الشركات الناشئة تشق طريقها بصعوبة في تونس

توسيع نوافذ التمويلات وزيادة مرونة القوانين محددان مهمان لإعطاء القطاع دفعة أكبر للنمو مستقبلا.
الاثنين 2025/02/10
ما رأيكم في ابتكارنا؟

تسود قناعة بين المحللين والأوساط الاقتصادية في تونس بأن بيئة الأعمال الخاصة بالشركات الناشئة لا تزال تواجه مجموعة من التحديات، وهي تشق طريقها بصعوبة نحو إثبات قدرتها على الصمود والتوسع في السوق وفق ما تطمح إليه السلطات.

تونس - تعترض الشركات الناشئة في تونس عراقيل للتوسع والنمو، لاسيما من ناحية الحصول على التمويلات الكافية لأنشطتها، التي تشكل هاجسا دائما لرواد الأعمال، فضلا عن الحاجة الماسة إلى زيادة التشجيعات الحكومية.

ولئن كان نطاق القطاع في البلاد صغيرا قياسا بما هو عليه في دول أخرى في الشرق الأوسط وخاصة في منطقة الخليج، لكن الخبراء يرون أن بإمكانه أن يحقق نتائج أفضل إن تم القيام ببعض الإجراءات المحفزة.

وكانت وزارة تكنولوجيات الاتصال ووزارة التشغيل والتكوين المهني، قد اتخذتا العديد من التدابير لدعم المبادرات الخاصة، تشمل توفير المرافقة لأصحاب المشاريع وتركيز آلية لدعم الشركات المتعثرة لاستعادة نشاطها وحوكمة مجال الشركات الناشئة.

ريم سعيد: القطاع يحتاج إلى دعم متواصل حتى يحقق التنافسية
ريم سعيد: القطاع يحتاج إلى دعم متواصل حتى يحقق التنافسية

وباعتبارها أول دولة أفريقية تطبق قانونا وطنيا للشركات الناشئة، فإن الابتكار كان بالنسبة للسلطات أحد الدوافع المهمة للتنمية من خلال التعاون المحلي والدولي ومبادرات التمويل والإستراتيجيات الحكومية التي تدعم نمو هذا القطاع.

ورأت مؤسسة الأقطاب التكنولوجية الذكية في أحدث تقييم لها حول هذا المجال أن تونس قادرة على تجاوز هدف إطلاق ألفي شركة ناشئة مع نهاية سنة 2025.

وبحسب البيانات الرسمية للمؤسسة، فقد بلغ عدد الشركات الناشئة بنهاية العام الماضي 1133، حيث تثبت هذه الأرقام وجود مكامن مهمة للقطاع إن تم استغلالها على النحو المطلوب.

وتهدف الإستراتيجية الوطنية للتحوّل الرقمي الممتدة بين عامي 2021 و2025 إلى إنشاء مئتي شركة ناشئة سنويا مع توفير 10 آلاف فرصة عمل مباشرة خلال الخطة الخمسية مع بلوغ رقم معاملات سنوي بقيمة مليار دينار (320 مليون دولار).

وتؤكد الرئيسة المديرة العامة لمؤسسة الأقطاب التكنولوجية الذكية ريم سعيّد أن تونس نجحت في الاعتماد على الشركات الناشئة لتطوير الاقتصاد رغم أنها لا تزال في بداية طريقها.

ونسبت وكالة الأنباء التونسية الرسمية إلى سعيّد قولها “لقد ساهمت هذه الشركات في توفير العديد من فرص العمل وتنشيط العديد من المجالات.”

وبدأ ظهور الشركات الناشئة في تونس عام 2018 مع إقرار قانون يسمح بنشاطها وحدد كيفية دخولها ضمن المنظومة الاقتصادية، مع منح أصحاب الأفكار والمبتكرين فرصة لتطوير أعمالهم من خلال الحصول على المساندة والدعم من الدولة.

وأوضحت سعيّد أن “الدعوة لا تزال مفتوحة أمام المبتكرين لتقديم أفكارهم خاصة وأن الدعم لا يزال متوفرا عبر مختلف الآليات والدولة قادرة على مساعدتهم لتنفيذ مشاريعهم.”

10

في المئة هي نسبة ما أظهرته الشركات من قدرات منذ إطلاق قانون خاص بها في 2018

وأشارت إلى أن التشريعات المتعلقة بالشركات الناشئة ساهمت في احتضان أصحاب الأفكار، خاصة في ظل عدم إدراجهم ضمن المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

ولكنها استطردت قائلة إن هذه الشركات “تحتاج إلى دعم متواصل على امتداد أغلب مراحل الإعداد وبلوغ مستويات هامة من القدرة التنافسية.”

