الشعر يولد في العراق.. والحياة أيضا

الاثنين 2015/10/19

الشعر يولد في العراق، فكن عراقيا لتصبح شاعرا يا صاحبي، أستعير كلمات الرائع محمود درويش لأصف بشرا يتشربون الشعر في الأرحام، يرضعون الجمال، ويولدون بحب الحياة والجمال والفن.

كنت بمرحلة التعليم الأساسي حين وقع الغزو أو كما يحلو لبعض العراقيين تسميته “الاستعادة” وامتلأت مدرستي والحي الذي أسكنه بعراقيات. فتيات في جمال القمر وإشراق الشمس، وجوهوهن بيضاء صافية، وحين تلسعنا شمس الصباح في وقفة طابور المدرسة تتزين خدودهن باللون الوردي وتعكس جباههن ضوء النهار، تتعانق ضفائرنا حين نجري ونلعب ونلهو في فسحة منتصف اليوم.

تبتلع الفتاة العراقية حزنها ووجعها وتغزل منهما شعرا ونثرا، تعشق الحياة، تحفظ أشعار أبي الطيب المتنبي، بدر شاكر السياب، معروف الرصافي، ونازك الملائكة، تتغنى بأشعار المتصوفة البصرية رابعة العدوية. الشعب العراقي بطبعه محب للحياة، فلا عجب في أن ترى في العراق دواوين بلا شعراء وشعراً يسكن حروف الكلمات.

مسابقة ملكة جمال العراق في هذا التوقيت العصيب، ببلد ملطخ بالدماء، ومحاصر بتشدد يقاتل الحجر والبشر، تمنح الفرصة للفرح المخبأ خلف الدموع أن يفك أسره ويخرج في نوبة إفاقة، هي بمثابة دفعة قوية للتفاؤل، خطوة نحو الحياة.

وفي خضم الأحداث والرفض اللاهث نحو سلب الحق في السعادة، أعلنت الطالبة الجامعية لبنى حامد (البالغة من العمر 21 عاماً المشاركة بالمسابقة) عن سعادتها بهذه المسابقة وإتاحة الفرصة لها لتمثل بلادها، مؤكدة إصرارها على الاستمرار بها رغم كل التحذيرات والتهديدات التي تلقتها ببلد يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على ثلثيه.

وتبعتها تأكيدات أكثر تشبثا وإصرارا من همسة خالد المتسابقة الأخرى، (ابنة الثامنة عشرة) متجاهلة رسائل التهديد التي تلقتها ومعلنة عن تصميمها على الاستمرار دون النظر للمواقف العدائية ضد المسابقة. ببساطة لأن همسة لديها رسالة تلخص العراق في كلمة “السلام”.

باختصار هذا هو العراق رغم الحصار الفكري والنفسي والحرمان من الكثير من الحقوق وأولها حق الحياة. شعب يجدد نفسه ويعيد بناء أنسجة كيانه الغارق في حب الحياة، المفتون بعشق تفاصيل الفرح، المملوء بالرغبة.

تقع قلوبنا في المنتصف من الصدر، وليست باليسار أو اليمين حتى لا تنحاز لشيء إلا للنبض، للحياة.

قد لا يتغير واقع العراق قريباً، خاصة في ظل وضع سياسي غائم وحكومة لا تسعى لبناء أي بنية أساسية تغير من أحوال البلاد وجل حرصها على بقائها على رأس بلد جريح. وحدها مسابقة ملكة جمال العراق تعكس القدرة على الفرح والعيش رغم العذابات.

ولكن بعض الفتيات يسعين نحو رفع اسم بلادهن في مسابقة تحظى بمشاهدة واسعة، وتسليط الأضواء والاهتمام الإعلامي على المستويين العربي والعالمي من شأنهما أن يقولا كلمة واحدة فقط وهي أن الشعر يولد في العراق وحب الحياة أيضا، وأن أعشاب الخلود في عقل غلغامش حقيقة.

21