الشتاء يدق أبواب البيوت المدمرة في بيروت

منازل مدعومة بعوارض خشبية خوفا من الانهيار مع اقتراب موسم العواصف، ونوافذ مغطاة بشوادر بلاستيكية لتحجب الأمطار والرياح.
الخميس 2020/11/26
برد وريح ومطر على الأبواب

بيروت ـ أكثر من 100 يوم مرت على كارثة مرفأ بيروت، وما زالت معظم الأبنية المتضررة بحاجة إلى ترميم أو إعادة إعمار، في وقت يزداد فيه قلق أصحابها من اقتراب فصل الشتاء وبرده القارس.

على أبواب الشتاء الأول بعد حادثة المرفأ، يقف المتضررون منتظرين إعادة إعمار بيوتهم، في ظل المشهد السياسي المعقد بالأزمات الاقتصادية والمعيشية، فالأضرار الناجمة عن الانفجار امتدت إلى مساحات بعيدة حول المرفأ، حيث قدرت الوحدات السكنية التي تضررت كليا أو جزئيا بحوالي 85 ألف وحدة، منها منازل ومكاتب، وفق الباحث في الشركة الدوليّة للمعلومات (مؤسسة خاصة)، محمد شمس الدين.

قال شمس الدين إن “هناك 69 ألفا ومئة وحدة سكنية بالمناطق القريبة، وهذه أضرارها كبيرة جرّاء الانفجار، و16 ألفا بالمناطق البعيدة أضرارها بسيطة مثل تحطم الزجاج”.

وبحسب تقرير أعدته نقابة المهندسين في بيروت وطرابلس، فإن 2500 مبنى تأثرت بشكل مباشر، 300 منها مهددة بالانهيار، و250 معرضة للانفصال في بعض أجزائها، و550 فيها تشققات وتحتاج إلى ترميم.

في 4 أغسطس الماضي وقع انفجار ضخم في عنبر رقم 12 بمرفأ بيروت، ووفق التقديرات الأولية الرسمية فإنه كان يحوي نحو 2750 طنا من مادة “نترات الأمونيوم” شديدة الانفجار، وقد كانت مُصادرة من سفينة ومُخزنة في عنابر المرفأ منذ عام 2014.

ليلى غلام واحدة من سكان شارع مار ميخائيل القريب من مرفأ بيروت، قالت، إن منزلها تضرر بشكل كبير “وقد ينهار في أي لحظة”.

وبدلا من جدرانه المهدمة، استعاضت ليلى بشوادر بلاستيكية من منظمة اليونيسف، علها تحجب الأمطار عما بقي من منزلها الذي دعمته شركة محلية بعوارض خشبية، خشية انهياره بالكامل مع اقتراب موسم العواصف.

ومنذ وقوع الانفجار وتتضرر منزلها، اضطرت ليلى إلى تركه والذهاب للعيش في منطقة جبلية عند أقاربها، فهي لا تمتلك القدرة المادية على إعادة إعماره كما أن المسؤولين “تخلوا” عنها، كما قالت.

Thumbnail

أما آلان شاوول الذي يقطن في منطقة متضررة بشكل مباشر من الانفجار، فيملك بناء سكنيا من 3 طوابق، لكنه بعد أن تضرر بشكل كبير “أصبح غير صالح للسكن”. ورغم أن منزله متضرر بشكل كبير ومعرض للانهيار في أي لحظة، فإن شاوول يُضطر إلى المبيت في إحدى غرفه وسط الركام وأخشاب تدعيم وضعت كي لا ينهار.

ويعيش الآن في منزله الذي تتسرب إليه المياه كلما نزلت الأمطار، ولا تحميه سوى شوادر بلاستيكية حلت مكان السقف والنوافذ، قدمتها له إحدى الجهات غير الحكومية. وأشار شاوول إلى أن بناءه مصنف أثريا، حيث تم تشييده قبل نحو 150 عاما، مثل كثير من المباني في تلك المنطقة التي تضررت بشكل كبير، وينتظر أصحابها إعادة تأهيلها.

واستطرد، “عندما نسأل المسؤولين في وزارة الثقافة وتحديدا المسؤولة عن الأبنية ذات الطابع التراثي عن موعد الترميم وإعادة الإعمار يجيبون بعدم وجود أموال”.

وتابع “كل ما قُدّم لنا حتى الآن شوادر بلاستيكية وأخشاب لتدعيم الجدران كي لا ينهار البناء”. ثم تساءل، “إلى متى علينا أن ننتظر؛ سنة أم اثنتين أم ثلاثا؟ أم هل سنبقى مشردين هكذا؟”.

ومن بين آلاف الأبنية المتضررة، هناك 968 بناء تراثيا (تعود إلى القرن الـ19 حتى ثلاثينات القرن الماضي)، تضررت بشكل متفاوت، من بينها 360 تضررت بشكل كبير، بحسب وزارة الثقافة المسؤولة عن الأبنية ذات الطابع التراثي.

وفي هذا الإطار، قال وزير الثقافة بحكومة تسيير الأعمال، عباس مرتضى، إن الوزارة تجري أعمالا لتدعيم الأبنية المهددة تفاديا لانهيارها، مشيرا إلى إنشاء أسقف معدنية مؤقتة لحمايتها من الأمطار.

وأضاف، “الأزمة كبيرة. إذا لم تُتخذ خطوات جدية على صعيد المؤسسات الرسمية، فإن واجهة بيروت وتاريخها مهدد بالزوال”، داعيا الدول الصديقة إلى تقديم المساعدات المالية “للحفاظ على الإرث الثقافي والحضاري في لبنان”.

وفي هذا الوقت، تنشط حملات إغاثية لجمعيات مدنية بهدف مساعدة المتضررين، من خلال ناشطين متطوعين من الشبان والشابات يعملون على إسناد أصحاب بعض المنازل.

Thumbnail

قالت غيدا بساط، من حملة “مشاريع ودفا”، “استطعنا تقديم المساعدة لنحو مئة منزل متضرر بشكل طفيف من خلال إصلاح النوافذ والأبواب لتمكين أصحابها من العودة إليها”.

وأوضحت، أن الكثير من المنازل بحاجة إلى إمكانيات مادية وتقنية هائلة تفوق قدرات الجمعيات”، مشيرة إلى أن “الأمر يتطلب دورا من الدولة ومساعدات خارجية”.

وتسبب انفجار المرفأ في مقتل 200 شخص وأكثر من 6 آلاف جريح، وما يزيد عن 300 ألف مشرد فقدوا منازلهم، ولا يزال عدد كبير من العائلات تقيم في الفنادق وأماكن أخرى.

وبحسب رئيس بلدية بيروت، جمال عيتاني، فإن كلفة إعادة إعمار ما دمّر من الأبنية السكنية فقط يقدر بنحو 3 مليارات دولار. وقال عيتاني، “ننتظر المؤتمر الدولي المخصص لإعادة إعمار مدينة بيروت الذي من المقرر أن يعقد عقب تشكيل الحكومة” المتعثرة أصلا.

وأشار إلى أن “هناك كثيرا من الجمعيات تلقت وعودا من جهات دولية بمنحها أموالا، لكن لم يتحقق إلا جزء منه”، مضيفا أن “إعادة الإعمار مشروع كبير جدا يتطلب دولا مانحة”. وشدد عيتاني على أن “همنا الأساسي اليوم يتمثل في عودة الأهالي إلى بيوتهم المتضررة بعد ترميمها” ولاسيما مع دخول فصل الشتاء.

20