الشركات المغربية تدفع ضريبة دوامة المنغصات الاقتصادية

تعطي الأرقام حول حالات إفلاس الشركات في المغرب تحديا إضافيا للحكومة من أجل لملمة سريعة لهذه المشكلة قبل أن تتسع، رغم أن لديها خططا من أجل إنفاق المزيد من الأموال خلال هذا العام بما في ذلك قطاع الأعمال الذي يشكل عصب الاقتصاد إلى جانب الزراعة والصناعة.
الرباط - اتسعت مخاوف أوساط الأعمال المغربية من دخول الشركات في منعطف أكثر خطورة، بعد أن أغلق شق منها أبوابه واستحالة إنقاذ عدد منها أو الحيلولة دون إغلاق أبوابها في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة.
وشكلت التحذيرات من دخول الشركات في أزمة أعمق لا يمكن التكهن بعواقبها بعد أن زادت من متاعبها تداعيات الحرب في أوكرانيا جراء التكاليف وركود الأعمال، إقرارا بفشل الخطط الاحترازية للسلطات مع دخول الاقتصاد برمته في خمول.
وأظهرت تقييمات حديثة أن السوق المحلية سجلت رقما قياسيا في عدد إفلاس الشركات العام الماضي نتيجة ثلاثة أسباب رئيسية، تتمثل بتأخر حصولها على إيرادات منتجاتها، وأثر التضخم على أسعار المواد الأولية، وتداعيات الجائحة.
وبحسب دراسة أصدرها مكتب أنفوريسك المتخصص بالمعلومات القانونية والمالية حول الشركات المغربية، بلغ عدد الإفلاسات المُصرّح بها لدى المحاكم قرابة 12.4 ألف حالة بنمو قدر بنحو 17.4 في المئة على أساس سنوي.
وأشارت الدراسة إلى مخاطر استمرار وتيرة الارتفاع عن المعدل المسجل في السنوات الخمس الأخيرة بنحو 15 في المئة، مما يسلط ضغوطا أكبر على المسؤولين لتفادي الأسوأ خلال هذا العام.
وقال أمين الديوري مدير الدراسات والاتصال في أنفوريسك في مقابلة مع تلفزيون بلومبرغ الشرق الأربعاء إن “هذا الرقم يُعتبر الأعلى في تاريخ المغرب”، موضحا أن نحو 99 في المئة من هذه الشركات المفلسة هي عبارة عن مشاريع صغيرة جدا.
وكانت شركة أليانز للتأمين والاستثمار الدولية ذكرت في تقرير لها نشرته في ديسمبر الماضي أن الضغوط التضخمية، وتشديد السياسات النقدية من قبل البنك المركزي واضطرابات سلاسل التوريد، تؤثر على الشركات.
وما يثير الاهتمام أن خبراء الشركة رجحوا في تقريرهم أن يتجاوز عدد الإفلاسات في المغرب هذا العام مستوى العام الماضي.
وخلال العام الماضي بلغ معدل التضخم في البلاد حوالي 6.6 في المئة، وهو أعلى مستوى مسجل منذ ثلاثة عقود، مدفوعا بارتفاع أسعار المواد الغذائية نتيجة موسم الجفاف، وقفزة أسعار المحروقات.
ويرى عبدالله الفركي رئيس الكونفيدرالية المغربية للشركات الصغيرة والمتوسطة أن العدد الحقيقي للشركات المفلسة تجاوز 20 ألفا العام الماضي، أخذا بعين الاعتبار تلك التي تُنهي نشاطها دون اللجوء إلى المحاكم.
وتحاول الحكومة زيادة الاستثمارات لدعم الاقتصاد المغربي المتعثر الذي شهد تباطؤا حادا في النمو خلال العام الماضي عند نحو 1.3 في المئة.
وبعد أن أقرّت ضخ استثمارات حكومية بنحو 22 مليار دولار في ميزانية 2022، خصصت الحكومة في ميزانية هذا العام حوالي 27 مليار دولار، وهي الأعلى على الإطلاق.
وتراهن السلطات على زيادة حجم الاستثمار العمومي والخاص للمساهمة بشكل أكبر في رفع النمو الاقتصادي للبلاد، وفقا لما خلصت إليه توقعات رسمية حديثة.
