الشرع يسعى لدعم الإمارات وتركيا بأجندة اقتصادية وسياسية طموحة

الجولة الإقليمية تهدف إلى الحصول على دعم سياسي ومعنوي واعتراف دولي، واستكشاف آفاق التعاون الاقتصادي والمساهمة في جهود إعادة إعمار سوريا.
الاثنين 2025/04/07
التوغلات الإسرائيلية وقوات سوريا الديمقراطية ستكون محور المباحثات

دمشق  - يعتزم الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع إجراء جولة إقليمية هامة تشمل دولة الإمارات الأسبوع المقبل، تتبعها زيارة إلى تركيا خلال الأيام القادمة، وفق ما أعلنت وزارة الخارجية السورية الأحد، في أول تحرك دبلوماسي مكثف منذ توليه السلطة.

وتأتي هذه الجولة في إطار سعي الشرع الحثيث لتعزيز مكانة الإدارة السورية الجديدة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وحشد الدعم اللازم لتثبيت أركانها عقب التغيرات القيادية الأخيرة التي شهدتها البلاد.

وتُمثل دولة الإمارات العربية المتحدة المحطة الخليجية الثانية في جولة الشرع، وذلك بعد زيارته الناجحة للمملكة العربية السعودية في شهر فبراير الماضي، والتي شكلت باكورة رحلاته الخارجية منذ توليه مهام منصبه الرئاسي في شهر يناير.

وتكتسب هذه الزيارة إلى الإمارات أهمية استراتيجية خاصة، كونها تأتي في سياق جهود القيادة السورية الجديدة لتوسيع نطاق علاقاتها الإقليمية وتجاوز سنوات طويلة من العزلة الدبلوماسية التي فُرضت على سوريا خلال فترة حكم الرئيس السابق بشار الأسد، الذي أطيح به في هجوم خاطف قادته هيئة تحرير الشام في ديسمبر الماضي.

على صعيد متصل، تأتي زيارة الشرع المرتقبة إلى تركيا في ظل مناخ إقليمي متوتر، لاسيما في ظل التصعيد الأخير بين أنقرة وتل أبيب. وأفادت وكالة رويترز بتقارير عن تفقد تركيا لثلاث قواعد جوية على الأقل في سوريا، يُحتمل أن تنشر قواتها فيها، وذلك قبل أن تقوم إسرائيل بقصف هذه المواقع بغارات جوية في الثاني من أبريل الحالي

وفي سياق متصل، أفادت "القناة 14" الإسرائيلية بأن الجيش الإسرائيلي نفذ ما يقارب 25 هجومًا استهدف مطار حماة، بالإضافة إلى شن هجمات أخرى طالت العاصمة دمشق ومدينة درعا في جنوب سوريا.

وقد صرح الجيش الإسرائيلي بأن الهدف الأساسي من هذه الغارات الجوية هو توجيه رسالة تحذيرية واضحة إلى تركيا، وذلك على خلفية الأنباء المتداولة حول نيتها إنشاء قاعدة عسكرية في ريف حمص.

وكان الشرع قد زار تركيا بالفعل في شهر فبراير الماضي في إطار هذه الجهود الدبلوماسية المبكرة التي تبذلها الإدارة الجديدة. وقد شهدت تلك الزيارة لقاءً هامًا مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث تناول الجانبان بالبحث ملفات حيوية تتعلق بالأمن الإقليمي، وسبل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، وقضية منطقة شمال شرقي سوريا، بالإضافة إلى ملف التوغلات الإسرائيلية المتكررة.

وفي إطار مساعيه لترسيخ دعائم حكمه وكسب التأييد الإقليمي والدولي، يعمل الرئيس الشرع، جنبًا إلى جنب مع أعضاء بارزين في القيادة السورية الجديدة، على تعزيز وتوطيد العلاقات مع مختلف القادة العرب والغربيين.

وتتصدر قائمة أولويات أجندة الرئيس والمسؤولين السوريين مطالبة المجتمع الدولي بالرفع الكامل للعقوبات الاقتصادية القاسية المفروضة على سوريا.

وتشدد دمشق على أن تخفيف هذه القيود الاقتصادية يمثل ضرورة ملحة وحتمية لإنعاش الاقتصاد السوري المنهك، الذي رزح تحت وطأة حرب استمرت لما يقارب أربعة عشر عامًا، بالإضافة إلى العقوبات الغربية الصارمة التي استهدفت طيفًا واسعًا من الأفراد والشركات والقطاعات الاقتصادية السورية، وذلك في محاولة للضغط على نظام الرئيس الأسد السابق.

تُمثل الجولة الإقليمية التي يعتزم الشرع القيام بها، والتي تشمل محطتين استراتيجيتين هما الإمارات وتركيا، خطوة بالغة الأهمية على صعيد ترسيخ دعائم الإدارة السورية الجديدة على الساحتين الدولية والإقليمية.

وتسعى القيادة السورية الجديدة إلى إعادة بناء جسور الثقة والتعاون مع الدول العربية والإقليمية الفاعلة، بهدف الحصول على دعم سياسي ومعنوي واعتراف دولي بالإدارة الجديدة، بالإضافة إلى استكشاف سبل التعاون الاقتصادي والمساهمة في إعادة إعمار سوريا المدمرة.

وتهدف هذه الزيارات بشكل أساسي إلى الحصول على دعم سياسي ومعنوي واعتراف دولي بالإدارة الجديدة، بالإضافة إلى استكشاف آفاق التعاون الاقتصادي والمساهمة في جهود إعادة إعمار سوريا التي دمرتها الحرب.

