الشركات الأهلية نموذج استثماري جديد في تونس تراهن الحكومة على إنجاحه

تونس - تسعى الحكومة التونسية إلى المراهنة على نموذج الشركات الأهلية كحل هام للتقليص من نسبة البطالة في مختلف جهات البلاد عبر تأسيس مشاريع جهوية تتماشى مع خصوصيات منطقة ما ولها قدرة تشغيلية كبيرة.
وكان ينظر إلى تلك الفكرة منذ صدورها بعين الشك، حيث اعتبر خبراء بكونها تجربة جديدة لم يتعود عليها التونسيون، كما رأى البعض أن لا جدوى من إصرار الرئيس قيس سعيد على انتهاج خطة تعتمد على نشر الشركات الأهلية في كل مناطق البلاد، لكنه اعتبر أن لها مزايا ستؤثر بالإيجاب على النموذج التنموي، الذي تسعى الحكومة إلى ترسيخه. وصدر بالمجلة الرسمية للدولة في مارس الماضي مرسوم يتعلق بالشركات الأهلية، وهو يهدف إلى إيجاد نظام قانوني خاص بها يقوم “على المبادرة الجماعية والنفع الاجتماعي”.
وأكد وزير التشغيل والتكوين المهني رياض شوّد في الجلسة العامة المشتركة لمناقشة ميزانية الوزارة لسنة 2025 أنه سيتم خلال السنة المقبلة الترفيع في سقف تمويل الشركات الأهلية من 300 ألف دينار (96.39 ألف دولار) إلى 1 مليون دينار (321.9 ألف دولار)، وتفعيل المنحة التضامنية وإعفاء هذه الشركات من الأداء على القيمة المضافة، مشيرا إلى أن هذه الإجراءات تأتي في إطار المزيد من دفع نسق إحداث الشركات الأهلية وتحقيق التنمية الجهوية.
وأوضح الوزير أنه سيتم العمل ضمن ميزانية الوزارة لسنة 2025 على تجاوز الصعوبات التشريعية والإجرائية والمالية لتركيز هذا النموذج التنموي الجديد من خلال الإسهام في تطوير الإطار التشريعي خاصة المتعلق بالأراضي الدولية وإعطاء الأولوية للشركات الأهلية في استغلالها.
ويرى خبراء أن الشركات الأهلية وضعت كحلول وقتية لامتصاص نسبة البطالة وتمكين الشباب العاطل عن العمل، كما تفتح أمام رواد الأعمال فرص تأسيس مشاريع والإشراف عليها. وقال المحلل السياسي نبيل الرابحي إن “الشركات الأهلية كانت من ضمن أبرز المحاور في البرنامج الانتخابي للرئيس قيس سعيد، وكان يتبنى هذه الفكرة منذ سنة 2012، وهي تعتبر ضلعا من أضلع التنمية في البلاد”.
وأكد في تصريح لـ”العرب”، “الميزة الإيجابية للشركات الأهلية أنها حلّ لامتصاص البطالة في الجهات، وهي ذات قدرة تشغيلية عالية، مثل ما تمّ في مدينة جمنة من ولاية قبلي منذ سنوات قليلة، ودرّت لهم تلك التجربة أرباحا كبيرة.” ولفت الرابحي إلى أن “هناك مشكلة اتصالية لدى المسؤولين في التعريف بهذا النموذج التنموي.” وتعد شركة أهلية كل “شخص معنوي تحدثه مجموعة من أهالي الجهة”، ويكون الهدف من تأسيسها “تحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات عبر ممارسة جماعية لنشاط اقتصادي انطلاقا من المنطقة المستقرين بها".
وتهدف الشركات الأهلية إلى تحقيق التنمية الجهوية وأساسا بالمناطق الصغيرة وفقا للإرادة الجماعية للأهالي وتماشيا مع حاجيات مناطقهم وخصوصياتها، وتمارس الشركات الأهلية نشاطا اقتصاديا انطلاقا من الجهة الترابية المقيمة بها. ولطالما شدد الرئيس سعيد الذي يقود مسارا سياسيا انتقاليا منذ الخامس والعشرين من يوليو الماضي في البلاد على أهمية هذه الشركات لهدفين؛ الأول استعادة الأموال المنهوبة، والثاني تشغيل العاطلين عن العمل والمساهمة في دوران العجلة الاقتصادية.
وفشلت الحكومات التونسية المتعاقبة في إيجاد حل جذري لمعضلة البطالة على الرغم من المقترحات التي تقدمت بها والتي كان آخرها القانون عدد 38 المتعلق بانتداب أصحاب الشهادات العليا ممن فاقت بطالتهم العشر سنوات. وفي سبتمبر الماضي، أعلن وزير التشغيل والتكوين المهني تخصيص منحة لدعم الشركات الأهلية في حدود 800 دينار على أقصى تقدير شهريا يتم الانتفاع بها لمدة سنة واحدة غير قابلة للتجديد.
وقالت كاتبة الدولة لدى وزير التشغيل والتكوين المهني حسنة جيب الله، في تصريح لإذاعة محلية على هامش زيارتها لمعتمدية سبيطلة من ولاية القصرين (غرب)، لإعطاء شارة انطلاق عمل الشركة الأهلية “العبادلة” المتخصصة في نقل عاملات الزراعة، إنّ “منحة الدعم بـ800 دينار لفائدة الشركات الأهلية التي كانت محور برامج إعلامية كثيرة مؤخرا، موجودة منذ 2019، لكن لم يتم تفعيلها إلاّ مؤخرا بسبب النسق السريع للملف.”
وبيّنت جيب الله أنّ “هذه المنحة كانت تعطى للمبادرة الخاصة الفردية بمعدل 200 دينار للفرد الواحد، واليوم رُصدت 800 دينار على مستوى شركة أهلية كاملة قد تحتوي على أكثر من 50 شخصا.” وأوضحت أنّ “هذا المبلغ يعتبر رمزيا، وهدفه الإحاطة والمرافقة وزرع بذرة الأمل لدى المعطل المهمش.”
وشهد معدل البطالة في تونس تراجعا خلال 9 أشهر من العام الجاري، إلى مستوى 16 في المئة من إجمالي عدد السكان القادرين على العمل وكان عند مستوى 16.4 في المئة في نهاية العام الماضي 2023.