ودعت إلى ضرورة توفير خطوط تمويل خاصة بالشركات الناشئة التي بدأت في عملية الإنتاج، وهي فترة تحتاج فيها هذه المؤسسات إلى رأس مال وإلى تمويلات كبيرة.

وقالت “رغم التمويلات التي تُوفرها الدولة عبر العديد من البرامج والآليات إلاّ أنّ هذه المؤسسات الناشئة تحتاج إلى تمويلات أكبر عندما تدخل طور الإنتاج الفعلي.”

وأضافت “رغم وجود صناديق استثمار وتمويلات مرصودة للشركات الناشئة إلا أنّ الاستثمارات تعد ضرورية لهذه المؤسسات عندما تصبح منتجة ولا بد من إيجاد مصادر تمويل لمساعدتها.”

وتوفر الحكومة برنامجا تحت اسم “ستارت آب تونس” يقدم منحا تصل إلى مئتي ألف دينار (قرابة 63 ألف دولار) لدعم الشركات الناشئة.

كما أطلقت برنامجا آخر يقدم أيضا نفس مبلغ المنحة لأي صاحب مشروع ريادي في مرحلة التأسيس وذلك بهدف دعم الشركة في البحث عن تمويلات.

ورغم المحاولات السابقة وعلى مدار قرابة سبع سنوات من أجل بناء قطاع قوي ومنافس، لكن الشركات الناشئة أظهرت قرابة 10 في المئة من قدرتها حتى الآن في السوق التونسية.

وتعتقد مؤسسة الأقطاب التكنولوجية الذكية أنّ نسبة الشركات الحاصلة على علامة “مؤسسة ناشئة” لا تعد كبيرة.

وعزت سعيّد هذه الوضعية إلى أنّ سوق التجديد لا تزال مفتوحة أمام الشركات، كما أنه توجد في تونس العديد منها تعمل في مجالات مجددة، لكنها لم تحصل على علامة “المؤسسة الناشئة”.

وتشير تقديرات منصة “أف 6 أس” للتكنولوجيا إلى أن تونس تحتل المرتبة الـ29 من حيث الشعبية على مستوى العالم لبدء شركة أو شركة ناشئة، وتحتل المرتبة الرابعة في قارة أفريقيا.

تحتل تونس المرتبة الـ29 عالميا لبدء شركة ناشئة والمركز الرابع أفريقيا
تونس تحتل المرتبة الـ29 عالميا لبدء شركة ناشئة والمركز الرابع أفريقيا

وإدراكا لأهمية ريادة الأعمال والابتكار للنمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل، بادرت تونس والبنك الدولي بسلسلة من الإصلاحات لمعالجة التحديات التي تواجهها الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة، وزيادة التمويل، ودعم النمو.

وعلى سبيل المثال، يعد مشروع “المرأة في الزراعة تكتسب الأمن الاقتصادي” بقيمة 2.1 مليون دولار والذي يستمر لثلاث سنوات، إحدى المبادرات المهمة لتمكين المرأة في قطاع التكنولوجيا الزراعية في تونس، والذي تم إطلاقه في مارس 2024.

ويستثمر صندوق الصناديق أنافا وصندوق إنوفا تيك في الشركات الناشئة المبتكرة والشركات الصغيرة والمتوسطة في تونس. وهما يوفران الدعم في النظام البيئي ومنحا إضافية للشركات الناشئة ووسطاء النظام البيئي لبناء تدفق صفقات عالية الجودة.

ومع ذلك، تعتقد سعيد أن الشركات الناشئة المنتجة تحتاج إلى أطر للتعاقد المباشر مع الدولة وتوفير خطوط تمويل إضافية لها من أجل تنمية أعمالها.

وأكدت أن مؤسسة الأقطاب التكنولوجية الذكية تعمل على تقديم هذا المقترح، مشيرة إلى وجود شركات ناشئة معترف بمنتجها ولديها خدمات تفاضلية، وبالتالي لا بد أن تكون لها أولوية ولا يمكن أن يتحقق هذا الأمر إلاّ من خلال إتاحة الفرصة لها بالتعاقد مباشرة مع الدولة.

وقالت “عندما قمنا بإدراج المؤسسات الناشئة ضمن قانون الصفقات العمومية، لم يتمكنوا من فرض أنفسهم أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة خاصة وأنّ الشركات الناشئة تقدم منتوجا مختلفا.”

وشددت على أهمية إيجاد آلية لإدراج هذه الشركات والتعامل معها وفق آليات مختلفة للاستفادة من منتوجاتها عند إسناد الصفقات أو اقتناء منتوجاتها بشكل مباشر.

10