وعلاوة على ذلك، تطمح الإدارة السورية الجديدة إلى تقديم نفسها كقيادة مغايرة تسعى بجدية إلى تجاوز مرارة الماضي وبناء مستقبل جديد ومزدهر لسوريا، وهو ما يتطلب بالضرورة إقامة علاقات جديدة ومتينة مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة.

وتُعد المطالبة برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد أولوية قصوى بالنسبة للإدارة الجديدة، حيث ترى أن هذه العقوبات تُعيق بشكل كبير جهود التعافي الاقتصادي وتزيد من وطأة المعاناة التي يرزح تحتها الشعب السوري. وتأتي هذه الجولة الدبلوماسية في ظل تحولات إقليمية متسارعة، وهو ما قد يفتح آفاقًا وفرصًا جديدة لسوريا لتعزيز علاقاتها واستعادة دورها المحوري في المنطقة.

وتُعتبر جولة الشرع إلى الإمارات وتركيا محطة مفصلية في مساعي سوريا الجديدة نحو بناء علاقات إقليمية ودولية متينة. ويبقى التحدي الأكبر في مدى قدرة الإدارة الجديدة على إقناع الأطراف المعنية بضرورة دعمها وتخفيف العقوبات المفروضة، بما يخدم المصالح العليا للشعب السوري ويساهم في تحقيق الاستقرار المنشود في المنطقة.

وكانت دولة الإمارات من بين العواصم التي أبدت في السابق بعض التحفظات والقلق حيال القيادة السورية الجديدة. ومع ذلك، تلوح في الأفق مؤشرات واضحة على تغير تدريجي في المواقف السياسية، حيث يبذل الشرع جهودًا مكثفة لبناء علاقات جديدة وقوية مع الدول العربية الفاعلة في المنطقة، وفي مقدمتها دولة الإمارات التي تُعد قوة إقليمية ذات تأثير كبير.

في المقابل، تربط تركيا علاقات قوية بالشرع، حيث كانت أنقرة من أبرز الداعمين للهجوم الذي أفضى إلى الإطاحة بنظام الرئيس الأسد. وفي ظل الدعم المستمر الذي تقدمه تركيا للسلطات السورية الجديدة، يبدو أن هناك تقاربًا وتوافقًا كبيرًا بين الجانبين بشأن ضرورة مواجهة التحديات الأمنية والإرهابية التي تعصف بالمنطقة، بما في ذلك التهديدات الإسرائيلية المتزايدة، خاصة بعد التوغلات الأخيرة في منطقة الجنوب السوري.

وكانت تركيا قد عرضت المساعدة العسكرية واللوجستية للسلطات السورية الجديدة في مكافحة فلول النظام السابق وتنظيم داعش، إلا أن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أعرب عن عدم رغبة بلاده في الدخول في صراع مع إسرائيل على الأراضي السورية.

وقد استقبل الرئيس التركي الشرع رسميًا في فبراير الماضي، في أول زيارة رسمية له إلى تركيا منذ توليه منصبه. وقد جرى اللقاء بعد وصول الشرع إلى أنقرة قادمًا من السعودية، مما جعل هذه الزيارة خطوة مهمة نحو تعزيز التعاون بين البلدين.

وعلى الرغم من أن البيان الصادر عن وزارة الخارجية السورية لم يتطرق إلى تفاصيل دقيقة حول الزيارتين المنتظرتين، فإن هناك آمالًا كبيرة في أن تسهم هذه الجولة في توسيع نطاق التعاون في مختلف المجالات.

ويبدو أن الإمارات تسعى إلى إعادة ترتيب أوراقها في المنطقة، خاصة في ضوء التغيرات السياسية الأخيرة التي أعقبت سقوط نظام الرئيس الأسد، الأمر الذي يفتح الباب أمام مزيد من التعاون مع الحكومة السورية الجديدة.

أما بالنسبة للعلاقة مع تركيا، فهي تشهد تطورًا أسرع في الوقت الحالي، حيث شهدت العلاقات بين البلدين تقاربًا ملحوظًا خلال الأشهر الماضية، وتُعد زيارة الشرع إلى تركيا جزءًا من هذا التحول.

وتُعتبر تركيا من أهم الحلفاء الإقليميين للحكومة السورية الجديدة، حيث قدمت لها الدعم العسكري والاقتصادي بشكل مستمر. وتهدف أنقرة من خلال دعمها هذا إلى تحقيق استقرار طويل الأمد في سوريا، مع الأخذ في الاعتبار حساسية ملف الأكراد وقوات سوريا الديمقراطية كأحد الملفات الرئيسية المطروحة على طاولة المباحثات بين الجانبين.

وكانت أنقرة قد رحبت في السابق بالاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الشرع وزعيم قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، إلا أنها في المقابل لا تزال تنظر بعين الريبة إلى تنامي النفوذ الكردي في المنطقة.

في خضم هذه الجهود التي تبذلها دمشق لتعزيز علاقاتها مع دول الجوار، لا تزال التحديات السياسية والاقتصادية ماثلة أمامها. ومع استمرار الدعم التركي والآمال المعلقة على مستقبل العلاقات مع دولة الإمارات العربية المتحدة، يبقى السؤال الأبرز هو مدى قدرة حكومة الرئيس الشرع على تحقيق توازن دقيق بين المصالح الإقليمية والدولية المتشابكة، وتحقيق استقرار داخلي حقيقي يساهم في إعطاء دفعة قوية للاقتصاد السوري بعد سنوات طويلة من الصراع والنزاع.