الشرع يدعو للسلام وسط اتهامات بارتكاب قواته مجازر في مناطق العلويين

دمشق - دعا الرئيس الانتقالي أحمد الشرع اليوم الأحد الى الحفاظ على الوحدة والسلم الأهلي في سوريا، بعد مقتل أكثر من ألف شخص بينهم مئات المدنيين العلويين، بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان، في أسوأ عمليات عنف طائفية شهدتها البلاد منذ الحرب الأهلية التي أطاحت بعد 13 عاما بنظام الرئيس السابق بشار الأسد.
ويُنظر إلى دعوات الشرع للسلام على أنها متناقضة مع الأفعال المنسوبة لقواته، حيث أظهرت إدارته في تعاملها مع الأحداث التي جرت في مناطق العلويين بغرب البلاد، أنها لا تتصرف بصفتها مؤسسة حكومية انتقالية، بل بصفتها حركة تحرير الشام التي تنحدر من تنظيم القاعدة، لتذكر خصومها بأن الاعتدال والتطمينات هي إجراءات مجرد تكتيكية تفرضها ظروف الحكم، وأن الخيار العسكري جاهز لدحرهم، في مؤشر على البلاد تتجه نحو حرب أهلية طائفية.
وتعكس هذه الأحداث مدى تعقيد الوضع في سوريا، حيث تتداخل الصراعات السياسية والطائفية، فيما يثير تصاعد العنف مخاوف من انزلاق البلاد إلى مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار، كما يزيد من مخاوف الدول المجاورة.
وبدأ التوتر الخميس في قرية ذات غالبية علويّة في ريف محافظة اللاذقية الساحلية على خلفية توقيف قوات الأمن لمطلوب، وما لبث أن تطوّر الأمر إلى اشتباكات بعد إطلاق مسلّحين علويين النار، وفق المرصد السوري الذي تحدث منذ ذلك الحين عن حصول عمليات "إعدام" طالت المدنيين العلويين.
وأرست السلطات تعزيزات إلى محافظتي اللاذقية وطرطوس المجاورة في الساحل الغربي حيث أطلقت قوات الأمن عمليات واسعة النطاق لتعقب موالين للأسد.
وتعد هذه الأحداث الأعنف التي تشهدها البلاد منذ الإطاحة بالأسد المنتمي الى الأقلية العلوية، في الثامن من ديسمبر.
وقال الشرع خلال كلمة ألقاها في أحد مساجد دمشق في وقت مبكر الأحد إن "ما يحصل في البلد هو تحديات متوقعة".
وأضاف "يجب أن نحافظ على الوحدة الوطنية، على السلم الأهلي قدر المستطاع"، مؤكدا أن السوريين قادرون على "أن نعيش سوية بهذا البلد".
وكان المرصد أحصى أن أكثر من 700 مدني علوي قتلوا منذ الخميس على يد قوات الأمن ومجموعات رديفة لها، وذلك خلال عمليات تمشيط واشتباكات مع موالين للأسد، مشيراً إلى "إعدامات على أسس طائفية أو مناطقية".
وأورد في أحدث حصيلة أن "745 مدنيا علويا قتلوا في مناطق الساحل السوري وجبال اللاذقية من جانب قوات الأمن ومجموعات رديفة" منذ الخميس.
وبلغت الحصيلة الإجمالية 1018 قتيلا على الأقل، بينهم 273 عنصرا من قوات الأمن والمسلحين الموالين للأسد. ولم تعلن السلطات أي حصيلة رسمية.
والأحد، وصفت ألمانيا تقارير بشأن أعمال القتل في سوريا بأنها "صادمة". وقالت وزارة الخارجية الألمانية في بيان "تقع على عاتق الحكومة الانتقالية مسؤولية منع وقوع مزيد من الهجمات والتحقيق في الحوادث ومحاسبة المسؤولين عنها"، وتابعت "نحضّ بشدة كل الأطراف على إنهاء العنف".
ودعا قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي اليوم الأحد الشرع إلى ضرورة محاسبة مرتكبي أعمال العنف الطائفي في المناطق الساحلية، متهما الفصائل المدعومة من تركيا بالوقوف في المقام الأول وراء عمليات القتل.
وقال عبدي لرويترز في تعليقات مكتوبة إن على الشرع التدخل لوقف "المجازر" قائلا إن الفصائل "التي لا تزال تدعمها تركيا والمتشددون الإسلاميون" هي المسؤولة بشكل رئيسي.
وندد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، اليوم الأحد، بأحداث الساحل غرب سوريا داعيا الحكومة الجديدة في دمشق الى الابتعاد عن "العنف والطائفية".
وكتب الصدر في منشور له على منصة إكس "تصلنا أخبار محزنة من سوريا حيث استهداف الطائفة العلوية من قبل الحكومة الجديدة بأساليب عنف قد تصل الى التطهير الطائفي".
ودعا الصدر العلويين إلى "التصرف بحكمة وحذر حفاظا على وحدة الصف السوري وتضييع الفرصة على المتشددين والمتربصين أعني الصهاينة وداعميهم الذين يرومون اجتياح سوريا".
كما ودعا زعيم التيار الصدري الحكومة الجديدة الابتعاد عن "العنف وذلك من أجل ألّا يُتهموا بكونهم (دواعش) وإرهاب".
