الشعبويون يراهنون على انتخابات البرلمان الأوروبي لتقويض مؤسساته

بروكسل - أثار ستيف بانون الذي كان يشغل منصب كبير مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشؤون الاستراتيجية، والذي ينتمي إلى اليمين المتطرف، دهشة الكثيرين في وقت سابق من العام الحالي، عندما أعلن عن خطط لمساعدة المنتمين إلى التيار الشعبوي قبيل انتخابات البرلمان الأوروبي المقرر إجراؤها في مايو المقبل، الا أن المبادرة ورغم ما حملته من إغراءات لاقت فتورا أوروبيّا.
وطرح بانون مبادرته الجديدة التي أطلق عليها اسم “الحركة”، كشبكة لدعم الأحزاب الأوروبية المناهضة لمؤسسات الدولة، وأعلن أنه سيكرّس “ما نسبته 80 بالمئة من وقته لمساندة هذه القضية.
ولقيت مبادرة بانون حتى الآن رد فعل مختلطا في صفوف الشعبويين الأوروبيين، غير أنها تشير إلى السؤال الأكثر أهمية وهو ”هل سيشهد عام 2019 النجاح الكبير التالي للتيار الشعبوي داخل الاتحاد الأوروبي؟
وهذا السؤال يلقي بظلاله على انتخابات البرلمان الأوروبي، حيث ترى بعض التوقعات أن الأحزاب المتشككة تجاه الاتحاد الأوروبي واليمينية، ستحصل في هذه الانتخابات على نسبة تتراوح بين 20 بالمئة إلى 30 بالمئة من مجموع الأصوات.
وفي حال تحقيق هذه النتيجة قد تصبح هذه الأحزاب، إذا تمكّنت من توحيد صفوفها، القوة الكبرى في البرلمان الجديد.
اليمين الشعبوي الأوروبي يسعى إلى تعزيز موقعه مدفوعا بشحنة انتصارات منظوريه في عدة بلدان
وعلى الرغم من أن مثل هذا التعاون بين هذه الأحزاب يبدو أمرا غير مرجّح الحدوث بسبب اختلاف برامجها الحزبية، فإن الأحزاب التقليدية تُعرب صراحة عن قلقها.
ويحذّر فرانز تيمرمانز نائب رئيس المفوضية الأوروبية والمرشح الأول للأحزاب الاشتراكية بالاتحاد الأوروبي، قائلا إن الانتخابات القادمة ستدور حول “روح أوروبا”.
وأوضحت جميع الأحزاب اليمينية المتطرفة، مثل حزب “البديل من أجل ألمانيا” الألماني، وحزب “الرابطة “ الإيطالي، وحزب “الحرية” النمساوي، وحزب “التجمع الوطني” الفرنسي، أنها لم تعد تريد الاتحاد الأوروبي بشكله الحالي، وفي الحقيقة لا تريد بعض هذه الأحزاب الاتحاد الأوروبي برمّته.
ووجد هؤلاء السياسيين أن هجومهم الحاد على بروكسل، مقر الاتحاد الأوروبي، يلقى تجاوبا من قبل الكثير من الناخبين، حيث تأتي هذه العبارات الهجومية للسياسيين مشحونة بتحذيرات من ظهور “دولة أوروبية سوبر” إلى جانب تحذيرات من “إملاءات الاتحاد الأوروبي”.
اليمين المنقسم
وإذا كان الأمر كذلك فلماذا كان لهذه الأحزاب نفوذ صغير نسبيا في البرلمان الأوروبي الحالي، على الرغم من أنها تسيطر على نحو 20 بالمئة من مقاعد البرلمان البالغ عددها 751 مقعدا؟
ويرى مراقبون أن ذلك يرجع إلى الاختلافات الداخلية بينها، وثمة سبب آخر وهو أنها متفرقة عبر ثلاث كتل.