ومع ذلك، تظهر توقعات المؤسسات الرسمية المغربية واقعا مخيفا، حيث رجحت المندوبية السامية والتخطيط أن تشهد استثمارات الشركات المغربية تراجعا خلال العام الحالي.
وبحسب المندوبية، وهي هيئة حكومية مكلفة بالإحصاء، فإن الشركات ستكون أكثر حكمة من حيث الاستثمار بتفضيل تحسين وضعها المالي الداخلي لتكون أقل اعتمادا على التمويل المصرفي.
وقالت في مذكرة في نوفمبر الماضي إن “الشركات تُكابد فقط من أجل الاستمرار دون التفكير في الاستثمار، بينما تراهن الحكومة على رفع الاستثمار الخاص من الثلث إلى الثلثين بحلول 2035”.
وأفادت أن عددا من العوامل الاقتصادية والمالية ستُضعف الاستثمار العام المقبل، منها التضخم والركود العالمي المتوقع، وآثار تشديد السياسة النقدية التي من المرجح أن تدفع البنوك إلى تشديد شروطها لمنح التمويلات.
ورغم مرور ثلاث سنوات على جائحة كورونا، مازالت آثارها مستمرة على الشركات المتوسطة والصغيرة حيث تضررت إيراداتها بشكل كبير، لتدخل في مسار تقشفي لخفض التكاليف، فيما اضطرت نسبة مهمة منها لإعلان الإفلاس، وفقا لمدير الدراسات في أنفوريسك.
واعتبر الديوري أن طول “آجال الأداء”، أي مدة حصول الشركة على مستحقاتها المالية بعد تسليم خدماتها أو منتجاتها، يُعد من الأسباب الهيكلية للإفلاس في المغرب.
وقال “تتجاوز هذه المدة بالنسبة للشركات الصغيرة 200 يوم، وهو ما يؤثر على ماليتها والتدفق النقدي لديها ويعرقل تطورها”.
وتعتمد أنفوريسك في إصدارها السنوي الخاص بإفلاس الشركات على معطيات المحاكم التجارية في المغرب، لكن الديوري يرى أن الرقم الحقيقي أكبر بالنظر إلى عدم لجوء نسبة مهمة من الشركات إلى القضاء لإعلان الإفلاس وتفضيلها التوقف عن أي نشاط.
ويعتقد الديوري أن ارتفاع أسعار المواد الخام بعد الأزمة الروسية - الأوكرانية وتعثر سلاسل الإمداد ساهم في ارتفاع كلفة الإنتاج، ما نجم عنه تدهور في هوامش ربحية الشركات.
وتشير الأرقام إلى أن نحو 20 في المئة من الشركات لم تقم بأي نشاط خلال السنوات الخمس الماضية، ما يجعلها في وضع لا هي مفلسة ولا عاملة، ولكنها تؤدي الحد الأدنى من الضريبة بانتظار تحسن الظروف.
وإلى جانب نسبة الإفلاس المرتفعة، فإن معدل التعويض، أي عدد الشركات الجديدة مقارنة بالمفلسة، شهد تدهورا كبيرا، فكل شركة واحدة مفلسة قابلها تأسيس أربع شركات جديدة فقط عام 2022، مقابل عشر شركات خلال عام 2009.
وفي أكتوبر الماضي أطلق المغرب مبادرة تهدف لضخ استثمارات إضافية بخمسين مليار دولار في السوق خلال خمس سنوات بالتعاون بين الحكومة والقطاعين الخاص والمصرفي، بهدف توفير 500 ألف فرصة عمل جديد في الفترة بين 2022 و2026.
وتتطلع الحكومة عبر مشروع ميزانية 2023 لتحقيق نمو أربعة في المئة، وألا يتجاوز العجز المالي 4.5 في المئة مقابل 5.3 في المئة مع نهاية 2022.
لكن توقعات البنك الدولي لنمو الاقتصاد المغربي تبدو متشائمة قياسا بتفاؤل الحكومة، إذ يرى أنها ستصل فقط إلى حدود 3.1 في المئة بفضل انتعاش القطاع الزراعي.