وكسلا، باعتبارها أكثر المحافظات فقرا وتعدادا سكانيا.

شوقي عبدالعظيم: انعدام الإنترنت والخدمات المالية بعدة مناطق يعقد العملية
ويستمر البرنامج بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي لمدة 12 شهرا، يتأهل خلالها السودان للحصول على المزيد من القروض والتمويل من المؤسسات المالية الدولية.
وكانت الحكومة الهولندية قد أعلنت الأسبوع الماضي عن مساهمتها بمبلغ خمسة ملايين يورو (5.9 مليون دولار) لصالح “ثمرات”.
ويقر عضو البرنامج الإسعافي للاقتصاد السوداني الحكومي شوقي عبدالعظيم بوجود عقبات في وجه البرنامج، تتمثل في طريقة توزيع الدعم في مناطق يصعب الوصول إليها لانعدام وجود خدمات الإنترنت والخدمات المصرفية.
وكشف عبدالعظيم وجود حلول تعمل عليها الجهات المعنية، وفي مقدمها بنك السودان المركزي ووزارة المال، في استخدام تقنيات مختلفة للوصول إلى المستهدفين وحصرهم.
ويوضح أن الإدارات المحلية تسعى إلى حصر المستهدفين على مستوى المناطق الصغيرة، مشيرا إلى أن “البرنامج يشمل دخلا إضافيا للأسر، وفي الوقت ذاته لا يكلف الحكومة السودانية أي موارد”.
ويضيف أن هذه الموارد عبارة عن منح بالنقد الأجنبي تدخل خزينة الدولة، معتبرا أن البرنامج يحقق مداخيل إضافية بما يؤثر على القوة الشرائية للأسر في أرجاء البلاد.
ويرى عبدالعظيم أن البرنامج يساهم في خفض معدلات التضخم، من خلال تقليل طباعة الكتلة النقدية التي كانت تتم سابقا لمثل هذه البرامج.