الشغور الرئاسي في لبنان يغيّب الاحتفالات بعيد الاستقلال

بيروت – يحلّ عيد الاستقلال التاسع والسبعون كمناسبة وطنية مفصلية في تاريخ لبنان، وسط شغور رئاسي ومؤسساتي، واستمرار للأزمة الاقتصادية والمعيشية.
وغابت مظاهر الاحتفالات الرسمية بعيد استقلال لبنان عن فرنسا في عام 1946. كما غابت الأعلام اللبنانية في شوارع بيروت وغالبية المناطق اللبنانية.
وبينما اقتصر إحياء العيد على بروتوكول تكريم رجال الاستقلال بأكاليل الزهور، اكتفى المسؤولون في لبنان بعبارات تهنئة على استحياء للبنانيين، وتذكير بضرورة التوافق السياسي لانتخاب رئيس جديد، وتشكيل حكومة مكتملة الصلاحية.
ودعا رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي أعضاء مجلس النواب الثلاثاء إلى التعاون لانتخاب رئيس جديد للبلاد، "إيذانا بمرحلة جديدة من التعافي والنهوض".
وقال ميقاتي في بيان الثلاثاء بمناسبة عيد الاستقلال التاسع والسبعين "يحلّ العيد هذا العام بغصة على واقع دستوري منقوص بسبب الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، وعلى قلق مشروع على الحاضر والمستقبل بسبب أسوأ أزمة متعددة الوجوه يعيشها وطننا".
وتعهد رئيس الوزراء بالمضي في العمل الوطني والدستوري المطلوب والعمل على إعادة العافية والاستقرار للوطن، قائلا "على الرغم من كل ما يحصل فإننا سنبقى على إيماننا بأن وحدتنا كفيلة بانتشال وطننا مما يعانيه، بمساعدة أشقائنا وأصدقائنا في العالم".
وقال رئيس مجلس النواب نبيه بري بمناسبة ذكرى الاستقلال "كي لا يتحول الاستقلال إلى ذكرى يجب أن يبقى الاستقلال نهج حياة وفعلا يوميا لإرادة وطنية واحدة وموحدة"، وأضاف "الاستقلال بدأ قبل 79 عاما من الآن برئاسة وحكومة أين منهما نحن اليوم؟".
وكتب وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي عبر تويتر "الاستقلال يكون بتحمل المسؤولية، دفاعا عن الوطن، وحفاظا على السيادة ونهائية الكيان، وصونا للمؤسسات وتمسكا بالشرعية المتمثلة بالقوى الأمنية والجيش اللبناني".
واستغل مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان مناسبة ذكرى الاستقلال لدعوة أعضاء المجلس النيابي إلى القيام بواجباتهم واتخاذ مبادرة بمناسبة ذكرى الاستقلال بالاتفاق والتوافق على انتخاب رئيس جديد للبلاد، يتحلى بالمواصفات التي تذكرنا برجال الاستقلال.
وأضاف في تصريحات صحافية "إن ذكرى الاستقلال تمر هذا العام والوطن ينهار ومؤسسات الدولة غائبة عن تلبية احتياجات الناس من كهرباء وماء والعديد من متطلبات العيش الكريم، ولا يستقيم الوضع في لبنان إلا بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة واستعادة العلاقات اللبنانية العربية".
ويحلّ العيد التاسع والسبعون للاستقلال وزعماء المحاور يتقاذفون كرة مسؤولية التعطيل الرئاسي، بين فريق معارض لم يتوحد بشكل واسع خلف النائب ميشال معوض، وفريق الموالاة يتقدمه حزب الله يختبئ خلف التصويت بـ"ورقة بيضاء".
وجعلت هذه المواقف أفق حل أزمة الشغور مسدودا، وأدت إلى فشل مجلس النواب على مدار ست جلسات سابقة، في انتخاب رئيس جديد خلفا للرئيس السابق ميشال عون، ووسط توقعات بسيناريو متكرر خلال جلسة انتخاب الرئيس الخميس المقبل.
ورأى عدد من السياسيين أن مناسبة ذكرى الاستقلال لا يجب أن تحمل تهنئة للبنانيين بمناسبة "وطنية ومفصلية"، لكن للتحذير من استمرار الفراغ الرئاسي وتعثر تشكيل حكومة جديدة.
وأعربوا عن أملهم في أن تكون الذكرى فرصة لتعزيز الوحدة الوطنية والسلم الأهلي، وأن يضع المعنيون في سلم أولوياتهم انتخاب رئيس جديد بأقرب وقت ممكن.