وحث الصدر الدول المجاورة لسوريا على "عدم التصعيد في تصريحاتها لكيلا يزداد الأمر سوءاً".
وحذر مقتدى الصدر ايضا الحكومة السورية "من التشبه بالدكتاتور المخلوع"، في اشارة الى رئيس النظام السابق بشار الأسد، مستدركا القول "وإلا فإن المتضرر الوحيد هو الشعب السوري".
والأحد أعلنت وزارة الداخلية إرسال تعزيزات إضافية إلى منطقة القدموس بريف طرطوس، بهدف ضبط الأمن وتعزيز الاستقرار وإعادة الهدوء إلى المنطقة.
وقالت الوزارة إنه "استمرارا لجهودها في تعزيز الأمن وإرساء الاستقرار، تجري إدارة الأمن العام عمليات تمشيط في منطقة القدموس والقرى المحيطة بها بريف طرطوس، بهدف ملاحقة ما تبقى من فلول النظام البائد".
من جهتها، أوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) نقلا عن مصدر في وزارة الدفاع قوله "تجري الآن اشتباكات عنيفة بمحيط قرية تعنيتا بريف طرطوس، حيث فر إليها العديد من مجرمي الحرب التابعين لنظام الأسد البائد ومجموعات من الفلول المسلحة التي تحميهم".
وأفاد مصور وكالة الصحافة الفرنسية بدخول دخول رتل مسلّح إلى منطقة بسنادا في محافظة اللاذقية وبحصول "تفتيش للبيوت".
إلى ذلك، ذكرت وكالة الأنباء السورية للأنباء (سانا) اليوم الأحد أن اشتباكات اندلعت في محطة بانياس للطاقة في سوريا مع قوات الأمن في المحطة بعد هجوم "لفلول النظام السابق"
وشارك ناشطون والمرصد السوري الجمعة مقاطع فيديو تظهر عشرات الجثث بملابس مدنية مكدّس بعضها قرب بعض في باحة أمام منزل، وقرب عدد منها بقع دماء، بينما كانت نسوة يولولن في المكان.
وفي مقطع آخر، يظهر عناصر بلباس عسكري يأمرون ثلاثة أشخاص بالزحف على الأرض، واحدا تلو آخر، قبل أن يطلقوا الرصاص عليهم من رشاشاتهم من مسافة قريبة. ويظهر في مقطع ثالث مقاتل بلباس عسكري يطلق الرصاص تباعا من مسافة قريبة على شاب بثياب مدنية في مدخل مبنى قبل أن يرديه.
ولم يتم التمكن من التحقق من مقاطع الفيديو.
ويفيد سكان ومنظمات بين حين وآخر بحصول انتهاكات تشمل أعمالا انتقامية بينها مصادرة منازل أو تنفيذ إعدامات ميدانية وحوادث خطف، تُدرجها السلطات في إطار "حوادث فردية" وتتعهد ملاحقة المسؤولين عنها.
وأفاد سكّان في المنطقة الساحلية بغرب سوريا حيث تتركز الأقلية العلوية، بعمليات قتل طالت مدنيين.
من بانياس، روى سمير حيدر (67 عاما) أن "مجموعات مسلحة" بينها "عناصر أجنبية" قتلت شقيقيه وابن أحدهما بإطلاق النار عليهم مع رجال آخرين.
وأكد الرجل اليساري الذي قضى أكثر من عقد من حياته في سجون النظام السابق، أنه لجأ في اللحظة الأخيرة إلى حيّ سنيّ في المدينة. وقال لفرانس برس "لو تأخرت خمس دقائق لكنت في عداد الموتى (...) لقد أُنقذنا في الدقائق الأخيرة".
وتشكّل المعارك مؤشرا على حجم التحديات التي تواجه الشرع لناحية بسط الأمن في عموم سوريا، مع وجود فصائل ومجموعات مسلحة ذات مرجعيات مختلفة بعد 13 عاما من نزاع مدمر.
وفي عظته الأحد، حضّ بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر، الشرع على "وقف هذه المجازر" و"إعطاء الشعور بالأمان والاستقرار لجميع أبناء سوريا بكل أطيافهم".
وقال البطريرك "كانت المناطق المستهدفة هي أماكن العلويين والمسيحيين"، وتابع "قد سقط أيضاً العديد من القتلى المسيحيين الأبرياء".
وأضاف يوحنا العاشر "أولئك القتلى ليسوا جميعهم من فلول النظام، بل إن غالبيتهم من المدنيين الأبرياء والعزَّل ومن النساء والأطفال".
ورأى الباحث في مؤسسة "سنتشوري انترناشونال" آرون لوند أن "المسلحين العلويين لا يشكلون تهديدا لسلطة الشرع، لكنهم يمثلون تحديا محليا خطيرا"، مبديا خشيته من أن يطلق التصعيد الأخير "العنان لتوترات من شأنها أن تزعزع الاستقرار بشكل كبير".
ويضيف "يشعر الطرفان بأنهما تحت الهجوم، وكلاهما تعرض لفظائع مروعة على يد الآخر"، في وقت لا تملك حكومة الشرع للتعامل مع المسلحين العلويين، إلا "سلطة القمع، وجزء كبير من هذه السلطة يتكون من متشددين جهاديين يعتبرون العلويين أعداء الله".