الشركات المصرية تدخل سباق التوسع في ليبيا

تتسابق الشركات المصرية للتوسع في ليبيا عبر افتتاح فروع لها، بخلاف الرهان على الفوز بحصة كبيرة من إعادة الإعمار وخاصة بنيتها التحتية التي تحتاج إلى التجديد، ما يجعلها في منافسة مع كيانات أجنبية متسلحة بدعم القاهرة لأسباب سياسية.
القاهرة - بدأ القطاع الخاص المصري في انتهاج سياسة الهجوم على ساحة الاستثمار الليبية، واتفقت نحو 20 شركة متخصصة في مجالات صناعية وخدمية مع مسؤولين ليبيين على فتح فروع لها خلال العام الجاري في عدد من المدن، من دون التقيد بمنطقة معينة.
وخرجت مصر من عباءة التركيز على شرق ليبيا، ومدت بصرها إلى الغرب أيضا، وفي القلب منه طرابلس التي اقتربت اقتصاديا من القاهرة.
والتقى عدد من رجال الأعمال وممثلي إدارة الغرفة التجارية المصرية مع مسؤولين في الهيئة العامة للاستثمار الليبية أخيرا، بعد جولة في ثلاث مدن ليبية، شملت طرابلس وبنغازي ومصراتة، لبحث فرص التعاون الاقتصادي المشترك.
وتمر ليبيا بأزمة حادة ضربت الكثير من مفاصلها بسبب الحرب، في وقت تحظى فيه بأهمية إستراتيجية كبيرة لدى مصر، حيث تشترك معها في حدود برية تبلغ نحو 1200 كيلومتر.
ولذلك تحرص القاهرة على أن تكون الحالة الأمنية في وضع مستقر في أنحاء ليبيا من خلال دعم مقاربات للحل مع قوى إقليمية ودولية متعددة، كي لا تواجه تحديات من شأنها أن تهدد الأمن المصري.
وكانت ليبيا قبل التوترات في مقدمة الدول المستقبلة للعمالة المصرية، وسوقا مهمة للشركات لتصدير منتجاتها، والتي تحرص الآن على إعادة ضبط المسار الاقتصادي، على أمل أن تستقر الأوضاع الأمنية والسياسية بشكل تام، وتتمكن القاهرة من تثبيت أقدامها هناك.
وتظهر أرقام جهاز الإحصاء المصري أن قيمة التبادل التجاري بين البلدين ارتفعت العام الماضي لتبلغ 1.7 مليار دولار، مقابل 1.2 مليار دولار قبل عام، وذلك بنسبة صعود بلغت نحو 42 في المئة.
وقال رئيس جمعية رجال الأعمال في الإسكندرية محمد هنو إن “اللقاء مع المسؤولين في ليبيا ناقش سبل التعاون المختلفة من الناحية الاستثمارية والتجارية بهدف فتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي”.
وأضاف لـ”العرب” أن “زيارات المستثمرين بشكل عام ترمي إلى البحث عن فرص وزيادة التعاون خلال الفترة المقبلة في مختلف المدن الليبية”.
وتراهن القاهرة على تحقيق الاستقرار في ليبيا لعودة العمالة المحلية ومشاركتها في ملف إعادة الإعمار، مستفيدة من تعطش سوق جارتها إلى اليد الفنية الماهرة والمدربة، وهو ما سيجعل حجم المشاريع المرتقبة مؤهلة للمزيد من جذب العمالة التي ستكون نافذة مهمة لتدفق العملة الصعبة.
وأشار هنو إلى أن هيئة الاستثمار في ليبيا أكدت منح المصريين تسهيلات مختلفة عبر قانون الاستثمار والحوافز المطروحة لهم من خلال الاستثمار المباشر الحر، أو عبر الشراكات مع المستثمرين الليبيين.
ويلعب الدعم المصري الرسمي دورا حاسما في توسع وانتشار الشركات بليبيا عبر المشاركة في المعارض أو إقامتها في طرابلس، مع منحها تخفيضات كبيرة في التكاليف لتنويع التواجد كي يشمل النواحي الاستثمارية والتجارية.