وغرد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع عبر حسابه على ويتر قائلا "الاستقلال آت لا محال".
كما أكد النائب زياد الحواط عضو تكتل "الجمهورية القوية" (التكتل النيابي لحزب القوات) "في زمن الشغور وذكرى الاستقلال نتطلع إلى رئيس استقلالي يملأ لبنان بالسيادة والإصلاح، يخرجنا من آتون المحاور، ويقيم دولة القانون".
وهذه المرة ليست الأولى التي يمرّ فيها عيد الاستقلال في لبنان دون وجود رئيس له، فعقب انتهاء ولاية الرئيس الأسبق ميشال سليمان في الخامس والعشرين من مايو 2014، عاش لبنان أطول فترة شغور رئاسي، تخطت عامين وخمسة أشهر، إلى حين انتخاب الرئيس السابق ميشال عون في الحادي والثلاثين من أكتوبر 2016.
وكتب النائب حسن مراد عبر حسابه على تويتر "نحتفل بعيد نخشى أن يصبح مجرد ذكرى دون مضمون، في هذه الذكرى نتطلع إلى عودة الحوار في ظل الطائف وانتخاب رئيس جديد وصياغة مشروع حقيقي يعيد للوطن استقلاله".
كذلك، أبرز النائب المستقل غسان سكاف أن "في خضم هذا الفراغ القاتل رئاسيا ومؤسساتيا يطل علينا عيد الاستقلال مثقلا بهموم وأوجاع ومعاناة اللبنانيين".
وأضاف "لن نهنئ اللبنانيين في هذا العيد قبل تحقيق الاستقلال الحقيقي، علينا جميعا أن نؤمن بهذا الوطن ونمنع تحويل هذا العيد الوطني إلى ذكرى".
ودعا النائب السابق فارس سعيد إلى عدم الاحتفال بذكرى الاستقلال في ظل الظروف الحالية، ووقوع البلاد تحت وصاية إيرانية، قائلا "لن نحتفل بالاستقلال لأننا تحت الاحتلال الإيراني، إنما نحيي ذكرى استشهاد الرئيس رينيه معوّض والوزير بيار الجميّل".
وقال النائب طارق المرعبي عن كتلة "المستقبل" عبر تويتر "يأتي عيد الاستقلال والوطن في واقع مأزوم والعناد السياسي في أوجه، وكأن هذا الوطن الجميل كتب عليه أن يبقى أثير المراهنات السياسية التي لن تؤدي إلا إلى المزيد من الانهيار".
في المقابل، أكد رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل أن "الإنسان يكون حرّا لمّا قراره يعبّر عن قناعته، والمسؤول يكون سياديا ومستقلا لمّا موقفه ينبع من ضميره ومن مصلحة شعبه ووطنه".
وأضاف "مصلحة لبنان ومستقبل أجياله الشابّة فوق كل المصالح والاعتبارات، هيك نفهم الاستقلال ونعيشه، وما في شيء يحرجنا... السنة في فراغ بذكرى الاستقلال بس مش بمعناه".
وقال رئيس تيار "المردة" الوزير السابق سليمان فرنجية "كلنا أمام اختبار حقيقي لصون حرية واستقلال لبنان بالوحدة والحوار والانفتاح".
ويواجه لبنان حاليا أزمة حكم غير مسبوقة مع عدم وجود رئيس للبلاد وفي ظل حكومة تصريف أعمال برئاسة نجيب ميقاتي محدودة السلطات وبرلمان منقسم على خيارات عدة، فلا تملك جهة قوة أن تفرض رئيسا بالانتخاب الحر كما ينص الدستور.
وضمن التوافقات، يتولى رئاسة البلاد مسيحي ماروني ورئاسة الحكومة سُني ورئاسة البرلمان شيعي.
ووفق الدستور اللبناني، فإن مجلس النواب ينتخب الرئيس بالاقتراع السري، وهذا المجلس يتألف من 128 مقعدا يتم تقسيمها بالتساوي بين الطوائف الإسلامية والمسيحية.
ومنذ انتهاء ولاية عون فشل البرلمان اللبناني ست مرات في انتخاب رئيس للبلاد، على أن تكون الجلسة السابعة في الرابع والعشرين من نوفمبر الجاري، وسط غياب أي أمل في توافق على انتخاب رئيس.
وكانت الانتخابات النيابية التي حصلت في مايو الماضي، أفرزت مجلسا منقسما للغاية، بحيث لا يستطيع أي فريق تشكيل أكثرية لوحده لبسط قراراته، وذلك بعدما كانت الأكثرية المطلقة بيد "حزب الله" وحلفائه في برلمان عام 2018.