الشرع يراهن في الدوحة على كسر جمود العقوبات الغربية على سوريا

الدوحة - استقبل أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في الدوحة اليوم الثلاثاء الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع في أول زيارة رسمية له إلى الإمارة الخليجية منذ توليه منصبه، في خطوة تعكس مرحلة جديدة من الانفتاح والتنسيق بين البلدين بعد سنوات من القطيعة والتوترات التي أعقبت الإطاحة ببشار الأسد.
وكتبت وكالة "قنا" القطرية "تقدم الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد، مستقبلي أخيه الرئيس أحمد الشرع رئيس الجمهورية العربية السورية الشقيقة، لدى وصوله والوفد المرافق الصالة الأميرية بمطار حمد الدولي، اليوم، في زيارة رسمية للبلاد".
وأضافت "كما كان في استقبال فخامته والوفد المرافق، عبدالله بن محمد الخليفي رئيس الديوان الأميري، ومحمد بن عبدالعزيز الخليفي وزير الدولة بوزارة الخارجية".
وفي وقت سابق الثلاثاء، كتب وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني عبر منصة إكس "نرافق اليوم الرئيس أحمد الشرع في زيارته الرئاسية الأولى إلى قطر، الدولة التي وقفت مع السوريين منذ البداية ولم تتخلَّ عنهم".
وهذه الزيارة، التي أعقبت تقاربا ملحوظا بين البلدين وتلت زيارة مماثلة ناجحة للشرع إلى الإمارات التي تمثل بثقلها السياسي وحضورها الإقليمي بوابة حاسمة لإعادة إدماج سوريا الجديدة في محيطها العربي.
وتمثل زيارة الشرع للدوحة محطة مفصلية في مساعي قطر لترسيخ موقعها كلاعب إقليمي مؤثر في سوريا ما بعد الأسد، وتعزيز دورها في عملية إعادة الإعمار المعقدة التي تعيقها العقوبات الغربية الصارمة.
وقد سبقت هذه القمة القطرية السورية سلسلة من الإشارات الإيجابية، أبرزها الزيارة التاريخية التي قام بها أمير قطر إلى دمشق في يناير الماضي، ليصبح بذلك أول زعيم عربي يزور سوريا بعد التغيير القيادي.
خلال تلك الزيارة، أكد الشيخ تميم دعم بلاده الثابت لوحدة سوريا وسيادتها واستقلالها، مشيدا بجهود الإدارة الجديدة لتحقيق الاستقرار وتلبية احتياجات الشعب السوري. كما شدد على أهمية تشكيل حكومة تمثل كافة الأطياف السورية للمضي قدما في مشاريع إعادة الإعمار والتنمية، مؤكدا وقوف قطر الدائم إلى جانب الشعب السوري.
من جانبه، أعرب الشرع عن تقديره العميق لزيارة أمير قطر، معتبرًا إياها تجسيدا لمواقف قطر الداعمة لسوريا في مختلف المراحل. وأكد تطلع دمشق إلى بناء تعاون استراتيجي شامل مع الدوحة والاستفادة من خبراتها في تحقيق نهضة تنموية مستدامة.
وفي الأشهر التي تلت تلك الزيارة التاريخية، استمر التواصل الرفيع المستوى بين البلدين، تجسد في اتصال هاتفي بين الزعيمين في مارس الماضي، وإعادة فتح قطر لسفارتها في دمشق بعد أكثر من عقد على إغلاقها، واستضافة الدوحة لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في يناير الماضي.
تسعى قطر بخطى حثيثة نحو تثبيت أقدامها كلاعب إقليمي محوري في المشهد السوري المتشكل حديثا، مستثمرة علاقاتها المتوازنة مع مختلف القوى الدولية والإقليمية، إذ تطمح الدوحة إلى الاضطلاع بدور رائد في عملية إعادة الإعمار الهائلة التي تنتظر سوريا، متحالفة في ذلك مع تركيا، الداعم الأبرز للإدارة السورية الجديدة، وهذا الطموح القطري يتقاطع مع ديناميكيات إقليمية آخذة في التبلور، تشهد تقاربا تدريجيا بين دول عربية وسوريا بعد سنوات من التباعد والتوتر.
غير أن هذه الطموحات القطرية السورية المشتركة تصطدم بجدار الواقع الجيوسياسي المعقد، حيث لا تزال العقوبات الأميركية والأوروبية الصارمة المفروضة على سوريا خلال حقبة الأسد تشكل عائقا بنيويا أمام أي تحرك اقتصادي أو استثماري واسع النطاق.
ويدرك الرئيس الشرع هذا التحدي، ويسعى جاهدا لإقناع المجتمع الدولي بضرورة رفع هذه القيود، التي يرى أنها تكبل جهود إنعاش الاقتصاد السوري المتهالك وتحول دون عودة دمشق إلى مكانتها الطبيعية على الساحة الدولية.
في هذا السياق الدقيق، تتضح جليا أبرز الملفات التي يحملها الرئيس الشرع إلى الدوحة، حيث يأتي على رأس أولوياته تعزيز الاعتراف الدولي بالإدارة السورية الجديدة وحشد التأييد القطري في المحافل الإقليمية والدولية. كما تبرز الحاجة الماسة إلى مساعدة قطرية مباشرة لإنعاش الاقتصاد السوري المترنح، بما في ذلك دعم قطاعات حيوية كدفع رواتب القطاع العام وتوفير العملة الصعبة اللازمة لتحريك عجلة الاقتصاد.
وعلى صعيد العلاقات الدولية، من المرجح أن يلتمس الرئيس الشرع من قطر استغلال نفوذها وعلاقاتها الوطيدة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للضغط من أجل تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا، معتبرا أن الدوحة يمكن أن تلعب دور الوسيط المقنع في هذا الملف الشائك.
إلى جانب ذلك، تولي دمشق أهمية قصوى لجذب الاستثمارات القطرية للمساهمة الفعالة في عملية إعادة الإعمار، خاصة في القطاعات الحيوية كالبنية التحتية والطاقة، التي تمثل مفتاح التعافي الاقتصادي المستدام. كما تسعى سوريا إلى ضمان استمرار وتوسيع نطاق المساعدات الإنسانية القطرية للتخفيف من وطأة الأزمة الإنسانية التي لا تزال تثقل كاهل الشعب السوري.
وعلى المدى الأبعد، تهدف زيارة الرئيس الشرع إلى الدوحة إلى إرساء دعائم علاقات ثنائية متينة وشاملة في مختلف المجالات، بما في ذلك التبادل التجاري والثقافي والتعاون الأمني، بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين والشعبين الشقيقين.