الشرع يسعى لترسيخ سلطته في سوريا بتشكيل مجلس الأمن القومي

دمشق - أعلنت الرئاسة السورية عن تشكيل مجلس للأمن القومي ليل الأربعاء برئاسة رئيس الجمهورية، وهي هيئة لم تكن موجودة قبل الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد قبل أكثر من ثلاثة أشهر، في مؤشر جديد على سعي الرئيس المؤقت أحمد الشرع على ترسيخ سلطته.
وجاء قرار إنشاء المجلس في وقت تسعى فيه السلطات إلى فرض الحكم الوطني وحل الجماعات المسلحة وإعادة بناء البلاد بعد أكثر من 13 عاما من الحرب الأهلية.
ويعكس هذا التشكيل مرحلة جديدة في هيكلة السلطة السورية، فيما لا يستبعد مراقبون أن يكون القرار قد اتخذ بالتشاور مع الجانب التركي، خصوصا أن مكوناته هي ذاتها مكونات مجلس الأمن القومي التركي، إذ عينت أنقرة خلال الأيام الماضية ملحقا عسكريا بصلاحيات واسعة.
ويرى البعض في تشكيل مجلس الأمن القومي خطوة من الشرع لترسيخ سلطته في ظل المرحلة الانتقالية التي تمر بها سوريا، مشيرين إلى أنه سيكون أداة بيده لفرض رؤيته السياسية والأمنية على البلاد.
وفي المقابل، ينظر آخرون إلى هذه الخطوة على أنها محاولة لملء الفراغ الأمني والسياسي الذي خلفه سقوط نظام الأسد، على اعتبار أن المجلس سيكون بمثابة منصة للحوار والتنسيق بين مختلف الأجهزة والمؤسسات المعنية بالأمن القومي.
ويظهر من خلال تركيبة المجلس أن قرار تشكيله يأتي في سياق محاولات الشرع لبناء نظام حكم جديد في سوريا، وسيكون المجلس بمثابة آلية لتقاسم السلطة بين مختلف القوى السياسية في البلاد.
وأوردت الرئاسة في قرار نشر عبر حسابها الرسمي في تطبيق تلغرام أن الرئيس الانتقالي أحمد الشرع قرر "تشكيل مجلس الأمن القومي" الذي "يعهد إليه تنسيق وإدارة السياسات الأمنية والسياسية".
وجاء في القرار أن تشكيل المجلس يأتي "بناء على الصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية العربية السورية، وانطلاقا من المصلحة الوطنية العليا، وحرصا على تعزيز الأمن القومي والاستجابة للتحديات الأمنية والسياسية في المرحلة المقبلة".
ويترأس رئيس الجمهورية الانتقالي هذا المجلس الذي يضمّ كلا من وزير الخارجية ووزير الدفاع ومدير الاستخبارات العامة ووزير الداخلية، بالإضافة إلى مقعدين "استشاريين" يتم تعيينهما من قبل الرئيس ومقعد "تقني تخصصي" يعينه الرئيس أيضا لمتابعة "الشؤون التقنية والعلمية ذات الصلة بمحضر الجلسة".
وتعقد اجتماعات هذا المجلس كما ورد في القرار "بشكل دوري أو بناءً على دعوة من رئيس الجمهورية، وتنُفذ القرارات المتعلقة بالأمن القومي والتحديات التي تواجه الدولة بالتشاور بين الأعضاء".
وتحدّد مهام المجلس "وآلية عمله بتوجيهات من رئيس الجمهورية بما يتماشى مع المصلحة الوطنية العليا، وبما يضمن التنسيق الفعال بين مختلف الأجهزة والمؤسسات"، وفقا لما ورد في القرار.
ويأتي هذا الإعلان في وقت شكلت أعمال العنف الدامي التي أوقعت أكثر من 1300 قتيل مدني، غالبيتهم الساحقة علويون، في الساحل السوري، اختبارا مبكرا للشرع الساعي الى ترسيخ سلطته على كامل التراب السوري.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بمقتل 1383 مدني على يد قوات الأمن أو الجماعات المتحالفة معها. وأعلنت السلطات السورية الاثنين انتهاء العملية ضد الموالين للأسد.
وندّدت الأمم المتحدة الثلاثاء بحجم العنف "المروّع" في منطقة الساحل، مشيرة الى توثيق العديد من حالات الإعدام التعسفية ومقتل عائلات بأكملها بمن فيهم نساء وأطفال وأفراد عاجزون عن القتال.
وأعلنت الرئاسة السورية الأحد تشكيل لجنة تحقيق "للكشف عن الأسباب والملابسات التي أدّت إلى وقوع تلك الأحداث، والتحقيق في الانتهاكات بحق المدنيين وتحديد المسؤولين عنها".
وأكّدت اللجنة الثلاثاء عزمها على ترسيخ العدالة و"منع الانتقام" خارج نطاق القانون.
وأعلنت السلطات توقيف سبعة أشخاص على الأقل منذ الاثنين، قالت إنهم ارتكبوا "انتهاكات" بحق مدنيين في الساحل، وأحالتهم على القضاء العسكري.
كما يأتي إعلان التشكيل مع التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية وتكريس وجودها دائم لها في بعض أجزائه لاسيما في جبل الشيخ، إذ لا تخفي الدولة العبرية قلقها من القادة الجدد لسوريا، بالنظر إلى خلفيتهم الجهادية، حيث كانوا ينتمون في السابق إلى تنظيم القاعدة، وتعمل إسرائيل على السيطرة على أجزاء حدودية داخل سوريا، بغاية تحصين نفسها، بحسب ما يتحدث مسؤولوها، من أي تهديدات مستقبلية قد تطالها.
وأطاحت فصائل معارضة تقودها هيئة تحرير الشام الأسد مع دخولها دمشق في الثامن من ديسمبر إثر هجوم بدأته من معقلها في شمال غرب البلاد أواخر نوفمبر.
وأعلنت السلطات الجديدة حينها تعيين حكومة تصريف أعمال لإدارة البلاد لفترة تمتد لثلاثة أشهر.