الشرق الأوسط المنطقة "الأخطر" على حياة الصحافيين وعملهم

باريس - تزداد الضغوط السياسية على وسائل الإعلام في العالم في حين أن نصف سكانه معنيون بانتخابات خلال السنة الراهنة، على ما أوردت الجمعة منظمة “مراسلون بلا حدود” في تصنيفها لحرية الصحافة لعام 2024، محذّرة من أن منطقة الشرق الأوسط والمغرب العربي هي “الأخطر”.
وبيّن التقرير أن ظروف ممارسة الصحافة سيئة في ثلاثة أرباع دول العالم. ونددت المنظمة غير الحكومية خصوصا “بغياب واضح للإرادة السياسية من جانب المجتمع الدولي لإنفاذ المبادئ المتعلقة بحماية الصحافيين”.
وأشارت إلى أن الحرب في قطاع غزة “اتسمت بعدد قياسي من الانتهاكات ضد الصحافيين ووسائل الإعلام… حيث قتل الجيش الإسرائيلي أكثر من 100 صحافي فلسطيني، علما أن 22 منهم على الأقل لقوا حتفهم في إطار قيامهم بعملهم”.
وأوضحت أن “في ظل الاحتلال الإسرائيلي وما يصاحبه من قصف وعمليات عسكرية، أصبحت فلسطين (المرتبة 157) ضمن قائمة الدول العشر الأخيرة في العالم على مستوى أمن الصحافيين وسلامتهم”.
مراسلون بلا حدود: إسرائيل تخنق المعلومات المتدفقة من غزة بينما المعلومات المضللة جزء من منظومتها
وعلى نطاق أوسع، يظهر التقرير حماية أقل للصحافيين من جانب الدول، بل إن بعضها يضطلع بدور نشط في التضليل. ولاحظت المنظمة “تدهورا مقلقا في دعم واحترام استقلالية وسائل الإعلام”، في حين أن “2024 هو أكبر عام انتخابي في التاريخ على صعيد العالم”. فنصف سكان العالم تقريبا معنيون باستحقاق انتخابي من الهند إلى الولايات المتحدة مرورا بانتخابات أوروبية فيما يسجل “ارتفاع في الضغوط التي تمارسها الدول أو الجهات السياسية الفاعلة الأخرى على مهنة الصحافة وأهلها”.
وتبقى النرويج متربعة على صدارة التصنيف الثاني والعشرين لحرية الصحافة في حين تحتل إريتريا المركز الأخير (180) لتحل محل كوريا الشمالية التي كانت في هذه المرتبة في السنتين السابقتين.
وتوقعت أن “تشهد جميع مناطق العالم ضغوطا شديدة على الصحافيين في ظل مختلف الاستحقاقات الانتخابية التي تلوح في الأفق”.
وأكدت المنظمة أن “منطقة المغرب العربي – الشرق الأوسط هي الأخطر” في 2024، تليها آسيا والمحيط الهادئ “حيث تختنق الصحافة تحت وطأة الأنظمة الاستبدادية”. ويبقى الوضع “صعبا” في نحو نصف بلدان أفريقيا.
وبشأن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، صنّفت المنظمة الوضع “خطيرا للغاية” في نحو نصف بلدانها. وأوضحت “يُسجَّل تقهقر مهول على مستوى المؤشر السياسي لحرية الصحافة في الغالبية العظمى من بلدان المنطقة، حيث تواصل السلطات محاولاتها للسيطرة على وسائل الإعلام بكل الطرق والأساليب، من عنف واعتقالات وقوانين سالبة للحرية والضغوط المالية واستخدام للأعراف المجتمعية من أجل الضغط على الصحافيين ناهيك عن الإفلات المنهجي من العقاب على الجرائم” بحق الصحافيين.
وتطرقت المنظمة إلى تأثير النزاعات في المنطقة، وأبرزها الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة، على الصحافيين. وقالت إن منذ بداية هذه الحرب قبل نحو سبعة أشهر “تحاول إسرائيل (المرتبة 101) خنق المعلومات المتدفقة من القطاع المحاصر، بينما أصبحت المعلومات المضللة جزءا من منظومتها الإعلامية، مما أفقدها مكانتها كدولة رائدة في المنطقة”.
وأضافت “أصبح وضع حرية الصحافة فيها (الدولة العبرية) صعبا بعدما كان إشكاليا في النسخة السابقة من التصنيف، علما أن قطر (المرتبة 84) باتت تتقدم عليها في جدول الترتيب”.
وحمّلت المنظمة الجيش الإسرائيلي مسؤولية قتل ثلاثة صحافيين في جنوب لبنان الذي حلّ في المرتبة 140. وحلّ السودان حيث دخلت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع عامها الثاني، في المرتبة 149. أما سوريا التي تشهد نزاعا داميا منذ 2011 “فقد تقهقرت إلى المرتبة ما قبل الأخيرة من التصنيف”.