وتبذل القاهرة جهودا دبلوماسية لحل الأزمة المتشابكة والحوار مع جميع الفرقاء في ليبيا منذ فترة، ما يساعد على تمهيد الطريق أمام الشركات للتواجد هناك بشكل أكبر.
وظهر الدعم في الأعوام الماضية مع السعي لإيجاد حل نابع من أطراف ومؤسسات ليبية وطنية، وقد استضافت مصر وفودا اجتماعية وسياسية وعسكرية واقتصادية، وانفتحت على عدة تيارات وعملت على منع اختزال علاقتها في جهة واحدة.
1.7
مليار دولار حجم المبادلات التجارية في 2023 ارتفاعا من 1.2 مليار دولار قبل عام
وأشار ناصر بيان رئيس الجمعية المصرية – الليبية لرجال الأعمال إلى وجود فرص استثمارية واعدة في السوق الليبية، ويعد الوقت الحالي هو الأنسب لدخول الشركات المصرية، مع هدوء الأوضاع الأمنية في ليبيا نسبيا وظهور ملامح للاستقرار.
ويفسح دخول الشركات المصرية إلى ليبيا المجال لزيادة التعاون واستحواذ مصر على حصة أكبر من إعادة الإعمار التي طال الحديث عنها منذ سنوات، من أطراف داخل ليبيا وأخرى خارجها، وهو ما يكشف عن حالة الانقسام حيال الأزمة الليبية.
وتختلف التقديرات بشأن فاتورة إعادة الإعمار في ليبيا وحجم الاستثمارات اللازمة، منها ما قدره البنك الدولي بنحو 200 مليار دولار.
وكان منتدى اقتصادي عُقد في إيطاليا قدر حاجة ليبيا إلى إنفاق نحو نصف تريليون دولار على سنوات، لتنفيذ مشاريع في البنى التحتية والطاقة والمياه والصحة وغيرها من القطاعات، في حين قدر مسؤولون كبار في ليبيا الفاتورة بنحو 110 مليارات دولار.
وأوضح بيان لـ”العرب” أن الاستثمار المصري – الليبي لن يقتصر على البُنى التحتية، ويمتد إلى مجالات متنوعة صناعية وخدمية.
ولكنه شدد على أنه من المهم تكثيف التواجد المصري، لأن هناك دولاً مثل تركيا وإيطاليا والصين تتواجد استثماريًا عبر التعاون مع السلطات في ليبيا، بغرض تثبيت دورها هناك.
ولفت رئيس الجمعية المصرية – الليبية إلى وجود ترحيب من السلطات المعنية ورجال الأعمال في ليبيا بالاستثمارات المصرية والرغبة في عقد شراكات اقتصادية واعدة.
وذكر لـ”العرب” أن الفترة الحالية تشهد بدء تعاون بين المستثمرين من أعضاء الجمعية في مصر وليبيا لتعزيز فرص الاستثمار المشترك والتفاوض على المزيد من المشروعات، وكان من المقرر أن تبدأ في يناير الماضي، لكنها تعطلت بسبب التوترات.
وأكد وزير الاستثمار الليبي علي السعيدي القايدي أن بلاده تنتظر مشاركة مصر في إعادة الإعمار وسط صراع من بعض الدول الغربية للاستحواذ على جزء كبير منها، مشيرا إلى أن التعاون بين مصر وليبيا يمثل أهمية حيوية كبيرة.
وتعد ليبيا من الأسواق الكبيرة المستقبلة للصادرات المصرية، خاصة الخضروات والفواكه والمنتجات المعلبة من الأغذية المختلفة، وتراهن بعض الشركات عليها لزيادة حصتها، بالإضافة إلى صناعات الخزف والأحجار ومواد البناء والوقود والزيوت.
ولدى الكثير من المصريين فرصة للتواجد في هذه السوق، حيث يفضل الليبيون العمالة المصرية لوجود روابط اجتماعية وخبرات طويلة لشركات إلحاق العمالة في مصر بالسوق الليبية.
ووقع رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي في شهر أبريل عام 2021 على مذكرات تفاهم مع السلطات الليبية لتنظيم عودة العمالة المصرية إليها، وتم التوافق على أن تكون هذه العودة منظمة ومخططة في المجالات التي يحتاجها الجانب الليبي.