وعلى سبيل المثال، يضم المحافظون والإصلاحيون الأوروبيون وهم ثالث أكبر جناح في البرلمان، الكثير من أعضاء البرلمان المعتدلين في معارضتهم للاتحاد الأوروبي، ويشمل ذلك المحافظين البريطانيين وأعضاء حزب “القانون والعدالة” البولندي، حيث صوّت هذا الحزب لطرد حزب “البديل من أجل ألمانيا” عام 2016، وهو الحزب الذي انتقل منذ ذلك الحين إلى كتلة يمينية أكثر تطرفا.
ومن ناحية أخرى تركز مجموعة “أوروبا الحرية والديمقراطية المباشرة” على الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، حيث أنها تضم مجموعة كبيرة من نواب “حزب استقلال المملكة المتحدة“، ولكنها تضم أيضا حركة “خمس نجوم” الإيطالية التي تعدّ انتقائية في برنامجها من الناحية الأيديولوجية.
وهناك مجموعة “أوروبا الأمم والحرية” التي تضمّ معظم الأحزاب اليمينة المتطرفة المسيطرة في القارة الأوروبية، وتشمل حزب “الرابطة” الإيطالي و”البديل” الألماني وغيرهما من الأحزاب اليمينية القومية المذكورة من قبل.
ويشير نيكولاي فون أوندارزا الخبير في شؤون الاتحاد الأوروبي بمعهد الشؤون الدولية والأمنية بألمانيا، إلى سببين لاحتمال أن تكون ثمة حدود لمكاسب الشعبويين في انتخابات 2019.
والسبب الأول هو أن نواب البرلمان الأوروبي البريطانيين الذين كانوا من المفروض أن ينضمّوا إلى القوى المعارضة للاتحاد الأوروبي، سينسحبون من البرلمان بعد خروج بلدهم من الاتحاد الأوروبي في 29 مارس القادم، وكنتيجة لذك التطور فإن الأحزاب الشعبوية الباقية مجتمعة، قد لا تتمكن من تجاوز نسبة 20 بالمئة من إجمالي مقاعد البرلمان الأوروبي القادم.
والسبب الثاني يرجع إلى أن التعاون بين الأحزاب الشعبوية “من غير المحتمل أن يستمر في المستقبل” نتيجة للاختلافات الجوهرية في برامجها كما يشير أوندارزا، وهذا قد يفسر عزوف كثير من زعمائها عن مناقشة تشكيل تحالفات بينها.
عندما يتوافق الشعبويون معا
عندما يتعلق الأمر بالشعبوية تقدم إيطاليا نموذجا حول كيف يمكن أن ينجح حكم الشعبويين، حيث استطاع اثنان من الأحزاب المعارضة للاتحاد الأوروبي رغم الاختلافات بينهما تشكيل ائتلاف حكومي.
وتلقي الانقسامات داخل الائتلاف الحاكم في إيطاليا الضوء على بعض التحديات التي تواجهها الأحزاب الشعبوية الأوروبية، وفي هذا الصدد تشير كارولين كانتر الباحثة “بمؤسسة كونراد أديناور”، في روما إلى أن كلاّ من حركة “خمس نجوم” المعارضة لمؤسسات الدولة وحزب “الرابطة” اليميني الإيطالي يهاجم بروكسل من أجل الحصول على مكاسب سياسية، غير أن كليهما يخدم مصالح مجموعات مختلفة من الناخبين.
وتتخذ حركة “خمس نجوم” موقفا شعبويا في انتقادها لاتفاقات التجارة الحرة، ولكنها تخلّت عن معارضتها للعملة الأوروبية.
وهذه الأسباب يمكن أن تفسر لماذا يتعين على ستيف بانون أن ينفخ الحياة في حركة موحدة للشعبويين، ولماذا تصرفت معظم الأحزاب اليمينية المتطرفة بفتور إزاء جهوده؟
وقال سالفيني إنه يجد أن بانون “شخصا يثير الحماس، لكن مصير أوروبا يقع بين أيدي الأوروبيين وليس بين يدي أي شخص آخر”.