وأضافت “لا تدَّخر دول المنطقة أي جهد لتشديد قيودها على الحق في الوصول إلى المعلومات، حيث تلجأ الحكومات الخليجية إلى مختلف الأساليب للتجسس والسيطرة على الحقل الإخباري، ناهيك عن اعتماد تشريعات تقييدية وسالبة للحرية” خصوصا في الكويت (131) ولبنان، وفق “النموذج المعمول به في الأردن أو الجزائر (139) حيث باتت الصحافة المستقلة مهددة بالانقراض”.
وأكدت أن “قائمة أكبر عشرة سجون للصحافيين في العالم” تضم خمسا من دول المنطقة هي إسرائيل والسعودية (166) وسوريا وإيران (176) ومصر (170).
ودوليا، سجّلت المنظمة تراجع الأرجنتين 26 مركزا لتحلّ في المرتبة السادسة والستين. وأعلن رئيسها الليبرالي المتطرف خافيير ميلي، في مارس إغلاق وكالة الأنباء الرسمية “تيلام” متهما إياها بالترويج “الدعائي”. وأشارت إلى أن “الوضع مقلق جدا” في هذا البلد الذي يديره أحد “‘الوحوش’ السالبة لحرية الصحافة”.
من جهتها، تأثرت منطقة أفريقيا جنوب الصحراء بالعنف السياسي الذي شهدته مختلف بلدانها خلال الأحداث الانتخابية الكبرى في عام 2023، وفق المنظمة.
وأضافت المنظمة “أصبح تدهور الوضع الأمني عنوان المرحلة في العديد من دول الساحل، ولاسيما النيجر (80) وبوركينا فاسو (86) ومالي (114)” حيث هيمن العسكريون على السلطة.
وأشارت المنظمة إلى أن الكثير من السلطات تعمل “على فرض سيطرة أكبر على منصات التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت عموما”، ويكون السجن مصير الصحافيين الذين يدلون بآرائهم على هذه المنصات.
وأوضحت أن الصين (172) هي “أكبر سجن للصحافيين في العالم”، وتواصل “فرض قيود صارمة على القنوات الإخبارية”.
وتطرقت إلى “ترسانة المعلومات التضليلية المسخّرة لأغراض سياسية، ولاسيما في ظل تنامي ظاهرة استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في سياق يفتقر إلى التنظيم”، مشيرة إلى أن “تقنية التزييف العميق أصبحت تلعب دورا بارزا في التأثير على مسار الانتخابات”.
الحرب في قطاع غزة تتسم بعدد قياسي من الانتهاكات ضد الصحافيين ووسائل الإعلام حيث قتل الجيش الإسرائيلي أكثر من 100 صحافي فلسطيني
ورصدت المنظمة أكبر التراجعات في أفغانستان تحت حكم طلبان (178 بتراجع 26 مرتبة)، وتوغو (113 بتراجع 43) والإكوادور (110 بتراجع 30).
وفي المقابل، كان التقدم الأبرز المحقق في تشيلي (+31 وصولا إلى المرتبة 52)، والبرازيل (+10 إلى المرتبة 82).
وتؤكد المنظمة أن تصنيفها هدفه “المقارنة بين درجة الحرية التي يتمتع بها الصحافيون ووسائل الإعلام في البلدان الـ180 التي يشملها” استنادا إلى إجابات خبراء على نحو 100 سؤال.
وبالتزامن مع صدور التقرير، منحت منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم “اليونسكو” جائزة حرية الصحافة للصحافيين الفلسطينيين الذين يغطون الحرب في غزة.
وتم منح الصحافيين جائزة اليونسكو/جييرمو كانو العالمية لحرية الصحافة لعام 2024 ليل الخميس في تشيلي. وقال موريسيو ويبل رئيس هيئة التحكيم “في هذه الأوقات من الظلامية واليأس، نتمنى إرسال رسالة قوية من التضامن والاعتراف إلى الصحافيين الفلسطينيين الذين يغطون هذه الأزمة في ظل هذه الظروف المأساوية”.
وتابع “إننا كبشر ندين لهم بالشيء الكثير لشجاعتهم والتزامهم بحرية التعبير”. وقالت أودري أزولاي، المديرة العام لليونسكو، “إن الجائزة هي إشادة بشجاعة الفلسطينيين في الظروف الصعبة والخطيرة”.
وأضافت “مرة أخرى هذا العام، فإن الجائزة تذكرنا بأهمية التحرك الجماعي لضمان أن الصحافيين حول العالم يمكنهم الاستمرار في القيام بعملهم الجوهري للإعلام والتحقيق”.
ووفقا للجنة حماية الصحافيين التي تتخذ من مدينة نيويورك الأميركية مقرا لها، فإن ما لا يقل عن 97 صحافيا وعامل في مجال الإعلام من بين أكثر من 35 ألف شخص قتلوا منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر الماضي، من بينهم أكثر من 34 ألف فلسطيني قتلوا في غزة والضفة الغربية و1200 إسرائيلي.